Pages

Selasa, 18 Oktober 2011

Allamah Thaba'thabai "Shalat Jumat.. 88-158

                        صلاة الجمعة، ص: 89
بيان الاستدلال: أنّ زُرارة سأله عن شرائط الجمعة على من جرى عليه قلم التكليف، فأجاب الإمام عليه السّلام أوّلًا بأنّ الشرط للوجوب إنّما وجود سبعة من المسلمين بحيث كلّما تحقّقت تجب الصلاة، و هذا بإطلاقه [1] يدلّ على نفى الاشتراط بالنسبة إلى حضور الإمام و كذا سائر الشّرائط من الحُرِّيَّة و السَّلامة و غيرهما، غاية الأمر أنّه كلّما دلّ الدليل على اشتراط الوجوب ببعض القيود نقيّده به و نتمسّك بالإطلاق، بالإضافة إلى ما لم يثبت الاشتراط به كما هو الشأن فى سائر موارد الإطلاقات، ثمّ بيّن الإمام عليه السّلام بأنّ السبعة إنّما هى شرط الوجوب [2]، و أمّا الانعقاد فقد يتحقّق بمجرّد وجود خمسة منهم و ليس إمامهم خارجاً عنهم بل هو محسوب من العدد، فلمّا لم يُبيّن بأنّ إمام السبعة أيضاً داخل فى العدد فَرَّع عليه السّلام ثانياً على ما ذكره أولًا بأنّ الإمام فى السبعة أيضاً ليس خارجاً عنهم، بل كلّما تحقّقت السبعة تجب الصلاة بأن يامّهم بعضهم، و لا يخفى أنّ هذه الفقرة فى نفسها لها أقوى ظهور فى عدم اشتراط إقامة المعصوم أو نائبه فى الوجوب، لأنّ المراد من ظاهر البعض هو أيّ بعض يكون و ليس فيه خصوصيّةٌ لا بعضاً مبهماً
__________________________________________________
1- لا يخفي أنّ الرّاوي سأل الإمام عليه السّلام عن وجوب الصلاة و هو في زمن أئمّة الجور و العدوان الغاصبين لحقّ آل محمّد صلّى الله عليه و آله و سلّم، فالرّواية صريحة في عدم اشتراط حضور الإمام عليه السّلام أو الحكومة الإسلاميّة و ليس هيهنا إطلاق يتمسّك به في نفي الاشتراط بل صريحٌ بعدم الاشتراط بمعونة القرائن الحاليّة، فلا تغفل. (منه عُفي عن جرائمه)
2- اشتراط وجود السبعة لثبوت وجوب الصلاة منافٍ لما ذكر في ابتداء الرسالة من أنّ الصلاة بالنسبة إلى حضور الأفراد و استعدادهم للصلاة مطلقة لا مشروطة، على أنّنا لم نحصل على معنى شرطيّة السبعة في الوجوب و الخمسة في الانعقاد إلّا أن يقال باستحباب الصلاة في الخمسة بحيث يتدارك بها مصلحة الصلاة الواجبة اختياراً لا إلزاماً. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 90
حتّى لا ينافيه إرادة شخصٍ خاصّ للإمامة من المعصوم أو المنصوب من قِبَله.
و قد تمحّل في «مصباح الفقيه» لتوجيه هذه الرواية لما ذهب إليه مع اعترافه بظهورها في الوجوب التعييني بحملها على: الاستحباب، أو بيان مطلق المشروعيّة، أو يكون المقصود بأمّهم بعضهم البعض المعهود عندهم لا مطلقه، و أنت خبير بأنّ هذه التوجيهات الّتي لا يتحمّله اللفظ تكون في حكم طرح الرّواية بتعبير آخر [1].
                        الدّليل الثالث على القول المختار: موثّقة ابن بكير

الثالث: موثّقة ابن بكير عن زرارة عن عبدالملك عن أبي جعفر عليه السّلام:
 «قال: قال: مثلك يهلك و لم يصلّ فريضةً فرضها الله، قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: صلّوا جماعة، يعني الجمعة [2]».
و لا يخفى أنّها نصّ في الوجوب، فيدلّ على شدّة الاهتمام بها من وجوه خمسة:
الأوّل: أنّ كلمة «مثل» مُصَدَّر بالاستفهام المَحذوف و ظاهره التوبيخ على تركها، و من المعلوم أنّه لا يوبّخ إلّا عند ترك أمرٍ إلزامىٍّ.
الثّاني: الإيراد بكلمة مثل، و الإيراد بها في أمثال المقام إنّما هو لبيان أنّ شدّة قبح التّرك بلغت بمرتبة يخجل المتكلّم من أن يَنْسِبَه إلى المخاطب فحينئذٍ يُعبِّر بأنّ مَن كان مثلًا لك في الصفات لا يجوز له أن يرضى بالترك.
الثالث: كلمة الهلاك، و هو لغة الموت على وجه سوء.
الرابع: كلمة الفريضة، و الفرض لغة بمعنى الوجوب.
__________________________________________________
 [1]- و ليت شعرى أيّة حاجة لهم في هذه التّوجيهات المضحكة و التّأويلات الرّديّة المحرّفة لكلام المعصوم عليه السّلام عن منهجه و مساقه؟! و هل هذا إلّا لعب بكلام الإمام عليه السّلام؟! (منه عُفي عن جرائمه)
 [2]- وسائل الشّيعة، باب 5، ص 12، ح 2.
                        صلاة الجمعة، ص: 91
الخامس: انتساب الفريضة إلى الله، فإنّه و إن كان جميع الفرائض من قِبَل الله سبحانه إلّا أنّ بيان نسبة هذه الفريضة إلى الله و تخصيصها بالذكر لمكان تفهيم المخاطب كى يتوجّه دائماً بأنّ هذا الأمر صدر من الله الملك السُّلطان القادر القاهر على جميع الامور، فَتَرْك هذه الفريضة إنّما هو مساوق للخروج عن تحت رِقِّيَّته و عبوديّته، مع أنّه من أعظم القبائح، و هذا نظير ما إذا قيل لأحدٍ من الرعايا: أنت تركت أمراً أمر به السلطان، و هو أبلغ بمراتب ممّا إذا قيل: أأنت تركت الأمر الفلاني؟
و لمّا كان عبدالملك عالماً بأنّه لا يجوز عقد جمعتين في محلّ واحد مع علمه بأولويّة الإمام في الإمامة و عدم جواز تقديمه نفسَه عليه فقد تحيّر من كلامه عليه السّلام فقال: كيف أصنع بدونكم؟ فأجاب: صلّوا عندكم جماعةً؛ و هذه الرِّواية أدلّ دليل على أنّ عدم جواز إقامة الجمعة في زمان الحضور مع قيام الإمام بها ليس لاشتراطها به بل لأنّه عليه السّلام كان أولى الناس بإقامتها، كما كان هذا ضروريّاً من المذهب فإذا لم يتمكّن عليه السّلام من الإقامة كان الوجوب باقياً بالنسبة إلى الباقين، و سيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى.
و من الغريب استدلال صاحب «الجواهر» و بعض من تبعه بهذه الرواية على استحباب الجمعة مع عدم حضوره و سلطنته عليه السّلام بأنّ عبدالملك من أجلّاء الأصحاب، و هذه الرواية دلّت على استمرار تركه إيّاها و لذا تأسّف من عدم تمكّنه لها لعدم تمكّن إمامه عليه السّلام فأجازه الإمام عليه السّلام بإقامتها.
أقول: إنّ استمرار ترك عبدالملك بل جميع الأصحاب و إن كان ممّا لا خدشة فيه إلّا أنّه كان لمكان التقيّة الرافعة للتكليف- كما سيأتي توضيحه- فلمّا
                        صلاة الجمعة، ص: 92
ضعفت التقيّة بحيث كان عبدالملك متمكّناً من عقدها فاعترض الإمام عليه السّلام بتركها و وبّخه على ذلك؛ فلا يقال: إن كان ترك عبدالملك مع جلالة قدره و عظم شأنه لعذرٍ لا محالة فكيف يصحّ التوبيخ؟! لأنّا نقول: إنّ تركه مدّة استمرار التقيّة و إن كان لعذرٍ إلّا أنّ توبيخه عليه السّلام لم يكن لذلك بل كان في زمان ضعفت التقيّة و صار متمكّناً من عقدها مع نَفَرٍ يسير من المؤمنين لمكان انتظاره بأن يؤمّ بهم الإمام عليه السّلام كما يظهر من قوله: كيف أصنع؟ فالإمام وبّخه على تركه حينئذٍ و دلّه على أنّ بقاء التقيّة بالنسبة إليه عليه السّلام لا يوجب رفع التكليف بالنسبة إلى الباقين [1].
                        الدّليل الرابع على القول المختار: سائر الإطلاقات الواردة في المقام‏

الرابع من الأدلّة: سائر الإطلاقات الواردة في المقام:
منها صحيحة أبي بصير و محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السّلام قال:
 «إنّ الله عزّ و جلّ فرض في كلّ سبعة أيّام خمساً و ثلاثين صلاة منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة: المريض و المملوك و المسافر و المرأة و الصبيّ [2]».
و لا يخفى دلالتها على العموم لأنّها دلّت على أنّ في كلّ اسبوع إلى يوم القيامة أوجب الله تعالى خمساً و ثلاثين صلاة على المكلّفين و كان منها صلاة الجمعة، فإنّه لو لم يجب في يوم الجمعة صلاة الجمعة بل وجب أربع ركعات لزم أن يزيد مقدار الفرائض عن هذا المقدار و حُمِل الفرض في يوم الجمعة على الجامع‏
__________________________________________________
 [1]- هذا و لكن يمكن أن يكون التّوبيخ لمكان التّنبيه بالاهتمام لا لقصوره، و مثل هذا يقع كثيراً في المحاورات لأنّه من المحتمل جدّاً عدم اطّلاعه على عموميّة الخطاب لكلّ الظروف و المجالات و الإمام عليه السّلام بيّن له هذه النّكتة بهذا التّعبير. (منه عُفي عن جرائمه)
 [2]- المصدر السابق، باب 1، ص 5، ح 14.
                        صلاة الجمعة، ص: 93
بين أربع ركعات و بين ركعتين مع الخطبتين، كى لاتزيد الفرائض على القدر المذكور [1].
يدفعه أوّلًا: خلاف السّياق من الرواية، لأنّها في مقام بيان الفرائض التعيينيّة كما أنّ الأمر كذلك في سائر الصلوات.
و ثانياً: خلاف صريح الرّواية بأنّ المراد من صلاة يوم الجمعة الّتي هى إحدى من الخمسة و الثلاثين صلاة هو خُصوص الصلاة الّتي يجب الإتيان بها جماعة و هى الركعتان مع الخطبة لأنّها هى الساقطة عن الخمسة دون الجامع بين الفرضَين.
و الحاصل أنّ ظهور الرّواية في الوجوب التعيينيّ من جهة تعداد الفرائض أوّلًا، و من جهة إطلاق الوجوب ثانياً، و من أجل اقترانها مع الواجبات التعيينيّة ثالثاً، و من أجل استثناء الخمسة المعلوم أنّه من الوجوب التعييني لا مطلق الوجوب رابعاً ممّا لا يكاد يخفى.
و منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام‏
 «قال: فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة منها صلاة واحدةٌ فرضها الله عزّ و جلّ في جماعةٍ و هى الجمعة، و وضعها عن تسعةٍ، عن: الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و مَن كان على رأس فرسخين [2]».
__________________________________________________
 [1]- لم نفهم كيفيّة الاستدلال و أيّ فرق بين وجوب صلاة الجمعة و صلاة الظهر بأربع ركعات في ضمن العدد خمس و ثلاثين، لأنّ المراد ليس عدد ركعات صلاة الظهر أ كانت أربعاً أو اثنتين بل نفس الصلاة ملحوظة هيهنا. (منه عُفي عن جرائمه)
 [2]- وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 1، ج 5، ص 2، ح 1.
                        صلاة الجمعة، ص: 94
و الظاهر أنّ المقصود الأصليّ من هاتين الروايتين هو بيان حُكم الجمعة بقرينة ذكر الاسبوع في الاولى، و من الجمعة إلى الجمعة في الثانية، لأنّ تعداد الصَّلَوات و وجوبها كان أمراً مفروغاً عنه من زمن النبّيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم بل يعدّ من الضروريّات فلا يحتاج إلى عدّها خصوصاً لمثل زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير، بل كما ذكره بعض المعاصرين: لو كان المراد منه بيان تعداد الصلوات لما كان وجه لبيان تعداد صلوات الاسبوع، بل كان الأنسب أن يبيّن تعداد الصلوات اليوميّة بأن يقول: فرض الله على الناس في كلّ يوم و ليلة خمس صلاة، بل كان عدّها تمهيداً لبيان اشتراك صلاة الجمعة مع باقى الصلوات اليوميّة في كونها فريضةً مثلها و امتيازها عن غيرها بكون تشريعها على وجه الجماعة و وضعها عن التسعة دون غيرها من الصلوات [1].
و منها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله عليه السّلام‏
 «قال: يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة نَفَر فما زاد، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم، و الجمعة واجبةٌ على كلّ أحدٍ لا يعذر الناس فيها إلّا خمسة: المرأة و المملوك و المسافر و المريض و الصبيّ [2]».
و هذه الرواية في دلالتها على العموم لا تقصر عن الروايتين السابقتين إن لم‏
__________________________________________________
 [1]- هذه الرواية تدلّ بإطلاقها على وجوب صلاة الجمعة في أيّ زمان سواء زمان حضور الإمام عليه السّلام أو غيبته و في زمن تشكّل الحكومة العادلة أو غيرها، لأنّ الرواية في زمن الإمام الصادق عليه السّلام و هو عليه السّلام كان يعيش في زمن الحكّام المغتصبين و المعتدين، و في هذه الرواية أدلّ دلالة على عدم اشتراط الصّحّة بوجود الإمام عليه السّلام أو وجود الحكومة الشرعيّة، فتنبّه. (منه عُفي عن جرائمه)
 [2]- وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 2، ص 8، ح 7، و باب 1، ص 5، ح 16.
                        صلاة الجمعة، ص: 95
تكن أقوى بملاحظة ذيلها و هو قوله عليه السّلام «لا يعذر الناس» نعم، لابدّ من رفع اليد عن ظهور صدرها في الوجوب لتصريح رواياتٍ اخر على عدم وجوبها لما دون سبعة نفرات.
و منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام‏
 «قال: صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها مع الإمام فريضة، فمن ترك ثلاث جُمَع ترك ثلاث فرائض، و لا يترك ثلاث فرائض من غير عذر و لا علّة إلّا منافق» [1].
و منها صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام:
 «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة و ليلبس الرّداء و العمامة و ليتوكّأ على قوسٍ أو عَصاً و ليقعد بين الخطبتين و يجهر بالقراءة و يقنت في الركعة الاولى منها قبل الركوع» [2].
و منها كلام مولانا أميرالمؤمنين عليه السّلام في خطبة:
 «و الجمعة واجبة على كلّ مؤمن إلّا على الصبّي» [3]، الخ.
و منها النبويّ:
 «الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلم إلّا أربعة» [4].
و منها رواية حفص بن غياث عن بعض الموالي:
 «إنّ الله عزّ و جلّ فرض [الجمعة] على جميع المؤمنين و المؤمنات و رخّص‏
__________________________________________________
 [1]- مصباح الفقيه، ج 2، ص 439؛ و وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 2، ج 5، ص 4، ح 8 و 12، مع اختلاف قليل.
 [2]- وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 6، ج 5، ص 15، ح 5.
 [3]- المصدر السابق، باب 1، ص 3، ح 6.
 [4]- المصدر السابق، ص 6، ح 24.
                        صلاة الجمعة، ص: 96
العبد و المرأة و المسافر لا يأتوها» [1].
إلى غير ذلك من الروايات المتقدّمة في صدر البحث و الآتية عند استدلال القائلين بالوجوب التخييرىّ على كثرتها حتّى بلغت حدّ الاستفاضة، بل لا يبعد ادّعاء تواترها المعنوي على وجوبها لكلّ مسلم، حتّى أنَّ الشيخ الأجلّ الشيخ حسين بن عبدالصمد والد شيخنا البهائى قدّس سرّه قال في رسالة الجمعة على ما حُكى عنه: إنّ مجموع الروايات الدالّة على وجوب صلاة الجمعة لكلّ أحد نصّاً و ظهوراً و تحريصاً تزيد على مِائَتَي حديثٍ، و من الغرائب دعوى صاحب «الجواهر» تبعاً لُاستاذه كاشف الغطاء من أنّ هذه الرّوايات تدلّ على وجوبها على وجه الإجمال لأنّها في مقام بيان أصل التشريع، و هذا ممّا لا ينكره أحد، بل هو من ضروريّات المذهب و يدلّ عليه عدم إمكان التمسّك بها في كلّ ما يُشكّ مدخليَّته في صحّتها من عدالة الإمام و سائر الأجزاء و الشرائط، و تبعه على ذلك المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» حيث قال:
أمّا عدم إطلاق وجوبها في مثل قوله «الجمعة واجبة على كلّ مسلم» و نحوه واضح إذ المقصود بها الجمعة الجامعة لشرائط الصّحّة، فلو شكّ في صحّة إمامة الفاسق أو ولد الزّنا أو ذو العاهة، لا يصحّ التمسّك لمثل هذه الأخبار.
و أمّا ما ورد في صحيحة منصور بن حازم من قوله عليه السّلام «يجمع القوم إذا كانوا خمسة فما زاد» لكان في مقام بيان العدد الّذى ينعقد به الجمعة و هكذا الأمر في سائر الروايات. [2]
أقول: غير خفيّ أنَّ المدّعى للإطلاق في هذه الرّوايات لا يدّعى إطلاقَها من‏
__________________________________________________
 [1]- المصدر السابق، باب 18، ص 34، ح 1.
 [2]- مصباح الفقيه، ج 2، ص 440.
                        صلاة الجمعة، ص: 97
أجل شرائط الواجب و هو صحّة الصلاة، بل الكلام في شرائط الوجوب، و أيّ إطلاق في جميع الفقه أظهر من هذه الإطلاقات في كونه بصدد البيان، بل كان وجوب صلاة الجمعة في بعض هذه الرّوايات مستفاداً من العموم الوضعىّ لا الإطلاق.
                        تقييد هذه الإطلاقات بصورة إقامة الإمام أو المنصوب من قبله مستهجن‏

و بالجملة أنّ دلالة هذه المطلقات على وجوبها لا يكاد يخفى بحيث يكون تقييدها بصورة إقامة الإمام أو المنصوب من قبله يعدّ من المستهجن و خروج الكلام عن درجة البلاغة إلى حدّ الرّكاكة، و هل يقبل الذوق السليم و الطبع المستقيم أن يتفوّه بإمكان تقييد قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة بأنّهم إذا لم يخافوا أمّهم بعضهم بما إذا كان هذا البعض هو الإمام كلّا؟! مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال بإباء هذه المطلقات عن التقييد و لو على فرض وجود دليل ظاهر في التّقييد من وجهين آخرين:
الوجه الأوّل: أنّه لا يخفى في المقام أنّ هذه المطلقات البالغة حدّ المِائَتَين أو أزيد كلّها صادرة من الصّادقَينِ إلّا القليل، فلو كان المراد منها اختصاص حكم الجمعة بالمعصومين أو المنصوب من قِبَلِهم فما فائدة إيراد هذه الأخبار؟! لأنّ المراد من حضور الإمام لو كان سلطنته عليه السّلام و قيامه بهذا الأمر فلا إشكال في أنّ هذا كان مختصّاً بالنّبيّ و أميرالمؤمنين عليهما الصلاة و السلام و زمان قيام الحجّة القائم عجّل الله فَرجه الشريف مع أن خلافة أميرالمؤمنين كانت مدَّةً يسيرةً آخر عمره الشريف، و أمّا زمان الخلفاء الثلاثة فهو عليه السّلام كان يحضر جمعتهم تقيّةً، هكذا الأمر في زمان الأئمّة عليهم السّلام مطلقاً من زمان الحسن عليه السّلام إلى زمان صاحب العصر عجّل الله فرجه الشريف، كان الأئمّة مهجورين مغلوبين‏
                        صلاة الجمعة، ص: 98
تحت أيادي الأشرار فيصير مفاد هذه الأخبار بناءً على هذا هو الإخبار عن وجوب القيام بهذه الوظيفة للموجودين في زمان النّبيّ أو مَن وُجِدَ بعده في زمان ظهور قائم آل محمّد روحى و أرواح العالمين فداه و لا تترتّب ثمرةٌ عمليّة لهذه المطلقات لِعَدم كون المكلّفين في غير هذين العصرين موضوعاً لهذا الحكم، بل تصير فائدة هذه الرّوايات مجرّد الإخبار و الحكاية عن أحكام غيرهم، و هو كما ترى مع ما في هذه الروايات من بيان الحثّ و الترغيب بما هو غير خفيّ على النّاظر إليها، و إن كان المراد من الحضور مجرَّدَ وجوده عليه السّلام بين الناس، و إن لم يتمكّن لإقامة الجمعة فلا وجه لتخصيص المذكور إذ لا فرق بين حضوره مع التقيّة و الخوف و بين غيبته و عدم تمكنّه من الصلاة بنفسه و تعيين نائب من قِبَلِه الّذى هو المناط في الوجوب التعيينيّ عند مَن أنكره في زمان الغيبة.
الوجه الثّاني: يتّضح بعد تمهيد مقدمتين، الاولى: أنّ المناط في تقديم دليل المقيَّد على دليل المطلق و حمل المطلق على المقيّد إنّما هو من جهة فهم العُرف حيث يُقدَّم الأظهر على الظاهر فهو تابع لإمكان الجمع العرفي الدّلاليّ بعد عدم إمكان الجمع بين الدليلَين و الأخذ بكِلا المفادَين لاتّحاد الحُكم، فلابدّ حينئذٍ إمّا مِن رَفْع اليد عن الإطلاق و حمله على المقيّد، و إمّا مِن رَفْع اليد عن ظهور المقيّد و حمله على كونه من أحد مصاديق المطلق، و حيث كان ظهور المقيّد في التقييد أجلى من ظهور المطلق في الإطلاق نرفع اليد عن الثّاني فنحكّم ظهور المقيّد عليه لأنّه بمنزلة القرينة الصارفة عن ظهور ذى القرينة.
إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ المناط في تقديم المقيّد على المطلق هو أظهريّة ظهوره منه و هو المدار في تشخيص القرينة عن ذى القرينة، و أمّا ما ربّما يظهر من‏
                        صلاة الجمعة، ص: 99
المحقِّق النائيني و تبعه بعض أساتذتنا بأنّه يجب تقديم القرينة على ذى القرينة و إن كانت أخفي ظهوراً منه، فهو كلام لا يرجع إلى محصّلٍ، إذ لا ملاك للقرينيّة إلّا الأظهريّة، و تمام الكلام في محلّه.
فعلى هذا إذا ورد مطلق و مقيّد فلابدّ من النّظر إليهما بما هما محفوفان بالقرائن الحاليّة و المقاليّة السابقة و المقارنة و اللّاحقه، فإذا كان ظهور القيد أجلى من ظهور الإطلاق فنحمله عليه، و إلّا فلو كان ظهور المطلق في الإطلاق أجلى من ظهور المقيّد في التقييد لكون المتكلِّم في مقام البيان في المطلق فلا مجال لحمله عليه بل نحمل المقيّد على أحد الوجوه المذكورة في محلّه من كون المتكلِّم في بيان أحد المصاديق أو أفضل الأفراد و غير ذلك.
المقدِّمة الثانية: أنّ الأصل في كلّ حاكم بل كلّ متكلّم أن يبيّن حكمه أو كلامه بجميع ما له من الخصوصيّات و الشرائط فلذا كان الأخذ بالإطلاق أمراً ثابتاً عند العُرف و كان عليه بناء العقلاء في دعاويهم و محاوراتهم في باب الاحتجاجات و غيرها و مع ذلك يرفعون اليد عن الإطلاق إذا أورد المتكلِّم دليلًا مقيّداً بالبيان المنفصل فيما إذا لم يكن عدم بيان القيد حين إيراد الإطلاق مستلزماً لمحذورٍ أو استهجانٍ في الكلام كما إذا كان القيد موجوداً فلا يحتاج إلى ذكره حينئذٍ. أو كان وقت العمل متأخّراً عن زمان بيان الحكم فيؤخّر بيان القيد إلى زمان اقتضي بيانه لمصالح في تأخير البيان أو لمفاسد في تقديمه و إلّا كانوا يأخذون بالإطلاق كما إذا لم يرد المتكلِّم دليل المقيّد من رأس.
إذا عرفت هاتين المقدمّتين فنقول: إنّ هذه المطلقات الكثيرة صدرت من الصّادقَين عليهما السّلام و إنّهما كانا مهجورَين غير باسِطَي اليد في تمام مدّة
                        صلاة الجمعة، ص: 100
حياتهما حتّى أنّا لم نظفر بروايةٍ أو نقل تاريخٍ على أنّهما أقاما جمعةً واحدةً، فلا يمكن أن يكون مصلحة عدم ذكر القيد وجوده فعلًا، و من المعلوم [1] أيضاً أنّ وقت العمل بهذه الروايات لم يكن زمان حضور الحجّة حتّى تكون الإطلاقات لمجرّد بيان الحكم إجمالًا، فحينئذٍ نقول: بأيّ داعٍ من الدّواعى لم يقيّد الإمام عليه السّلام وجوب هذه الفريضة بإقامة المعصوم أو المنصوب من قِبَلِه و أهمل هذا القيد في جميعها مع كونه بصدد بيان جميع شرائط الوجوب كما هو غير خفيّ على مَن تأمّل فيها؟ فإيراد هذه المطلقات الكثيرة في طول زمان يسع حياتهما يدلّ على أنّ اشتراط الجمعة بوجود من يخطب في الرّوايات الآتية، غالب الحصول غير محتاج إلى التقييد و إلّا فلو كان التقييد غير غالب الحصول كما إذا كان المراد بمن يخطب خصوص الإمام أو المنصوب من قِبَلِه فلا ريب في أنّ إيراد مِائَتَي حديث في الوجوب بنحو الإطلاق لعدّ من المستهجن [2].
__________________________________________________
1- و لَعَمري إنّ هذا البيان منه- رضوان الله عليه- في عدم اشتراط وجوب الصلاة لحضور الإمام عليه السّلام هو أدلّ دليل على عدم اشتراط الصّحّة لحضور الإمام عليه السّلام أو انعقاد الحكومة الإسلاميّة بنفس البيان و التّوضيح، فلا أدرى بأيّ دليل حَكَم قدّس الله سرّه باشتراط الصّحّة و براءة الذّمّة بانعقاد الحكومة الشّرعيّة؟! (منه عُفي عن جرائمه)
2- إنّ هذه الإطلاقات تدلّ على وجوب الجمعة مطلقاً في كلّ زمان و مكان، و المراد بمن يخطب هو الآمر الحاكم الشرعىّ* الّذى له رياسة إلهيّة أو المنصوب من قِبَله، لكن كما أشرنا آنفاً أنّ هذه الرّوايات الّتي دلّت على لزوم من يخطب دلّت على اشتراط صحّة الجمعة و وجودها به لا على اشتراط وجوبها به، ففى إطلاقات الوجوب ترغيبٌ للناس و تحريص لهم في إقامتها الّتي لا تكاد تصحّ إلّا مع من يخطب، فإيجاد شرط الصّحّة- و هو تمكّن الإمام من الإقامة- إنّما هو بِيَدِ المكلّفين- و هو نهوضهم و قيامهم للعدل- كما أنّ سائر الصلوات بالنسبة إلى شرط الطّهارة بهذه المثابة، و صلاة الظهر واجبةٌ مطلقاً لا مقيّداً بالطّهارة لكنّ الطّهارة شرطٌ لصحّتها، فلابدّ و أن يوجدها المكلّف كى يتمكّن من امتثال الواجب- و هو الصلاة- متطهّراً، و أمّا من ذهب إلى شرطيّة من يخطب بالنّسبة إلى وجوب صلاة الجمعة فقد توهّم أنّها بمنزلة الحجّ بالنسبة إلى الاستطاعة التي هى شرط للوجوب، لكن لا تساعده الأدلّة (منه عُفي عنه).** 19/ ج 1/ 1399
                        صلاة الجمعة، ص: 101
هذا كلّه إذا سلّمنا وجود دليل ظاهر في التّقييد، و ستعرف عدم نهوض دليل ظاهر فيه.
                        الإشكالات الواردة من جانب المخالفين على الأخذ بالإطلاق و جوابها

الإشكال الثّاني: أنّ الأخذ بالإطلاق إنّما هو بعد إجراء مقدّمات الحكمة، و هى إنّما تجرى إذا لم يكن في البين ما يوجب انصراف المطلق إلى بعض أفراده، و أمّا معه فلا مجال للأخذ بالإطلاق، و معلوم أنّ السيرة المستمرّة من زمن النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم و كذا الخلفاء من بعده هى النصب لإقامة الجمعة بحيث كان اشتراط الجمعة بوجود المنصوب أمراً مرتكزاً في أذهانهم، و أمّا نصب خلفاء الجور الإمام للجمعة و إن كان أمراً شنيعاً عند الشيعة كسائر تصرّفاتهم في ما هو حقّ للإمام، لكنّ بشاعة هذا النصب لم يكن إلّا لعدم اهليّتهم للنصب لا لأجل أنّ النّصب من بدعهم الاقتراحيّة من عند أنفسهم، و هذا الأمر المفروغ عنه عند الشيعة يوجب انصراف هذه المطلقات بما إذا أمّ الإمام بنفسه للجمعة أو نصّب أحداً من قِبَله، و هذا عمدة ما اعتمد عليه السيّد الاستاذ العلّامة- آية الله العلامة البروجردى‏
                        صلاة الجمعة، ص: 102
مدّ ظلّه- في مجلس الدرس فمال إلى حرمة صلاة الجمعة في زمن الغيبة بعد أن قوّي دلالة روايات مَن يخطب و إخواتها في التقييد.
و فيه أوّلًا: أنّا سنبيّن إن شاء الله تعالى أنّ تنصيب النّبيّ أئمّة الجمعة لم يكن لأجل اشتراط الجمعة بوجود المنصوب، بل لأجل نظام الإجتماع و عدم إيجاد الاغتشاش.
و ثانياً: أنّه على فرض التّسليم لا تكون هذه المفروغيّة بمثابة القرينة العقليّة الحافّة بالكلام حتّى تمنع عن انعقاد الظهور في الإطلاق رأساً، بل كانت بمنزلة الدليل المنفصل في أنّ العرف يرى التّنافي بينه و بين الإطلاق، فإذَن لا إشكال في أنّ هذه الإطلاقات صالحة للرّدع عن ما تخيّلوا من اشتراط الوجوب بالنصب [1].
و ثالثاً: أنّا ذكرنا أنّ غالب هذه الروايات كان الوجوب المستفاد منها بنحو العموم مثل قوله: «في كلّ اسبوع و على كلّ مسلم إلى يوم القيامة» [2] و غيرها فلا ريب في أنّ أصالة العموم محكّمة في كلّ ما شكّ في التّخصيص فالإشكال غير
__________________________________________________
1- و الإنصاف لو سلّمنا لمفروغيّة النّصب فلا مناص من الالتزام بتنجيز هذه القرينة و إن كانت منفصلة و حمل المطلق عليها. (منه عُفي عن جرائمه)
2- لا يخفي الإشكال الجدّي و المبيد للشّكّ على كلام المرحوم البروجردى (ره) و أمثاله و هو أنّ الإمام عليه السّلام حَكَم بوجوب صلاة الجمعة على خمسة أفراد أو سبعة، فمن البديهي أشدّ البداهة أنّ هذا حُكم جارٍ و سارٍ في كلّ بلد و قريةٍ من البلدان و القري في العالم الإسلامى إلى يوم القيامة فهل يعقل أنّ الإمام عليه السّلام يقيّد هذا الوجوب بنصب الخطيب من قِبله مع عدم إمكان هذا المطلب عقلًا و عادةً في جميع البلدان و القري؟! إنّ هذا شى‏ء عُجابٌ، فلا يبقي مجالٌ أساساً إلّا بالالتزام بالإطلاق من الرّوايات بالنسبة إلى الخطيب لا في زمان الحضور و لا في زمان الغيبة. فتأمّل فإنّه يليق بالتّأمّل. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 103
وجيه من رأسه [1].
__________________________________________________
1- إنّ السّيرة المستمرّة المدّعاة كافلةٌ لإثبات لزوم الإمام أو نائبه في الصّحّة لا في الوجوب، فإذَن الاجتماع للجمعة مع غير الإمام أو نائبه خصوصاً أو عموماً و بدون أمره و إذْنه أو إذن نائبه حرامٌ و تصرّف للمقام الخاصّ به، و باطل لعدم الإتيان بشرط الصّحّة، و لكنّ الوجوبَ باقٍ بحاله، فيجب على المسلمين دفع الغير من الحكّام الجائرة و نوّابهم و أن يُحقّقوا شرائط بسط يد الإمام و تمكّنه من تنفيذ الأحكام مقدّمةً لإمكان انعقاد الجمعة فما لم يحقّقوا ذلك بطلت صلواتهم سواءٌ صلّوا أربع ركعات لعدم وجوبها في ظهر الجمعة أو صلّوا ركعتين مع الخطبة، لعدم تحقّق شرط صحّتها و إن كانت واجبةً، فالمسلمون عاصون بترك الجمعة الصّحيحة دائماً عند عدم اقتدار الإمام أو نائبه لعقدها لترك الواجب المطلق الإلهى بترك مقدّمته (منه عُفي عنه).* 19/ ج 1/ 1399
*- لا يخفي أنّ السّيرة المستمرّة لنصب أئمّة الجمعة لم تكن لأجل اشتراط الانعقاد به كما زعم، بل لمصلحة تقتضيها الحكومات سواء كانت عادلة أم جائرة كما هو واضح لا يحتاج إلى دليل و برهان، فكيف تسمح حكومةٌ أن تعقد صلاة بهذه الخصوصيّة الموجودة في صلاة الجمعة من الاجتماع و البحث حول المسائل الاجتماعيّة و السّياسيّة و منافع و مصالح الامّة من غير إذْن منها و إجازة من قِبَلها؟! فهي لا تسمح لجماعة عاديّة في تشكيل أيّ اجتماع، فكيف بصلاة الجمعة؟! بل لا تسمح لأيّ تشكّل و اجتماع أن ينعقد أمام المصالح و المنافع الحكوميّة و لو لم تكن لها علاقة بالسّياسة و أعمال السّياسيّين. فالحكومات تكون على حذر شديد من تشكّل أيّ اجتماع و فرقةٍ إلّا إذا كان موافقاً لمسيرها و مثبتاً لمنهجها ممضٍ لتقاريرها. و لهذه العلّة كانت السّيرة في الحكومات الجائرة بعد زمن النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم بتنصيب الحكّام و الأئمّة في الجمعة، لأنّ شأن صلاة الجمعة شأن سياسييٌ و اجتماعىٌّ، و أمّا بالنّسبة إلى الأئمّة كأمير المؤمنين عليه السّلام فقد كان اللازم عليه تنصيب الأئمّة في البلدان و المدن الكبيرة لدفع الحرج و المرج و الاضطراب و التّشويش، و هذا أمر واضحٌ، و أمّا بالنّسبة إلى القُري و المدن الصّغيرة فكيف يمكن له أن ينصّب إماماً في البقاع و القطّاعات الكثيرة في الحكومة الإسلاميّة الكبري؟! فلهذا نري أنّه عليه السّلام يقول في الرواية إنّ الإمام لصلاة الجمعة لازم أن ينصّب من قِبَل الإمام عليه السّلام. و أمّا الإمام الصّادق عليه السّلام حيث يصرّح للأصحاب بوجوب صلاة الجمعة فهو ينادى بأعلى صوت و أبلغ كلام بعدم وجوب تنصيب الإمام من قِبَل الحاكم العدل فيقول: لأيّ علّة و داعٍ لا تجتمعون لصلاة الجمعة. و لَعَمْرى إنّ هذا حكمٌ عامٌّ شامل لجميع الشّيعة في جميع البلدان و المدن في أقصي نقاط الحكومة الجائرة و لهذا يردفه الإمام عليه السّلام بعدم الخوف و التّقيّة، و هذا أوضح كلام على عدم وجوب تنصيب الإمام من قِبَل الإمام عليه السّلام خصوصاً في الزّمان الّذى يكون الأئمّة مطرودين مشرّدين.
فعلى هذا فالالتزام بحرمة إقامة صلاة الجمعة بادّعاء عدم حصول شرط الصّحّة- و هو الإمام العادل مبسوط اليد- و القضاء و الحُكم ببطلان الصلاة هو التزام بتعطيل صلاة الجمعة إلى قيام الحجّة عليه السّلام عملًا و فعلًا بلا شكّ أبداً. فلا فرق في الموضع بين الحكم بحرمة الصلاة على فتوى المرحوم البروجردى و الحكم بحرمتها على مبنى المؤلّف قدّس الله سرّه في النتيجة و الغاية إلّا أنّه لم يفتِ بعصيان الامّة و ارتكاب الذّنب بسبب عدم القيام بها و لكنّ المؤلّف حكم بارتكاب الإثم و العصيان بأمرٍ لا اختيار للشّيعة في تحقّقه كما حقّقناه سالفا. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 104
و ربّما يقرّب هذا الإشكال بوجه آخر و هو أنّ الأخذ بالإطلاق إنّما هو على تقدير عدم إيراد المتكلِّم بما يكون صالحاً للتقييد و بما أنّه يمكن في المقام أن يعتمد الإمام على بيان التقييد بمثل هذه السيرة فلا تتمّ معه مقدّمات الإطلاق، لكنّ ضعفه يتّضح ممّا مرّ.
الإشكال الثالث: أنّه يجب رفع اليد عن الإطلاق بالإجماع المحصّل و المنقول على اشتراط الجمعة بوجود الإمام أو المنصوب من قبله.
                        المانع الأساسى في ذهاب المشهور إلى عدم وجوبها التعييني‏

و لا يخفى أنّ هذا هو المانع الأساسى في ذهاب المشهور إلى عدم وجوبها التعييني في زمان الغيبة مع اعترافهم بدلالة المطلقات على وجوبها كذلك لو خلّيتها
                        صلاة الجمعة، ص: 105
و طبعها كما يتّضح هذا من التّتبّع في كلماتهم. قال المجلسى- رحمه الله- في البحار: الأخبار واضحة الدلالة على وجوبها العيني إلّا أنّ المخالِف خالف لشبهة الإجماع، و قال السيّد صاحب المدارك في حاشيته على ألفيّة الشهيد ما هذا لفظه:
 «و بالجملة فالمستفاد من الكتاب العزيز و السنّة المستفيضة بل المتواترة هو الوجوب العيني فإن تمّ الإجماع على خلافه وجب المصير إلى التخييرىّ و إلّا تعيّن المصير إليه».
                        الجواب عن الإجماع المحصَّل المدّعَى‏

و الجواب أمّا عن الإجماع المحصّل [1] من وجهين:
الوجه الأوّل: أنّ حجّيّة الإجماع عندنا ليس بما هو الحجّة عند العامّة من كونه دليلًا مستقلًا مقابلًا للكتاب و السنّة، بل حجّيّته إنّما هو بمناط كشفه عن قول المعصوم عليه السّلام فحّجيّته تنحصر في موردين:
الأوّل: حصول العلم بوجود قول المعصوم في جملة أقوال المُجمعين، و هذا مختصّ بزمان الحضور.
الثّاني: كشفه عن ظفر المُجمعين بدليل معتبر قطعى مفقود عندنا، و هذا إنّما هو إذا لم يكن في البين ما يكون موجباً لاحتمال اعتماد المجمعين عليه في فتواهم، و أمّا لو كان الأمر كذلك لكان الإجماع مدركيّاً لا مجال لحّجيّته، و هذا أيضاً مفقود لأنّ الامور التي تحتمل أن تكون موجبةً لحصول الشبهة عند المجمعين في المقام كثيرة، من ترك الأصحاب الجمعة و من بعض الروايات التي سيأتي ذكرها. و معها كيف يقطع بأنّ مدركهم كان مفقوداً لنا، و أمّا سائر الوجوه المذكورة
__________________________________________________
 [1]- و الحقّ أن يقال إنّ الإجماع ينهض لإثبات اشتراط صحّة الجمعة بالإمام العادل أو المنصوب من قِبَله لا لإثبات وجوبها بهما (منه عُفي عنه).
                        صلاة الجمعة، ص: 106
في بيان حجّيّة الإجماع على كثرتها من قاعدة اللطف و الملازمة بين اتّفاق المرؤوسين مع رضا رئيسهم و غيرهما فقد بيّن ضعفها في الاصول.
الوجه الثّاني: أنّ ادّعاء الإجماع المحصّل في المقام مكابرة لأنّ المخالفين من القدماء و المتأخّرين كثيرة جدّاً.
                        وجود المخالفين من القدماء و المتأخِّرين ناقضٌ لإجماع المحصَّل و المنقول في المقام‏

الأوّل: شيخنا المفيد في «المقنعة» على ما حكاه عنه في «الحدائق» تماماً و في «مفتاح الكرامة» و «الجواهر» بعضاً من كلامه قال ما هذا لفظه:
 «و اعلم أنّ الرواية جاءت عن الصادقين عليهما السّلام: إنّ الله جلّ جلاله فرض على عباده من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة لم يفرض فيها الاجتماع إلّا في صلاة الجمعة خاصّة فقال جلّ من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [1] و قال الصادق عليه السّلام: مَن ترك الجمعة ثلاثاً من غير علّة طبع الله على قلبه، ففرضها وفّقك الله الاجتماع على ما قدّمناه إلّا أنّه بشريطة حضور إمام مأمون على صفات يتقدّم الجماعة و يخطبهم خطبتين يسقط بهما، و بالاجتماع عن المجتمعين من الأربع ركعات ركعتان، و إذا حضر الإمام وجبت الجمعة على سائر المكلّفين إلّا من عذّره الله تعالى منهم و إن لم يحضر إمام سقط فرض الاجتماع و إن حضر إمام يخلّ شرائطه بشريطة من يتقدّم فيصلح به الاجتماع، فحكم حضوره حكم عدم الإمام.
والشرائط التي تجب في من يجب معه الاجتماع أن يكون: حرّاً بالغاً طاهراً في ولادته، صحيحاً من الأمراض، الجذام و البرص خاصّة في خلقته، مسلماً مؤمناً معتقداً للحقّ في ديانته، مصلّياً للفرض في ساعته، فإذا كان كذلك و
__________________________________________________
 [1]- سورة الجمعة (62) الآية 9.
                        صلاة الجمعة، ص: 107
اجتمع معه أربعة نفر وجب الاجتماع، و من صلّى خلف إمام بهذه الصفات وجب عليه الإنصات عند القراءة و القنوت في الاولى من الركعتين في فريضته، و من صلّى خلف إمامٍ بخلاف ما وصفناهُ رَتَّب الفرض على المشروع في ما قدّمناه، و يجب حضور جمعة مع من وصفناه من الأئمّة فرضاً، و يستحبّ مع من خالفهم تقيّةً. إلى أن قال: فإذا اجتمعت هذه الثمانية عشر خصلة وجب الاجتماع في ظهر يوم الجمعة على ما ذكرناه و كان فرضها على النصف من فرض الظهر للحاضر في سائر الأيّام. انتهى [1].
و أنت خبير بأنّ هذه العبارة نصّ في عدم اشتراط الإمام أو المنصوب من قِبَله، و من الغريب ما عن «كشف اللثام» و في «مفتاح الكرامة» و «الجواهر» من حملها على بيان صفات المنصوب، و هو كما ترى و يظهر من الشيخ قدّس سرّه موافقته في الوجوب التعيينيّ في «التهذيب» لأنّه بعد ما نقل عنه هذه العبارة استدلّ على وجوبها بجملة من الأخبار و لم يذكر في الاشتراط شيئاً، و ظاهره الموافقة كما لا يخفى‏
و قال في كتاب «الأشراف» على ما حكي كلاماً كان بهذه المثابة في الصّراحة في عدم الاشتراط حيث إنّه عدّ من صفات إمام الجمعة ثمانية عشر خصلة و لم يعدّ منها كونه إماماً أو منصوباً من قِبَله، و من العجب ما في «مفتاح الكرامة» و «الجواهر» من تأويل هذه العبارة أيضاً كعبارة «المقنعة» بأنّها في مقام بيان صفات المنصوب، و قالا: و الّذى يدلّك على ذلك أنّه قدّس سرّه لم يعدّ العدالة من جملة الخصال، قال في «مفتاح الكرامة»: فلو ثبت منه الخلاف بمجرّد عدم ذكر السلطان العادل لزم أن تكون عدالة إمام الجمعة أيضاً خلافيّة، و أنت كما ترى أنّ خلافه باشتراط السلطان لا يكون مستلزماً لخلافه في العدالة، بل تَرْك عدّه العدالة
__________________________________________________
 [1]- الحدائق الناضرة، ج 9، ص 378 و 380؛ و في المقنعة ص 162 إلى 164 مع اختلاف قليل.
                        صلاة الجمعة، ص: 108
من جملة الخصال لمكان معلوميّتها دونه. و قال في «الجواهر»:
إنّه ترك اشتراط النّيابة لمعلوميّته، كما أنّه ترك ذكر العدالة في أوصافه لذلك، و هذا أيضاً كما ترى [1].
ثمّ إنّ هذين العَلَمَين ذكرا عبارته في «الإرشاد» و استدلا بها على أنّه قائل بالاشتراط، قال في «الإرشاد» في باب ذكر طَرْفٍ من الدلائل على إمامة القائم بالحقّ محمّد بن الحسن عليه السّلام:
من الدلائل على ذلك ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح من وجود إمامٍ معصومٍ كاملٍ غنىٍّ عن رعاياه في الأحكام و العلوم في كلّ زمان، لاستحالة خلوّ المكلّفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلى الصلاح و أبعد عن الفساد، و حاجة الكلّ من ذوي النقصان إلى مؤدّبٍ للجُناة مقوّمٍ للعُصاة ... إلى أن قال: مقيم للحدود حامٍ عن بيضة الإسلام جامعٍ للناس في الجمعات و الأعياد. انتهى [2].
وجه الاستشهاد: أنّه قدّس سرّه جعل الجمع في الجمعات من منصب الإمام و خواصّه كالعصمة و الكمال و الغِنَى عن الرّعايا.
و فيه [3] ما لا يخفى، لأنّ الجمع في هذا الكلام لا يكون متعيّناً في كونه إمام الجمعة، بل المراد منه هو المراد من الجمع الوارد في دعاء النُّدبة «أين جامع الكلمة
__________________________________________________
 [1]- جواهر الكلام، ج 11، ص 175.
 [2]- الإرشاد، ج 2، ص 342.
 [3]- على أنّه أيّ منافاة بين كونه إماماً للجمعة من حيث وجوب القيام بها له عليه السّلام و بين إقامتها من قِبل سائر الأفراد المؤهّلين بذلك. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 109
على التقوى» و في قوله تعالى رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ [1] فالمعنى أنّه هو السّبب لاجتماع الناس في يوم الجمعة في بلاد مختلفة، و هذا التعبير يكون بمنزلة التعبير الوارد في زيارة الوارث «أشهد أنّك قد أقمت الصلاة» أي أنّك السبب لإقامة الصلاة [2].
هذا و اعلم: أنّ صاحب «الجواهر» قدّس سرّه استشهد بعبارتين اخريَين في «المقنعة» على أنّ مراده قدّس سرّه هو الاشتراط، إحديهما: في باب صلاة العِيدَين و هى قوله- قدّس سرّه-: و هذه الصلاة فرض لازم لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام، سنّة على الانفراد عند عدم حضور الإمام.
ثانيهما: في باب الأمر بالمعروف بعد أن ذكر أنّ إقامة الحدود إلى سلطان الإسلام المنصوب من قِبَل الله تعالى و هم أئمّة الهدى من آل محمّدٍ و مَن نصّبوه لذلك من الأُمراء و الحكّام، و قد فرضوا النَّظر إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان، قال و للفقهاء من شيعة آل محمّد أن يَجمعوا بإخوانهم في الصلاة الخمس و صلاة الأعياد و الاستسقاء و الخوف و الكسوف إذا تمكّنوا من ذلك.
و في استشهاده قدّس سرّه بهما ما لا يخفى.
أمّا الأوّل: فالعبارة صريحة في أنّ صلاة العيد فَرض بشرط حضور الإمام لمن يجب عليه الجمعة، و هو غير التّسعة المذكورة في الأخبار، و سنّة عند عدم حضوره انفراداً، و أين هذا من الدّلالة على الاشتراط في صلاة الجمعة؟! فكأنّه‏
__________________________________________________
 [1]- سورة آل عمران (3) صدر الآية 9.
 [2]- و الحقّ أنّ ظاهر قوله جامع الناس في الجمعات هو: الإقامة بنفسه الشريفة. لكن لم يكن ظاهراً في اشتراط وجوب الجمعة به، بل في صحّته و انعقاده. (منه عُفي عنه).
                        صلاة الجمعة، ص: 110
 (قدّه) تخيّل أنّ الظرف في قوله (على شرط حضور الإمام) متعلّق بقوله (لزمته) فاستفاد منها المفهوم و هو: عدم لزومها عند عدم حضوره. و فيه ما لا يخفى.
أما الثّاني: فلأنّ المفيد- قدّس سرّه- لم يتعرّض لذكر الجمعة أصلًا، بل ذَكَر جواز إقامة الفقهاء لهذه الصَّلوات لا من أجل المنصبيّة، لضرورة الفقه بعدم المنصبيّة في هذه الصلوات، و ما أدري ما وجه الاستشهاد بهذه العبارة؟! و لعلّه لأجل شمول صلاة الأعياد لصلاة الجمعة بناءً على أنّ الجمعة عيد، و فيه ما لا يخفى.
و بالجملة لا ريب في أنّ المفيد قدّس سرّه قائل بالوجوب التعييني [1]، فما ذهب إليه هؤلاء الأعاظم في توجيه كلماته على ما يوافق مذهبهم غير وجيه.
الثّاني: الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني لأنّه أورد في كتابه «الكافي» جملةً من الأخبار، و لم يأت بكلام يدلّ على الاشتراط، و ظاهره عدمه لأنّه ذكر في صدر كتابه بأنّ الأخبار الواردة في هذا الكتاب كلّها صحيحة.
الثالث: الشيخ الصدوق في «الفقيه» حيث إنّه ذَكَر بعض الأخبار الدّالة بعمومها على وجوب صلاة الجمعة على الإطلاق و لم يأت بكلام يدلّ على الاشتراط مع أنّه ذكر في صدر كتابه أنّه ما أورد في هذا الكتاب إلّا الروايات الصحاح الّتي أفتى هو- قدّس سرّه- على طبق مضمونها، و قال في «الأمالي» في وصف دين الإماميّة:
و الجماعة يوم الجمعة فريضةٌ واجبةٌ و في سائر الأيّام سنّة، فمن تركها رغبة عنها و عن جماعة المسلمين من غير علّة فلا صلاة له، و وضعت الجمعة عن‏
__________________________________________________
 [1]- و هو مطلق مع حضور الإمام أو بدون حضوره. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 111
تسعةٍ. ثمّ عدّ هؤلاء [1]. [2]
و قال في المقنع:
و إن صلّيتَ الظهرَ مع إمام الجمعة بخطبةٍ صلّيت ركعتين، و إن صلّيت بغير خطبة صلّيتها أربعاً بتسليمة واحدة [3].
و قد فرض الله سبحانه من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة، واحدةٌ فرضها الله تعالى في جماعةٍ و هى الجمعة، و وضعها عن تسعة، عن: الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد والمرأة و المريض و الأعمى و مَن كان على رأس فرسخَين. و لم يذكر شيئاً من الشرائط، نعم قال في «الهداية»:
إذا اجتمع يوم الجمعة سبعةٌ و لم يَخافوا أمَّهم بعضهم و خطبهم، ثمّ قال: و السبعة الّذين ذكرناهم هم: الإمام و المؤذِّن و القاضى و المدّعى حقّاً و المدّعي عليه و الشاهدان [4]. [5]
و لا يخفى أنّه قابل للتّوجيه و هو لزوم كون الأفراد التي تنعقد بها الجمعة بقدر أفراد هذه السّبعة و إلّا فلو يُؤخَذ بظاهره كان مخالفاً للإجماع القطعى و السنّة المتواترة، بل الضّرورة من المذهب من عدم دخالة هؤلاء الستّة الباقين.
__________________________________________________
 [1]- الأمالي، ص 743.
 [2]- و هذا أيضاً يدلّ على الإطلاق و عدم الاشتراط لا بالنّسبة إلى شرط الوجوب و لا بالنّسبة إلى شرط الصّحّة. (منه عُفي عن جرائمه)
 [3]- المقنع، ص 147.
 [4]- الهداية، ص 146.
 [5]- الرّوايات مطلقةٌ بالنّسبة إلى هذه العناوين فهو كما قاله المؤلّف قدّس سرّه عنوانٌ مشيرٌ إلى تحقّقه بهولاء الافراد و لا علاقة فيه للموضوعيّة. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 112
الرابع: الشيخ أبوالصلاح التقى الحلبي في كتابه «الكافي» على ما حُكى عنه قال:
لا تنعقد الجمعة إلّا بإمام الملّة أو المنصوب بمن قبله أو مَن تكامل له صفات إمام الجماعة عند تعذّر الأمرين [1].
و هذه العبارة صريحةٌ واضحةٌ في أنّ تقديم الإمام يكون من باب الاولويّة لا من باب الاشتراط كما ذكرنا سابقاً و سنبيّن إن شاء الله تعالى [2].
و هكذا المَحكىّ عنه في قوله في باب الجماعة من هذا الكتاب حيث قال:
و أولى الناس بها إمام الملّة أو من نَصبه، فإن تعذّر الأمران لم تنعقد إلّا بإمام عدل [3].
و من الغرائب أنّه قد نقل عن «الإيضاح» و «غاية المراد» و «المهذّب البارع» و «المقاصد العليّة» و «الروض» و «المقتصر» و «الجواهر المضيئة» نسبة استحباب الاجتماع في زمن الغيبة إلى أبي الصلاح، و نقل عن الفاضل بن العميدى في «تخليص التلخيص» و الشهيد في «البيان» و الفاضل المقداد في «التنقيح» نسبة المنع من إقامتها إليه في زمن الغيبة كإبن إدريس.
الخامس: الشيخ أبوالفتح الكراجكى في كتاب «تهذيب المسترشدين» على ما حُكى عنه حيث قال:
__________________________________________________
 [1]- الكافي في الفقه (أبو الصلاح الحلبي) ص 151.
 [2]- بل دالّة على اشتراط صحّة الجمعة وانعقادها بالإمام لا وجوبها. (منه عُفي عنه).*
*- بل ليس فيه دلالة على اشتراط الصّحّة، فمن أين يُستخرج هذا المعنى من عبارته؟ (منه عُفي عن جرائمه)
 [3]- المصدر السابق، ص 143.
                        صلاة الجمعة، ص: 113
و إذا حضرت العدّة التي يصحّ أن ينعقد بحضورها الجماعة يوم الجمعة و كان إمامهم مرضيّاً متمكّناً من إقامته الصلاة في وقتها و إبراز الخطبة على وجهها و كانوا حاضرين آمنين ذكوراً بالغين كاملي العقل أصحّاء وجبت عليهم فريضة الجمعة [1]. [2]
السادس: الشيخ عماد الدّين الطبرسى في كتابه المسمّى ب «نهج العرفان» على ما حُكى عنه أنّه بعد نقل الخلاف بين المسلمين في شروط الجمعة قال:
إنّ الإماميّة أكثر إيجاباً للجمعة من الجمهور و مع ذلك يُشنِّعون عليهم بتركها حيث إنّهم لم يجوّزوا الائتمام بالفاسق و مرتكب الكبائر و المخالف في العقيدة الصّحيحة [3].
و هذه العبارة كما ترى دلّت على عدم اشتراط الجمعة بالإمام أو منصوبه عند الشيعة، و إلّا فلو فرض أنّهم كانوا يعتقدون ذلك كيف يمكن أن يكونوا أكثر ايجاباً؟! مضافاً بأنّ قوله حيث إنّهم لم يجوّزوا ... الخ صريح في أنّ المعتبر عندهم عدالة الإمام لا غير، كما في سائر الصَّلَوات الخمس.
السابع: الشيخ حسين بن عبدالصمد- والد شيخنا البهائى- في رسالته المعروفة ب «العقد الطهماسبي».
الثامن: الشيخ محمّد باقر المجلسى صاحب «بحار الأنوار».
التاسع: والده الشيخ محمّد تقى المجلسى قدّس سرّه.
__________________________________________________
 [1]- ذخيرة المعاد، ج 2، ص 308.
 [2]- و هذه العبارة صريحة في الإطلاق لعدم اشتراط الصّحّة بحضور الإمام أو الحكومة العادلة. (منه عُفي عن جرائمه)
 [3]- المصدر السابق.
                        صلاة الجمعة، ص: 114
العاشر: الشيخ أحمد بن شيخ محمّد الحظى تلميذ المجلسى على ما حُكى عنه في رسالته.
الحادى عشر: الشيخ الجليل فخرالدين بن طريح النجفى.
الثّاني عشر: الشيخ زين الدّين الشهيد الثّاني في «خصائص الجمعة».
الثالث عشر: ولده المحقّق الشيخ حسن صاحب «المعالم» في رسالته الاثنى عشريّة.
الرابع عشر: الشيخ محمّد ولد صاحب «المعالم».
الخامس عشر: السيّد صاحب «المدارك».
السادس عشر: المحقّق السبزوارى في «الذّخيره».
السابع عشر: الشيخ الجليل العلّامة الجامع لجميع العلوم المُحدِّث الكاشاني في «المفاتيح» و «الوافي» و رسالته المعروفة ب «الشهاب الثاقب».
الثامن عشر: المحقّق الدّاماد على ما حُكى عنه في «الحدائق».
التاسع عشر: مولانا الشيخ الحرّ العاملي في «الوسائل».
العشرون: محمّد بن يوسف البحراني على ما حُكى عنه في «الحدائق».
الحادى و العشرون: السيّد الماجد البحراني.
الثّاني و العشرون: الشيخ سليمان في رسالته.
الثالث و العشرون: الشيخ أحمد الجزائرى في «الشافية».
الرابع و العشرون: السيّد علي الصائغ.
الخامس و العشرون: الشيخ نجيب الدين.
السادس و العشرون: المولى الخراساني.
                        صلاة الجمعة، ص: 115
السابع و العشرون: السيّد عبدالعظيم بن السيّد عبّاس الإسترابادى على ما حُكى عن هؤلاء السّتّة الأخيرة في «مفتاح الكرامة».
الثامن و العشرون: الشيخ يوسف البحراني صاحب «الحدائق».
إلى غير ذلك من العلماء الأعلام الذين لم يصنّفوا في وجوبها التعييني تصنيفاً و لا رسالةً من المتقدّمين و المتأخِّرين و من معاصرينا و ممّن قرب عصرنا في البلاد المختلفة هذا.
واعلم: أنّ الغرض من عدّ هؤلاء الأساطين إنّما هو مجرّد التّنبيه على أنّ الإجماع المدّعي الّذى أصرّ عليه بعض الأعلام ك «كاشف اللثام» و صاحَبي «مفتاح الكرامة» و «الجواهر» إنّما هو صرف ادّعاء ناشئ عن اعتمادهم على الإجماعات المنقولة، مع أنّك تعرف أنّ الإجماع المنقول مع الظّفر بالمخالف عياناً خصوصاً مع كثرة المخالفين بحدٍّ لو لم يكونوا بحسب العدد أزيد من القائلين بالوجوب التخييرىّ لا يكونون أقلّ منهم حتماً ممّا لا يمكن أن يقرّر له محلٌّ إلّا فرط حبّ هؤلاء بما ذهبوا إليه من إنكار الوجوب التعيينيّ، و في «المدارك» أنّ كلام أكثر المتقدّمين خالٍ عن ذِكْر هذا الشرط، و في «الذخيرة» عبارات كثيرة واضحة الدلالة على خلاف هذا الشرط. هذا كلّه في الجواب عن الإجماع المحصّل.
                        الجواب عن الإجماع المنقول المدّعي‏

أمّا الإجماع المنقول، فالجواب عنه أيضاً بوجوهٍ.
الأوّل: أنّه على فرض حجّيّته إنّما هو إذا لم نظفر بخطأ ناقله في وصوله بفتاوي العلماء و تتبّع موارد خلافهم و إلّا فهو مطروح بلا ريب، و قد عرفت آنفاً أنّ ادّعاء الإجماع مكابرةٌ محضةٌ مع ذهاب هؤلاء الأساطين من المتقدّمين و المتأخِّرين و متأخِّرى المتأخِّرين إلى وجوبها التّعيينيّ.
                        صلاة الجمعة، ص: 116
الثّاني: أنّه في نفسه غير حجّة إلّا كونه مشمولًا لأدلّةِ حجّيّة الخبر الواحد، و معلوم أنّها لا تشمل الأخبار الحدسيّة، فاتّفاق الكلّ إن كان موجباً للقطع بقول المعصوم فكان ادّعاء الإجماع بمنزلة الخبر الحسّي و إلّا فهو حدسىّ لا دليل على حجّيّته.
الثالث: أنّا نعلم علماً يقينيّاً بأنّ جلّ الإجماعات المنقولة إن لم يكن كلّها كما يظهر من تتبّع أقوالهم و التفحّص في كلماتهم ناشئٍ عن مجرّد ظنّهم بالاتّفاق أو بالشّهرة، أو بمجرّد مطالعة كتابٍ أو كتابين إذا ذكر فيه الإجماع، أو كانوا يدّعون الإجماع على المسألة الفرعيّة بمجرّد الظفر بخبرٍ واحدٍ، أو بقاعدةٍ اتّكالًا على أنّ العمل بالخبر الواحد كان مجمعاً عليه عند الأصحاب، و لذلك نجد في كثير من المسائل ادّعاء بعضهم الإجماع عليه مع وجود الخلاف فيه، بل من المدّعي نفسه في كتابٍ آخر سابقٍ عليه أو لاحقٍ عنه، و كذلك نجد أنّ كثيراً منهم يدّعون الإجماع على حُكم و يدّعى الآخرون الإجماع على خلافه، حتّى قد اتّفق كثيراً ما أنّ واحداً منهم ادّعي الإجماع على حُكمٍ ثمّ هو بنفسه ادّعي الإجماع في كتاب آخر على خلاف هذا الحُكم. و حسبك في هذا الباب ما وقع للمرتضي و الشيخ في «الانتصار» و «الخلاف» من الإجماعات المدّعاة المتناقضة كثيراً مع كونهما إمامَي الطائفة و مقتدَيها. و من ذلك ادّعي السيّد الإجماع على عدم حجّيّة الخبر الواحد، و ادّعي الشيخ الإجماع على حجّيّته، و ما ذهب بعضهم إلى توجيه ذلك بأنّ إجماع السيّد في ذلك على الخبر الواحد الغير الموثوق به و إجماع الشيخ على الخبر الواحد الموثوق به غير وجيه، كما يظهر من ملاحظة قولاهما في ذلك الباب، كيف؟ و هل يعقل أن لا يفهم الشيخ معقد إجماع السيّد و مراده منه مع أنّه كان من تلامذته مدّة ثلاث و عشرين سنة، و لم يدرِ ماذا أراد بإجماعه حتّى لم يَدَّعِ الإجماع على خلافه و لم يردّه في كلامه؟؟!
                        صلاة الجمعة، ص: 117
و في «الحدائق» قال:
و قد وقفتُ على رسالةٍ لشيخنا الشهيد الثّانى رحمه الله قد عدّ فيها الإجماعات الّتي ناقض الشيخ فيها نفسه في مسألة واحدة انتهى عددها إلى نيّف و سبعين مسألة، قال قدّس سرّه: أفردناها للتّنبيه على أن لا يغترّ الفقيه بدعوى الإجماع [المنقول‏] [1].
و عدّ جملة من المسائل فرداً فرداً.
أقول: و إذا كان ادّعاء الإجماع في كلام أساطين المذهب بهذه المثابة، فكيف نعتبرهم في دعاويهم؟!
قال الشهيد الثّاني في درايته:
إنّ أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه في الفتاوى تقليداً له لكثرة اعتقادهم به و حسن ظنّهم به فلمّا جاء المتأخّرون وجدوا أحكاماً مشهورة قد عمل بها الشيخ و متابعوه فحسبوها مشهورة بين العلماء و ما دَرَوا أنّ مرجعها إلى الشيخ [وحده‏] و أنّ الشهرة إنّما حصلت بمتابعته [2].
                        لا قيمة للإجماع بمقدار فَلسٍ في المقام‏

و من هذا كلّه تعرف أنّ ادّعاء الإجماع لا قيمة له بمقدار فلَسٍ في المقام [3] و
__________________________________________________
3- بل و لا أساس له أصلًا كما حقّقناه، و قد عملنا رسالة في بطلانه و عدم اعتباره بتّاً، و هذا من المبتدعات الّتي لا أصل لها في مدرسة التّشيّع و إنّما دخل في الشّيعة تبعاً لأهل السّنّة كما اعترف به السّيّد المرتضي و المحدِّث البحراني و غيرهما معارضة منهم لأهل السّنّة، و هو كما أفاد المؤلّف قدّس الله سرّه لا قيمة له بمقدار فلس أو أقلّ. و من أعجب الأعاجيب أنّنا نرى اهتمام الفقهاء و العلماء و اعتمادهم على هذا الأصل المُبتدَع المُختلَق بحيث يقدّمونه على أصحّ الروايات المأثورة و الحجج القاطعة و الأدلّة اللّامقة و يرفضون الرّوايات و الحجج المعتبرة بهذا الأصل الموهون و يطرحون كلام الأئمّة عليهم السّلام بهذا المبنى المختلَق المردود، فيا لها من مصيبة قد أصابت روّادنا العظام و بليّة قد ابتلى بها فقهاؤنا الكرام، و ها نحن نذكر لك مثالًا
لهذه البليّة و قد أشرنا إليها في رسالتنا المسمّاة ب (الإجماع من منظر النقد و النّظر) و هو كما حَكَى لي السّيّد الوالد العلّامة روحى له الفداء أنّه لمّا درس هذا البحث عند استاذه المرحوم آية الله السّيّد محمود الشاهرودى تغمّده الله برحمته و وصلت نتيجة البحث إلى وجوب صلاة الجمعة يقيناً و لم يبق مجالٌ للُاستاذ إلّا بقبول هذا المطلب و لم يتيسّر له الجواب عن الإشكالات الواردة من قِبَل سماحة العلّامة الوالد في مجلس الدّرس، فآخر الكلام الّذى صدر منه و للأسف الشّديد ختم به البحث و سكّر الملفّ هو أنّه قال: الحقّ أنّ الرّوايات تدلّ على الوجوب التّعيينيّ و العيني لهذه المسألة إلّا أنّ الإجماع قائم على الوجوب التّخييرى و نحن لا نقدر أن نتخطّاه و نتجاوز حدّه، فلهذا نفتى بالتّخيير لا بالتّعيين!! و هذا هو الداء الّذى قد ابتلينا به و المصيبة الّتي قد أصابتنا. و على هذا فاللازم على الحوزات العلميّة أن تنظر و تتأمّل في المسألة حقّ النّظر و التّأمّل و يغيّروا هذا الأساس الموهوم و الموهون و ينظروا إلى الأدلّة و المباني في مدرسة الأئمّة عليهم السّلام بعين الإيمان و الإتقان و متابعة سنّة الرّسول و أهل بيت الوحى و ينفضوا الوساوس و التّخيّلات عن أذيالهم و لا ينظروا في دراساتهم و بحوثهم و تأليفاتهم إلى الشئونات و الشّخصيّات، بل يركزوا أفهامهم و أنظارهم إلى معدن الوحى و ينبوع الشّريعة فماعندكم ينفد و ماعند الله باق* (منه عُفي عن جرائمه)
*- سورة النحل (16) صدر الآية 96.
 [1]- الحدائق الناضرة، ج 9، ص 368.
 [2]- المصدر السابق، ص 377.
                        صلاة الجمعة، ص: 118
لا يمكن الاستدلال بها و إن بلغت الإجماعات المنقولة غايتها في الكثرة، و فرض أنّها بلغت حدّ الثلاثين كما عن «حاشية المدارك»، أو أكثر من الأربعين كما عن شرح «مصابيح الظّلام» أو أكثر من حدّ التواتر كما عن «كشف الغطاء»، أو أكثر بضميمة الإجماعات المنقولة في صلاة العيدين من السبعين كما في «الجواهر».
قال المجلسى في «البحار» في باب صلاة الجمعة:
إنّ الأخبار واضحة الدّلالة على وجوبها العينيّ إلّا أنّ المخالف خالف بشبهة
                        صلاة الجمعة، ص: 119
الإجماع ... إلى أن قال ما معناه: و حجّيّة الإجماع إنّما هو لدخول المعصوم عليه السّلام، و أين هذا من المقام ... إلى أن قال ما لفظه:
ثمّ إنّهم قدّس الله أرواحهم لمّا رجعوا إلى الفروع كأنّهم نسوا ما أسّسوا في الاصول فادّعوا الإجماع في أكثر المسائل سواء ظهر الاختلاف فيها أم لا، وافق الرّوايات المنقولة أم لا ... إلى أن قال: فيغلب على الظنّ أنّ مصطلحهم في الفروع غير ما جَروا عليه في الاصول بأن يسمّوا الشّهرة عند جماعةٍ من الأصحاب إجماعاً كما نبّه عليه الشّهيد في «الذكرى» و هذا بمعزلٍ عن الحجّيّة و لعلّه إنّما احتجّوا به في مقابلة المخالفين ردّاً عليهم و تقويةً لغيره من الدّلائل التي ظهرت لهم [1]. انتهى موضع الحاجة.
أقول: و إن شئت مزيد اطّلاع لوهن الاجماعات المنقولة فراجع رسالة «كشف القناع» للمحقّق الشيخ أسد الله التُّسترى صاحب «المقابيس» قدّس سرّه.
                        الثالث من أدلّة القائلين بالوجوب التعييني: الإجماع‏

الثالث: أنّ جملةً من القائلين بالوجوب التعيينيّ ادّعوا الإجماع عليه أيضاً و قد حُكى عن «المفاتيح» و «الماحوزيّة» أنّ ادّعاء الإجماع على اشتراطه مقلوبٌ على مدّعيه، و ادّعي أيضاً والد شيخنا البهائى على ما حُكى عنه الإجماع على الوجوب التّعييني، ثمّ قال: إنّ خلاف السّلّار و ابن إدريس و الشيخ بل العشرة و العشرين غير مضرّ لما تقرّر في مذهبنا عدم الاعتداد بالمخالف المعلوم النَّسَب، و قال المحدِّث الكاشاني في «الشهاب الثّاقب»:
و إنّه ممّا اتّفق عليه علماء الإسلام في جميع الأعصار و سائر الأمصار و الأقطار كما صرّح به جمٌّ غفير من الأخبار [الأخيار]، و إنّ جميع علماء الإسلام طبقة بعد طبقة قاطعون بأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله استمرّ بفعلها
__________________________________________________
 [1]- بحار الأنوار، ج 86، ص 222.
                        صلاة الجمعة، ص: 120
على الوجوب العينيّ طولَ حياته المقدّسة، و إنّ النسخ لا يكون بعده، و لم يذهب إلى اشتراط وجوبها بشرط يوجب سقوطها في بعض الأزمان إلّا رجل أو رجلان من متأخّرى فُقهائنا الّذين هم أصحاب الرأي و الاجتهاد دون الأخباريّين من القدماء الّذين هم لا يتجاوزون مدلول ألفاظ الكتاب و السنّة و أخبار أهل البيت عليهم السّلام، فإنّه لا خلاف بينهم في وجوبها العيني الحتمىّ و عدم سقوطها أصلًا إلّا لتقيّةٍ ... إلى أن قال: مرادنا من الرّجلَين هما ابن إدريس و سلّار.
وجه ترديدنا لإمكان تأويل كلام سلّار بما يرجع إلى الحقّ ... إلى أن قال: و ذهب شِرذمةٌ من أكابر الفقهاء إلى الوجوب التخييرى و بعضهم إلى اشتراط وجوبها بوجود الفقيه، و كلّ ذلك لشبهةٍ حَصَلَت لهم من ترك الأئمّة و أصحابهم، مع أنّه لا مورد له إلّا التّقيّة. انتهى ملخّصاً. [1]
أقول: هذا كلّه مضافاً إلى التّصريح في كلام بعض الأصحاب أنّ موضع الإجماع المدّعى إنّما هو حال حضور الإمام و تمكّنه، و الشرط المذكور إنّما هو مع إمكانه لا مطلقاً، و الدّليل على ذلك أنّهم يطلقون القول باشتراطه في الوجوب و يدّعون الإجماع عليه أوّلًا ثمّ يذكرون حال الغيبة و ينقلون الخلاف فيه [2]. [3]
__________________________________________________
3- هذا و قد تلخّص من مطاوي الرّسالة مع تعليقاتنا أنّه قدّس الله سرّه قد قال بوجوب صلاة الجمعة تعييناً و اشتراط صحّته إمّا بوجود الإمام عليه السّلام، أو نائبه، أو انعقاد الحكومة الشّرعيّة، و بدون هذه الظروف الثلاثة: القيام به حرامٌ، و الصلاة باطلة، و الامّة آثمة و عاصية لعدم إقدامها على تحقيق هذه الحكومة. و أمّا بناءً على ما أسّسناه و بيّناه بلا مزيد بيان و إقامة
 [1]- الشهاب الثاقب في وجوب صلاة الجمعة العيني، ص 8 و ص 9.
 [2]- تحقّق الإجماع في عقد المعصوم أو نائبه في الصّحّة، و لكنّهم تخيّلوا و اشتبه عليهم الأمر بأنّ المعصوم شرط للوجوب، فتشوّشت أقوالهم و اضطربت كلماتهم لأجل ذلك. (منه عُفي عنه).
                        صلاة الجمعة، ص: 121
__________________________________________________
برهان فإنّها واجبةٌ مطلقاً سواء في زمن الحضور أو في زمن الغيبة، و في ظرف انعقاد الحكومة العادلة أو في غيرها، و الامّة آثمة على تركها بدون عذرٍ و مبرّرٍ كما اشير إليه من خلال بعض الرّوايات، و لكنّ المقام يقتضي توضيحاً مختصراً في كيفيّة الجمع بين الرّوايات مع اختلاف مضامينها، و لعلّ هذا هو السّبب الأصلي لتشتّت الآراء و اختلاف الأنظار، لعلّ الله يرفع عن حقيقة المسألة نقابها و يكشف عن ظلام المعضلات و الشبهات ستارها و حجابها، إنّه خير موفّق و معين.
فاعلم أنّ الرّوايات من أهل بيت العصمة عليهم السّلام في هذا المقام مختلفةٌ و التّعابير الواردة فيها متفاوتة، فالأضبط بالنّسبة لنا تفريقها و تقسيمها إلى وجوهٍ و أقسام أوّلًا و من بعد ننظر في المسألة و جوانبها و نستعين بالله تعالى أن يرينا ما هو الصواب و الفلاح و ليهدينا إلى ما هو الحقّ و الصلاح.
الأضبط تفريق الرّوايات و تقسيمها إلى وجوه قبل النظر في المسألة (ت)
الأظبط تفريق الرّوايات و تقسيمها إلى وجوه قبل في المسألة
لا يخفى أنّ أصرح الرّوايات إطلاقاً و أوضحها بياناً للمطلوب و الّتي عليها المدار لاستظهار الحُكم و الفتوى، و المحور الأصلي لتنقيح المبنى هي صحيحة زرارة و ما شابهتها الّتي يبلغ عددها إلى نيّف و عشرين رواية.
ولم نذكر الرّوايات هنا لسبق ذكرها في أوّل الرسالة فلا نحتاج إلى تكرارها اختصاراً و اتّكالًا على اهتمام القارئ الكريم و تتبّعه، و هي تدلّ بالصّراحة على وجوب صلاة الجمعة بدون أيّ شرط، فعلى القارئ الكريم الرّجوع إليها و تبيّن الحال منها، فعلى ما قدّمناه من استحالة لحاظ حضور الإمام عليه السّلام أو الحكومة العادلة شرطاً في بعض هذه المطلقات لكونه من الأمر بالمحال و ما لا يقدر المكلّف على إتيانه و الخروج عن اختياره و إرادته بحسب الشرائط و الظروف، فهذه الرّوايات صريحةٌ في وجوب صلاة الجمعة يقيناً من غير أيّ شرط لا في الوجوب و لا في الواجب إطلاقاً، لأنّ الإمام عليه السّلام في حين بيان الحكم و إبلاغه إلى الرّاوي إمّا أن يقصد بالخطاب نفس الرّاوي فقط لا العموم و الشمول منه، أو إراد العموم لقاطبة الشّيعة من أوّل زمان البلوغ إلى النهاية في كلّ بِقاع و قطاعٍ. و الأوّل باطل بالضرورة و الوجدان، و على الثاني كيف يمكن أن يأمر الإمام أحداً بإقامة الصلاة مع عدم قدرته على القيام و الإقدام بانعقاد الحكومة العادلة حتّى في زمان نفس الإمام عليه السّلام فكيف بزمان الغيبة و عدم حضوره، و هل هذا إلّا اجتماع الأمر و النهي في أمر واحد؟!
وأمّا رواية الصادق عليه السّلام «ليس على أهل القري جماعة، و لا خروج في العيدين» و ما
                        صلاة الجمعة، ص: 122
__________________________________________________
شابهتها فالمقصود منها القرية الّتي ليس لها إمام يخطب لهم، و مقدار المسافة إلى صلاة الجمعة و العيدين أكثر من فرسخين، و يدلّ على هذا موثّقة ابن بكير، قال:
 «سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قوم في قرية ليس لهم من يجمع بهم أيصلّون الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ قال: نعم إذا لم يخافوا».
فهذه تدلّ على وجوب الجمعة إذا كان الإمام العادل فيهم. و كذلك رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال:
 «سألته عن اناس في قريةٍ هل يصلّون الجمعة جماعة؟ قال: نعم يصلّون أربعاً إذا لم يكن من يخطّب».
وكذلك صحيحة فضل بن عبد الملك قال:
 «سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول: إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كان خمسة نفر، و إنّما جُعِلَتْ ركعتين لمكان الخطبتين».
وهذه الرّوايات صريحة في أنّ رفع القلم عن أهل القري ليس لأجل ابتعادهم عن البلاد المنعقدة فيها صلاة الجمعة بل لأجل عدم وجود الإمام العادل غالباً فيهم و مع وجوده يجب عليهم كما وجب على أهل البلدان، فلا فرق أبداً.
وفي قسم منها يصرّح بوجوب الصلاة عند حضور إمام عادل مجرٍ للحدود قاضٍ بين النّاس، و هي العمدة في اختلاف الأصحاب في مسألة الوجوب، و كذلك فيما اعتمد عليه المؤلّف قدّس سرّه حيث حَكَمَ بشرطيّته في الصّحّة و الإجزاء. كرواية أميرالمؤمنين و رواية الصادق عليهما السّلام كما تقدّم ذكرهما، و لكنّ التأمّل في خصوصيّة صلاة الجمعة مع ما فيها من اجتماع النّاس و تبيين المسائل الجارية في المجتمع و تحسّس الحكومات في هذه الصلاة يقضي بحضور إمام عادل مجرٍ للحدود في البلدان و المدن، و لا شكّ في أنّه بدون هذا الشّرط لا يتحقّق أصلًا. فهذا شرط لا يحتاج إلى بيانه بل هو كالضّروريّ، يفهمه كلّ أحدٍ كما أشرنا إليه سابقاً من أنّه كيف تسمح حكومة لانعقاد هذه الصلاة مع إمام عادل مستقلّ في الخطابة و إيراد الكلام على ما يراه من المصلحة بدون التّوجّه و الالتفات إلى مصالح الحكومة؟ فالحكومات بحسب طبعها الوضعي تقيم هذه الصلاة بإمامٍ مادحٍ ممضٍ و مقرّرٍ لأعمال الحكومة لا نافٍ لها و لا منتقدٍ إيّاها بل مثبتٍ لسيرة الحكومة و منهجها سواء كان باطلًا أو لا. فعلى هذا الأساس يصرّح الأئمّة بوجوب الصلاة في المدن مع الشرط. فقضيّة الجمع بين هذا القسم و القسم الأوّل المطلق في الوجوب هو عدم جواز الصلاة في المدن و البلدان إلّا بإمام عادل مبسوط اليد و القضاء مجرٍ للحدود و الأحكام، و أمّا في سائر الأماكن و البقاع إذا وُجد من يامّ بهم فهو واجب و إلّا فلا. كما هو صريح الرّوايات عن المعصومين عليهم السّلام. فالنتيجة المستظهرة من الجمع بين الأدلّة في الباب هي وجوب صلاة الجمعة مطلقاً بدون أيّ شرط لا في الوجوب و لا في الواجب، و هي على ما في الرّوايات تجب عند اجتماع السبعة و لكن تنعقد استحساناً لا وجوباً عند اجتماع الخمسة. و من أتقن القرائن الحاليّة على وجوب صلاة الجمعة بدون اشتراط في كِلا اللحاظين- بل يمكن أن يعدّ دليلًا عليه- هو أنّ الإمام عليه السّلام من حيث إنّه كان يعيش في زمن الحكومات الجائرة (و الاقتضاء العقلي و العادي هو عَدَمُ حضور الإمام عليه السّلام أو الفقيه الجامع المجري للحدود في هذا المجال) فإذا كان الإمام عليه السّلام يري اشتراط الوجوب أو الواجب و مع ذلك لم يذكر شيئاً منهما بل أطلق الوجوب بهذه التعابير غير المقيّدة بهما، فلا شكّ حينئذٍ بإرادة الإطلاق من الخطاب، و هذا من أبده البديهيّات حيث يحكم به بداهةُ العقل و شهادة الوجدان، لأنّ العقل يحكم باستهجان صدور مثل هذا الخطاب عن الأشخاص العاديّين فكيف بالإمام عليه السّلام، و لذا أردفه بعدم الخوف. فعلى هذا لا نشكّ أبداً في الوجوب من غير اشتراط، لا بشرط الوجوب و لا بشرط الصّحّة. و الحمد لله على توفيقه و انكشاف المسألة بلطفه و عنايته و هو بكلّ شي‏ء عليم. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 123
                        الأضبط تفريق الرّوايات و تقسيمها إلى وجوه قبل النظر في المسألة (ت)

هذا تمام الكلام في أدلّة القول المنصور من الوجوب التّعييني و ذبّ بعض الإشكالات الواردة عليه، و سيأتي ذبُّ بقيّة الإشكالات عند التعرّض لأدلّة سائر الأقوال فنقول:
قد اشترك القائلون بالوجوب التّخييري في زمن الغيبة على الإطلاق، أو مع وجود الفقيه مع القائلين بالحرمة في استدلالهم بجملة من الأدلّة، ثمّ تفرّد كلّ من هذه الطوائف الثلاثة في الاستدلال بما يختصّ لمذهبه، و نحن نبحث أوّلًا في أدلّتهم المشتركة ثمّ فيما تفرّدوا به من الأدلّة.
                        صلاة الجمعة، ص: 125
                        الفصل الرّابع: في الأدلة المشتركة بين القائلين بعدم وجوب صلوة الجمعة تعييناً

                        صلاة الجمعة، ص: 127
بسم الله الرّحمن الرّحيم‏
فاعلم أنّهم استدلّوا على وجوب صلاة الظهر، و عدم الوجوب التعييني لصلاة الجمعة في زمان الغيبة بأدلّةٍ:
                        الدّليل الأوّل المشترك بينهم: الأصل‏

الأوّل: الأصل.
و فيه: إن كان مرادهم من هذا الأصل الأخذ بإطلاقات وجوب صلاة الظّهر لكلّ من المكلّفين في كلّ يوم عند الشكّ في اشتراط صلاة الجمعة بحضور الإمام فلا ريب أنّه تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة للمخصّص، لأنّ آية الجمعة و الروايات الواردة فيها تُخصّصها لا محالة، و القدر المتيقّن منه في زمان الحضور و الشكّ في زمان الغيبة ليس شكّاً في التخصيص الزائد بل يكون شكّاً في سعة دائرة المُخصّص و ضيقه، و قد تقرّر في الاصول عدم جواز التمسّك بالعامّ حينئذٍ [1].
__________________________________________________
1- و فيه نظرٌ، لأنّ عدم جواز التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة هو في ظرف عدم تيقّن شمول العامّ بعنوانه الكلّي للفرد المشكوك، و أمّا في صورة تماميّة العامّ بعنوانه لكلّ فرد فرد من مصاديقه، و جاءت الشّبهة من قِبَل المخصّص باعتبار هل هو قابل لتخصيص الأفراد و إخراجها عن تحت هذا الشمول أو لا، فعندئذٍ لا شبهة في جواز التّمسّك بالعامّ للفرد المشكوك شموله تحت عنوان المخصَّص، فلا تغفل. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 128
و إن كان مرادهم به هو الأصل العملي بمعنى أنّ صلاة الظُّهر أربع ركعات كانت واجبةً قَبْل نزول الآية و بعد نُزولها قد ارتفع الوجوب لا محالة في زمان الحضور كما يستفاد هذا ممّا رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر في حديث طويل قال فيه:
وقال الله تعالى حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ [1] وهي صلاة الظهر، و هي أوّل صلاة صلّاها رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم، و هي وسط النّهار و وسط الصّلاتَين بالنَّهار- صلاة الغداة و صلاة العصر- ... إلى أن قال عليه السّلام: و نزلت هذه الآية يوم الجمعة و رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم في سفر فقنت فيها و تركها على حالها في السفر و الحضر و أضاف للمقيم ركعتين، و إنّما وُضِعَت الركعتان اللّتان أضافهما رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام، فمن صلّى يوم الجمعة في غير جماعةٍ فليصلّها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيّام [2].
فعَلى هذا إذا شككنا في دخالة الحضور في وجوبها لا مجال لاستصحاب وجوب الجمعة، لأنَّ ما عُلِمَ وجوبه في السابق هي الجمعة مع الإمام أو منصُوبه و هذا ممّا لا شبهة فيه، و أمّا وجوبها مع غيره فلم يثبت من أوّل الأمر، فمقتضى الأصل عدم شرعيّتها، أو عدم وجوبها على تقدير ثبوت مشروعيّتها، لكنّ‏
__________________________________________________
 [1]- سورة البقرة (2) صدر الآية 238.
 [2]- بحار الأنوار، ج 86، ص 194؛ وسائل الشّيعة، ج 3، ص 6.
                        صلاة الجمعة، ص: 129
استصحابَ وجوب أربع ركعات الثابت قَبْل نزول الآية بمكان من الإمكان.
و فيه أوّلًا: أنّ هذه الصَّحيحة لا تدلّ على أنّ الأصل في يوم الجمعة صلاة أربع ركعات، و لا تدلّ على أنّ الرّسول صلّى الله عليه و آله و سلّم صلّى في الحضر أربع ركعات، بل تدلّ على أنّه أضاف للمقيم ركعتين و أسقطهما لمن تجب عليه الجمعة، فيمكن أن صلّى صلّى الله عليه و آله و سلّم في الحضر صلاة الجمعة من أوّل الأمر. [1]
و بعبارة اخرى لا دلالة فيها على أنّ نُزول آية الجمعة يكون بعد مضىّ مدّةٍ صلّى صلّى الله عليه و آله و سلّم فيها بأربع ركعات، فعلى هذا لا مجال لاستصحاب الظّهر أربع ركعات، لعدم اليقين السابق بإتيان الظّهر على هذا النّهج. و أمّا رواية حفص بن غياث أيضاً لا تدلّ على أنّ الأصل أربع ركعات، ففى «التهذيب» مسنداً عن حفص بن غياث قال:
سمعت بعض مواليهم يسأل ابنَ أبي ليلى عن الجمعة هل تجب على المرأة و العبد و المسافر؟ فقال ابن أبي ليلى: لا تجب الجمعة على واحدٍ منهم، و لا المخالف. فقال الرّجل: فما تقول إن حضر واحد منهم الجمعة مع الإمام فصلّاها معه هل تَجزيه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ فقال: نعم. فقال له الرجل: و كيف يجزي ما لم يفترضه الله عليه عمّا فرضه الله؟! و قد قلتَ إنّ الجمعة لا تجب عليه، و مَن لم تجب الجمعة عليه فالفرض عليه أن يصلّي أربعاً، و يلزمك فيه معنى أنّ الله فَرض عليه أربعاً. فكيف أجزأ عنه ركعتان مع ما يلزمك أنّ من دخل فيما لم يفرضه الله عليه لم يجز عنه ممّا فرض الله عليه؟
__________________________________________________
 [1]- و الظاهر أنّ سورة الجمعة مدنيّةٌ، فعلى هذا التّمسّك باستصحاب صلاة الظهر أربع ركعات بمكان من الإمكان. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 130
فما كان عند ابن أبي ليلى جواب و طلب إليه أن يفسّرها له فأبى، ثمّ سألته أنا عن ذلك فقال: إنّ الله عزّ و جلّ فرض على جميع المؤمنين و المؤمنات و رخّص للمرأة و المسافر و العبد أن لا يأتوها، فلمّا حضروها سقطت الرّخصة و لزمهم الفرض الأوّل، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم، فقلت: عمّن هذا؟ فقال: عن مولانا أبى عبدالله عليه السّلام [1].
هذا و أنت كما تري تدلّ هذه الرّواية على أنّ الفرض على الجميع هو صلاة الجمعة و إنّما رخّص للمرأة و العبد و المسافر في السعي فقط و أمّا بعد تحقّق السعي منهم فقد وجبت عليهم أيضاً، و لا تدلّ على أنّ الأصل هو صلاة الظهر بوجه بل يمكن أن يستشعر منها أنّ الأصل هو صلاة الجمعة كما لا يخفى. [2]
و ثانياً: أنّك قد عرفت دلالة روايات ظاهرةٍ بل صريحةٍ على وجوبها لكلّ أحدٍ في جميع الأزمان لا يعذر الناس فيها إلّا أفراداً معدودة، و كيف يقابلها الأصل مع أنّه دليل حيث لا دليل. [3]
و ثالثاً: لابدّ في الاستصحاب من اتّصال زمان اليقين بالشّكّ، فلو كان بينهما فصلٌ لا مجال لجريانه كما تقرّر في الاصول، و مع فرض اليقين بوجوب أربع ركعات أوّلًا قد ارتفع هذا الوجوب في برهة من الزّمان بوجوب الجمعة يقيناً فلا
__________________________________________________
 [1]- تهذيب الأحكام، ج 3 ص 22؛ بحار الأنوار ج 86، ص 168 مع اختلاف قليل.
 [2]- بل غير خفيّ أنّ صلاة الظهر في أوائل أزمنة الرسالة كانت أربع ركعات و هذه الرّواية تدلّ على تشريع الصلاة يوم الجمعة و لا علاقة لها بالنسبة إلى التّقدّم و التّأخّر في التكليف، فلهذا فللخصم مجال للنّقاش من هذا الإعتبار. (منه عُفي عن جرائمه)
 [3]- لا شكّ أنّ هذا هو الحاكم في المقام و لا شى‏ء يقدر أن يقابله و هو المتّبع. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 131
يمكن إسراء حكمه في زمان الغيبة مع هذا الفصل الطَّويل. [1]
و رابعاً: أنّ استصحاب الوجوب في مرحلة المجعول يكون معارضاً
__________________________________________________
1- بل هو موضع منع و نظر، لأنّ المقام أجنبيّ عمّا ذكره قدّس سرّه من عدم جريان الاستصحاب بتخلّل فترة من الزّمان، و بيانه:
لا شكّ في جريان الاستصحاب من لحاظ أمرين: اليقين السّابق و الشّكّ اللاحق، فأوّل شي‏ء لازم على المستصحِب معرفة المستصحَب و كيفيّة الموضوع أو الحكم حتّى يقدر على استصحابهما عند الشّكّ في زوالهما، و لا شكّ أنّ الأحكام الشّرعيّة محمولةٌ على موضوعاتها بشرائطها و مقارناتها بحيث تشكّل موضوعاً عامّاً يصحّ حمل الحكم عليه بهذا العنوان العامّ، و إذا فرض وجود شرائط اخري يختلف الحكم عليه على طبقها، فعلى هذا فالحكم المتعلّق لهذا الموضوع باقٍ و مستمرٌ مادام الموضوع بنفس العنوان باقياً و مستمرّاً إلى يوم القيامة، فبتغيير الموضوع لجهة من الجهات يتغيّر الحكم و عند زوال التّغيّر يرجع الموضوع إلى عنوانه الأوّلى و يترتّب عليه الحكم الأصلي، و لا يمكن استصحاب الحكم الطّارئ، مثلًا لو قال المولى: أكرم زيداً العالِم و لاتكرم الجاهر بالفسق، فعندما يكون زيد جاهراً به فاللازم حرمة الإكرام بهذه الإعتبار، و لو تغيّر زيد بعد مدّة عشر سنوات و ترك الفسق و خرج عن هذا العنوان فاللازم علينا عند الشّكّ في بقاء الوجوب السابق أو تركه بواسطة هذه الفترة، استصحاب الوجوب لبقاء عنوان العالِم و إن حال بينه و بين الآن عشر سنوات، فعلى هذا لو ادّعى الخصم اشتراط الوجوب بحضور الإمام عليه السّلام و إطلاق صلاة الظهر بأربع ركعات في ابتداء البعثة فلا مناص من استصحاب وجوب صلاة الظهر و إن حال بينه و بين زوال العنوان الطّارئ عشر سنوات أو أكثر، لأنّ بقاء الأحكام ليس بواسطة إيجادها في الخارج بل هي باقية في عالَم التّشريع ببقاء موضوعاتها إلى يوم القيامة. فهي و إن أمكن أن تتغيّر بتغيّر الشرائط و الموضوعات إلّا أنّها باقية في وعاء الإنشاء و الملاك فتصبح فعليّةً بمجرّد حصول العنوان الأصلي. و فيما نحن فيه الشّكّ في بقاء الحكم الطّارئ لا يوجب الاستصحاب في العنوان لزواله قطعاً، و العنوان الأصلي يكون بحاله و لم يزل و لا يزال موجوداً في وعاء التّشريع و الملاك فالحكم فيما نحن فيه: استصحاب وجوب أربع ركعات بلا شبهة في المقام. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 132
باستصحاب عدم الجعل فيتساقطان، فلذا لا يجري الاستصحاب الحكم الوجودي في الشبهات الحُكميّة أصلًا كما تحقّق في محلّه. [1]
الدّليل الثّاني المشترك بينهم: الإجماع‏
الثّاني: الإجماع على اشتراطها بحضوره و تمكّنه من الإقامة أو بوجود المنصوب من قِبَلِه.
و فيه ما فيه بما لا مزيد عليه.
                        الدّليل الثالث المشترك بينهم: السيرة

الثالث: السيرة المستمرّة من زمان النبّيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم و كذا الخُلفاء بعده على النَّصب لإمام الجمعة كما أنّهم ينصبون القضاة للقضاوة بين النّاس، و من الظاهر أنّ فعل النبّيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم حجّة و نصبه لإقامة الجمعة دليل على الشرطيّة فلولاه لما كان وجه للنصب، و قد نقل عن المحقّق من أنّه احتجّ بفعل النبّيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم فإنّه كان يعيّن لإمامة الجمعة و كذا الخلفاء بَعده كما يعيّن للقضاء، فكما لا يصحّ أن ينصب الإنسان نَفسه قاضياً من دون إذْن الإمام فكذا إمام الجمعة.
قال: و ليس هذا قياساً بل استدلال بالعمل بالسّيرة في الأعصار، فمخالفته خرق للإجماع. انتهى.
و أمّا عمل الخُلفاء الجائرين بعده و إن لم يكن حجّة علينا إلّا أنّهم كانوا يدّعون الخَلافة النبويّة و كانوا يقتفون النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم في أعماله و سيرته و كلّما كانوا ينحرفون عن طريقة النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم و يبتدعون في الامور كان مضبوطاً في التأريخ، و كانت الشيعة يشنِّعون على العامّة
__________________________________________________
 [1]- هذا في صورة الشّكّ في الحكم الوجودي، و أمّا لو كان سابقاً متقدّماً على زمان العنوان الطّارئ فيجري الاستصحاب بلا شبهة. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 133
لأجل انحرافهم عن سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم، و من المعلوم أنّ أحداً من علماء الشيعة لم يعدّ نصبهم لإمامة الجمعة من بدعهم و هذا دليل على أن النّصب لإمامة الجمعة كان لازماً حتماً على رئيس الملّة و لا تصحّ الجمعة بدونها
و قال في «الجواهر»:
و منها، أي من الأدلّة: السّيرة الّتي أشار إليها أساطينُ المذهب ... إلى أن قال: و يشهد لها أيضاً ما في أيدي المخالفين الآن الّذي لم يعدّه أحد أنّه من بدعهم و مُخترعاتهم مع أنّهم حصروا مبتدعاتهم في الفروع و الاصول و لم يتركوا لهم شيئاً إلّا ذكروه حتّى الأذان الثّاني لعثمان في الجمعة، و أنّه كانت تُصلّي في ذلك الوقت مع غير النائب في رأس كلّ فرسخ لشاع و ذاع و صار معلوماً عند الأطفال فضلًا عن العلماء الماهرين، إلى آخر كلامه [1].
و فيه: أنّ هذه السيرة المستمرّة على النَّصب و إن كانت مسلَّمة إلّا أنّه لا دلالة لها على الاشتراط، لأنّ العامّ لا يدلّ على الخاصّ، بل النّبيّ صلّى الله عليه وآله و سلّم حيث كان أعرف بمن يليق بتصدّي امور الناس في إقامة الجمعة و غيرها فكان ينصّب رجلًا لائقاً لذلك.
و لذلك ترى أنّه صلّى الله عليه و آله و سلّم كان ينصّب أئمّة الجماعة لصلاة الخَمس و للأذان و لسقاية الحجّ و لإمارة الحجيج و قبض مفاتيح الكعبة و ترتيب الجيش و سائر الامور، مع أنّ واحداً من هذه الامور غير مشروط بوجود المنصوب، بل لأجل أنّ الانتظام الصّحيح و وقوع هذه الامور على وجه أحسن منوطٌ بنظره صلّى الله عليه و آله و سلّم خصوصاً مع كون الإسلام ديناً مدنيّاً حافظاً للنّظام في‏
__________________________________________________
 [1]- جواهر الكلام، ج 11 ص 156.
                        صلاة الجمعة، ص: 134
جميع الامور المَعَاديّة و المعاشيّة، و بالتأمّل يُعرَف أنّ مداخلة رئيس كلِّ قومٍ في بعض امورهم ليس لأجل اشتراط إيجاد هذه الامور بوجوده بل لأجل أنّه أعرف بالصّلاح و الفَساد و إيجاد الامور على وجه أحسن، و لذلك ترى أنّ أهل القبيلة يراجعون إلى زعمائهم في طرق مكاسبهم و معالجة مرضاهم و دَفن جنائزهم و الدفاع عن خصمائهم مع أنّه لاريب أنّه إذا فقدت زعماءهم لا يُهملون هذه الامور بل يتصدّونها بأنفسهم على ما أدّت إليه آراؤهم.
و بعبارة اخرى أنّ من الامور اموراً ممّا لابدّ من إيقاعها غاية الأمر يكون إيجادها بنظر شخصٍ خاصٍّ أكمل و أحسن فإذا كان هذا الشخص موجوداً فالعقل يحكم بوجوب الرُّجوع إليه، كما أنّه إذا كان لهذا الشخص سلطنة و اقتدار يجب عليه المداخلة و النظر في إجراء هذه الامور، و إذا لم يكن موجوداً أو كان مسلوبَ السلطنة لم يكن لرَفع اليد عن أصل إيجادها موقع [1].
__________________________________________________
1- أقول: إنّ لصلاة الجمعة شرائطَ و خواصّاً لم تكن لغيرها من الأحكام فهي متفرّدةٌ بإحكام اجتماعيّة خاصّة و بهذه الملاحظة لابدّ و أن تكون من خصائص الإمام أو نائبه، فمن الآثار المختصّة بها لزوم عقدها في مكان واجد جماعة ليس بينها و بين جمعة اخرى أقلَّ من بُعد فرسخٍ و لزوم الإتيان و الذّهاب إليها من بعد فرسخين إذا لم يُعقد في رأس الفرسخ جمعةٌ اخرى فحينئذٍ يلزم أن يحضرها الجماعة الموجودون في مساحة أربعة فراسخٍ طولًا و عرضاً، أي في مساحة ستّة عشر فرسخاً مربّعاً، و إذا حسبنا كلَّ فرسخ على مقدار خمسة كيلومترات و نصف كيلومتر تصير المسافة على حدّ أربعمِائة و أربعة و ثمانين كيلومتراً مربّعاً، فهذه الجمعة بهذه الابّهة العظيمة الّتي لا يجوز أن يشذّ عنها لا عالم و لا جاهل و لا غنيٌ و لا فقير و لا فقيه و لا عامّيّ و لا حاكم و لا محكوم، لا يمكن أن يعقدها رجلٌ مؤمنٌ عادلٌ عاميّ كان بصفة إمام الجماعة و لا يعقل أن يجب أن يأتّم بهذا الرّجل الفقهاءُ و العلماءُ و أهلُ الخبرة في الدّين و السياسة، بل لابدّ و أن يقيمها الحاكم المطاع الّذي يقبله أهل البلد و يأتمرون بأوامره و ينتهون عن نواهيه و لابدّ للحاكم أن يكون مُطاعاً باسطَ اليد يمكن له أن يُذكّرهم بمصالح امورهم و ما يجري عليهم من الحوادث و أن يرغّبهم و يخوّفهم و يعظهم.
وبالجملة هذه الخواصّ تُفرّد الجمعة عن سائر الأحكام و تخصّصها بالحاكم العدل يقيناً، فعلى المسلمين أن يحضروا بهذه الجمعة وجوباً، و لكن لا تصحّ إلّا بوجود هذا الحاكم المطاع و في حال عدم قدرة الحاكم عن إجراء الحدود و الأحكام و إقامة الجمعة على وجهها لم يسقط تكليفهم بهذه العبادة و يكونون عاصين بترك الواجب، فعليهم القيام و النهوض لإيجاد الحكومة الشرعيّة العادلة و تمكين حاكمهم من الخطبة على وجهها كي يدور الرّحي على قطبه (منه عُفي عنه).* 19/ ج 1/ 1399
*- هذه المواصفات لصلاة الجمعة كلّها صحيحةٌ مضبوطة إلّا أنّ القيام بهذه الصلاة يختصّ بالمدن و البلاد العظيمة كما بيّناه و أمّا بالنّسبة إلى القُرى أو سائر الاجتماعات و لو في غير القرية مثلا لو سافر سبعة نفرات إلى بلاد الكفر و الشرك فيلزمهم إقامة صلاة الجمعة لو كان لواحدٍ منهم قابليّة الإقامة و الإمامة فلا تحتاج إلى هذه الشروط و المواصفات. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 135
إن قلت: هذا مسلّمٌ إذا علمنا لزوم إيقاع هذه الامور، و أمّا إذا شككنا و احتملنا أنّ إيجادها مشروط بنَظر شخص خاصّ فعند فقدانه من أين نحكم بلزوم إيقاعها حتماً؟ و الظّاهر أنّ كلّما كان من الامور المُخترعة الّتي لم يكن لعامّة الناس إليها سبيل يكون من هذا القبيل.
لانّا نري مثلًا أنّ الطبيب الكيمياوي الذي يركِّب الأدويّة لو مات لا يصحّ لتلامذته تركيب الأدوية و إرسالها إلى الأسواق مع شكّهم في كون نظر الطبيب دخيلًا في صحّة التركيب، و الامور المخترعة من هذا القبيل فمن الممكن أنّ المصلحة القائمة بصلاة الجمعة قائمة بحضور شخصِ المعصوم أو المنصوب من قِبَلِه، هذا في مقام الثبوت. و أمّا في مقام الإثبات فنقول: إنّ نفس عمل الرئيس بما هو رئيس في تعيين وظائف المرؤوسين ظاهرةٌ في قيام هذه الوظيفة المجعولة
                        صلاة الجمعة، ص: 136
بوجود الرئيس و نظره، و لذا لو لم ترد أخبار مستفيضة على جواز ائتمام كلّ عادلٍ جامعٍ للشرائط للصلوات الخمس لقلنا بالاشتراط فيها أيضاً بوجود المنصوب و كذا الأمر في الأذان و غيره من الامور.
قلت: هذا كلام متين و لولا روايات صريحة صحيحة بوجوب صلاة الجمعة يقيناً في كلّ زمان بنحو العموم و الإطلاق لما حكمنا بوجوبها، لكنّا ندّعي أنّ الكتاب و السنّة المتواترة دلّت على وجوبها على الإطلاق و هي كافية في رفع الاشتراط المتوّهم من نَصب النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم كما كان الأمر كذلك في سائر الجماعات. [1]
و أمّا ما أورده في «الجواهر» من أنّ عدم تشنيع الشيعة على العامّة دليل على أنّ النّصب ليس من مخترعاتهم فهو من الغرائب.
أمّا أوّلًا: لأنّا لا ندّعي أنّ النَّصب لم يكن في زمان النّبيّ بل ندّعي أنّ الأخبار دلّت على عدم الاشتراط.
و أمّا ثانياً: فلأنّ تشنيع الشيعة عليهم إنّما يصحّ لو لم تكن المسألة خلافيّة بين الخاصّة أيضاً، و أمّا إذا كان كذلك فكيف يشنِّعون عليهم مع أنّ جماعةً منهم بل أكثرهم قائلون بذلك؟ و بتعبير آخر: إن كان التشنيع من القائلين بالاشتراط فهذا غير معقول لأنّه مساوق لتشنيع أنفسهم، و إن كان من القائلين بالعدم فهو مساوق لتشنيع أصحابهم و إخوانهم في المذهب!
__________________________________________________
 [1]- و هذا عجيب منه قدّس سرّه حيث صرّح بإطلاق الرّوايات في عدم اشتراط النّصب مع أنّه بنفسه دليل على عدم اشتراط الصّحّة بوجود الإمام عليه السّلام، فكيف يمكن أن يفصل بينهما بعين الدّليل؟! (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 137
                        الدّليل الرابع المشترك بينهم: الروايات‏

الرابع: الروايات، و هي على طوائف:
الطائفة الاولى: الأخبار الّتي تدلّ على أنّ الجمعة واجبة لمن كان منها على دون فرسخين و ساقطة عمّن بَعُدَ عنها بفرسخين.
منها صحيحة محمّد بن مسلم قال:
سألتُ أبا عبدالله عليه السّلام عن الجمعة، فقال: تجب على مَن كان منها على فرسخين، فإن زاد على ذلك فليس عليه شي‏ء [1].
و منها خبر فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام:
إنّما وجبت الجمعة على مَن يكون على رأس فرسخين لا أكثر [2].
و منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:
الجمعة واجبة على مَن إن صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة [3]، الحديث.
تقريب الاستدلال بها من وجهَين:
الأوّل: أنّ صريح هذه الأخبار هو وجوب الجمعة لمن كان منها على ما دون فرسخين فلو جاز عقدها بلا إذْن لم يتعيّن على مَن بَعُدَ عنها بفرسخين السعي إليها، بل كان لمن بَعُدَ عنها بثلاثة أميال إن يعقدها في مكانه مع جماعة من أهله من غير أن يتحمّل هذه المشقّة الشديدة.
و فيه: أنّ مقتضى إطلاق هذه الروايات و إن كان ذلك إلّا أنّ مقتضى الجمع بينها و بين روايات دلّت على جواز انعقاد الجمعة على رأس ثلاثة أميال هو حملها
__________________________________________________
 [1]- وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 4، ج 5، ص 12، ح 6.
 [2]- المصدر السابق، ح 4.
 [3]- المصدر السابق، ص 11، ح 1.
                        صلاة الجمعة، ص: 138
علي ما إذا لم ينعقد هناك جمعة اخرى.
الوجه الثّاني: أنّ هذه الرّوايات صريحةٌ في سقوطها عمّن بَعُدَ عنها بفرسخين، فلو كان وجوبها غير مشروط بإمام خاصّ لوجب على البعيدين الاجتماع و الانعقاد للجمعة في أماكنهم و لا يصحّ تنزيل هذه الأخبار على السقوط فيما إذا لم يوجد في تلك الأماكن و ما حولها إلى فرسخ أو فرسخين عدّة أشخاص تنعقد بهم الجمعة كخمسة نفر، لأنّه فرضٌ بعيد لا يصحّ تنزيل إطلاق الأخبار عليه.
و فيه: أنّ المراد من بُعد الفرسخين ليس بالنسبة إلى الجمعة المنعقدة فعلًا لوضوح أنّه بعد انعقادها لا مجال للسعي إليها، بل المراد منه إمّا البعد بالنسبة إلى المكان الذي يمكن أن تنعقد الجمعة فيها. و إمّا البعد بالنسبة إلى المكان الذي لو بني على انعقاد الجمعة لانعقدت في ذلك المكان. و على التقديرين لا دلالة لهذه الروايات على سقوط الجمعة عمّن بَعُدَ بفَرسخين عن محلّ انعقاد الجمعة فعلًا، لأنّه على الأوّل إذا انعقدت الجمعة مثلًا في نقطة لأمكن انعقادها بفاصلة ثلاثة أميال و ما زاد فلابدّ من ملاحظة نسبة بُعد الفرسخين إلى هذا المكان الممكن انعقادها فيه. فحينئذٍ نقول: إذا انعقدت جمعة في مكان من المدينة مثلًا فمن بَعُدَ عنه بفرسخين إذا اجتمع شرائط الجمعة بالنسبة إليهم من العدد و الخطيب فيمكن انعقاد الجمعة في هذا الموضع فلا يصدق بالنسبة إليهم البُعد إلى الجمعة الممكن انعقادها، نعم لو لم يجتمع شرائط الجمعة عندهم لصدق بالنسبة إليهم ذلك.
و بعبارة اخرى: أنّ الروايات دلّت على سقوط الجمعة عمّن بَعُد عن طبيعيّ الجمعة الممكن إيقاعها في أيّ موضع لا عن جمعة خاصّة إلّا أنّه يرد على هذا التقريب أنّه قَبْل انعقاد الجمعة في الجامع المعدّ لإقامة الجمعة في المدينة مثلًا
                        صلاة الجمعة، ص: 139
لأمكن انعقاد الجمعة في كلّ موضع موضع من المدينة لأنّ وصف الإمكان يرتفع بمجرّد الانعقاد.
و أمّا قَبْله و إن بنى على الانعقاد لكان إمكان انعقادها في محلّ آخر على حاله، فإذا فرضنا أن تكون سعة المدينة مثلًا فرسخين [1] مربّعاً و بنى على انعقاد الجمعة في وسطها فلازم هذا التقريب وجوب الجمعة لمن كان بُعده عن هذه الجمعة الّتي بنى على انعقادها ثلاثة فراسخ، لأنّ المفروض إمكان إقامة الجمعة عند جانب المدينة بفرسخ فمن كان يَصدُق عليه أنّه بَعُدَ عن هذه الجمعة الممكن إيقاعها في هذا المكان بفرسخين صدق أنّه بَعُدَ عن الجمعة التي بنى على انعقادها في وسط المدينة بثلاثة فراسخ، مع أنّ من الضّروريّ عدم وجوب السعى إلّا لمن كان دون فرسخين لا مَن كان دون ثلاثة فراسخ.
فالأولى التقريب الثّاني كما هو الأظهر و هو سقوط الجمعة عمّن بَعُدَ عن مكان لو بنى على انعقاد الجمعة لعقدوها في ذلك المكان حتماً، فعلى هذا مَن كان بعيداً عن مكان يكون البناء على انعقاد الجمعة فيه بفرسخين لو بنى على إقامة الجمعة عند اجتماع الشرائط فقد كان اقامته للجمعة في محلّه، فلا يَصدُق عليه أنّه بَعُدَ عنها بفرسخين، فينحصر مورد صِدْق البُعد بفرسخين بمن لم يجتمع عنده من الشرائط التي يكون منها العدد.
إلّا أنّه يرد على هذا التقريب أيضاً أنّه لو بنى أهل المدينة على إقامة الجمعة خارجها بفرسخين أو بنى مَن بَعُدَ عن المدينة بفرسخين أن يسعى إليها و صلّى مع جماعة يصلّون في المدينة لكان لازم هذا التقريب عدم وجوب الصلاة بالنسبة
__________________________________________________
 [1]- بل أربعة فراسخ. (منه عُفي عنه)
                        صلاة الجمعة، ص: 140
إليهم للفرض بأنّ وجوبه إنّما هو على مَن كان دون فرسخين بالنسبة إلى المكان الذي لو بنى على انعقاد الجمعة لانعقدت في ذلك المكان، مع أنّا فرضنا أنّ هؤلاء يأتون على عقد الجمعة على بُعد فرسخين.
و يمكن أن يردّ هذا الإيراد بأنّه على تقدير هذا البناء يجب على من يبقى في المدينة إقامة صلاة اخرى في بُعد فرسخين عن الجمعة المنعقدة خارج المدينة، هذا و على تقدير أن يكون المراد من البُعد بفرسخين هو البعد عن المكان الذّي بنى على انعقاد الجمعة فيه فعلًا حتّى تدلّ هذه الروايات بإطلاقها على سقوط الجمعة بالنسبة إلى النّائين بهذا المقدار كمل عددهم و وجد فيهم الخطيب أم لا، فإنّا نقول حينئذٍ: تقع المعارضة بين هذه الروايات و بين الروايات التي دلّت على أنّ القوم تجب عليهم الجمعة إذا كانوا سبعة نفر مطلقاً سواء كانوا فيما دون فرسخين أم خارجهما [1] فتتساقطان في مورد المعارضة، فيرجع إلى عموم الرّوايات التي دلّت‏
__________________________________________________
1- لأنّ النّسبة بين هذه الرّوايات الّتي دلّت على وجوب خصوص عقد الجمعة بالنسبة إلى من كان فيما دون الفرسخ و الرّوايات الّتي دلّت على وجوب الجمعة إذا كمل العدد- و هو سبعةٌ، أو خمسةٌ- عمومٌ من وجه، فتتعارضان في مورد المعارضة و هو فيما بَعُد عن الفرسخين و فيما لم يكمل العدد، فتأمّل* (منه عُفي عنه).
*- وجه التأمّل عدم تحقّق التعارض بينهما لمكان إمكان الجمع العرفيّ- و هو تقديم نصّ أحدهما على ظاهر الآخر- و ذلك لأنّ السقوط عمّن بَعُد عن الفرسخين نصٌّ في الطائفة الاولى من الرّوايات، و وجوب الجمعة بالنسبة إليهم ظاهرٌ بالإطلاق في الطائفة الثانية منها، و كذلك السقوط عمّا دون العدد نصٌّ في الطّائفة الثانية منها، و الوجوب بالنّسبة إليهم ظاهرٌ بالإطلاق في الطّائفة الاولى منها. فالنّتيجة الأخذ بكِلا النصَّين- و هما العدد و الفرسخين- و رفع اليد عن كِلا الظّاهرين- و هما عدم لحاظ العدد و الفرسخين- فإذَن بهذا الجمع العرفي و تحيكم النّصَّين يخصّص العمومات المطلقة بلا مجالٍ كما هو الشأن في جميع العمومات الإطلاقيّة و الأدلّة الخاصّة المقيّدة. (منه عُفي عنه) 20/ ج 1/ 1399.
                        صلاة الجمعة، ص: 141
على وجوب الجمعه لكلّ مسلم و لم يقيّد فيها قيد الفرسخين، كصحيحة زرارة المتقدّمة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها فريضة مع الإمام، الحديث. [1]
و بالجملة أنّه لو لم تقع المعارضة و الرجوع إلى عدم الفرق لكان للاستدلال بهذه الروايات على المنصبيّة وجهٌ خفيٌ، لكنّ الفقيه لابدّ من أن ينظر إلى جميع الروايات و يأخذ النتيجة الحاصلة منها، لا أن يأخذ واحدةً منها و يستدلّ بها على مراده و يترك البواقيّ، نعم على هذا التّقريب تدلّ هذه الرّوايات على وجوب السعي إلى الجمعة الّتي بنى على انعقادها، و لا تدلّ على وجوب أصل انعقاد الجمعة.
و بعبارة اخرى أنّ المستفاد من هذه الرّوايات حينئذٍ وجوب الجمعة اجتماعاً بعد العقد لا عقداً، فلا يناسب جعلها من الروايات المطلقة بالنسبة إلى العقد و الاجتماع، و كذا الرّوايات المتقدّمة المطلقة الّتي يستثنى فيها مَن كان على رأس فرسخين، لأنّ مفاد هذه متّحد مع تلك و هي مع الرّوايات المتكفّلة لحكم البعيدين عن الفرسخين، و أمّا الروايات التي استثنى فيها خمس طوائف من وجوب الجمعة فحيث لم يستثن فيها مَن كان على رأس فرسخين كانت مطلقةً بالنسبة إلى عقد
__________________________________________________
 [1]- هذه المحاذير و الملاحظات على تقدير وجوب إقامة الجمعة بالإمام العادل الفقيه الحاكم، و أمّا على ما بيّنّاه و استظهرناه من عدم ذلك لا محذورَ أصلًا، لأنّ النّائي عن الأمكنة المعدّة للإقامة تسقط الصلاة عنه بالنسبة إلى هذه الصلاة خصوصاً و لكن لا تسقط مطلقاً بل يجب عليه الإقامة في قريته أو مسكنه إذا اجتمع الأفراد، و لامعارضة أصلًا في الروايات كما أوضحناه بما لا مزيد عليه. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 142
الاجتماع كما لا يخفى.
و ممّا ذكرنا قد عرفتَ أنّه يمكن توهّم الاستدلال بهذه الروايات على عدم الوجوب التّعييني في زمان الغيبة المشترك بين الحرمة و الاستحباب كما عرفت جوابه، و قد أشرنا إلى انفراد كلّ من القائلين بالحرمة و الاستحباب في الاستدلال بروايات مدّعين أنّها ظاهرة في ما ذهبوا إليه.
أمّا القائلون بالحرمة فقد استدلّوا بطوائف من الروايات.
                        استدلال القائلين بالحرمة بطوائف من الرّوايات‏

                        الطائفة الاولى من الرّوايات و الجواب عنها

الطائفة الاولى: الرّوايات الدالّة على عدم انعقاد الجمعة أو عدم وجوبها إلّا عند وجود من يخطب.
منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام:
 «قال: سألته عن اناس في قريةٍ هل يصلّون الجمعة جماعة؟ قال: نعم يصلّون أربعاً إذا لم يكن من يَخطب [1]».
و منها: صحيحة الفضل بن عبدالملك قال:
سمعت أبا عبدالله عليه السّلام يقول: «إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يَخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر، و إنّما جُعلتْ ركعتين لمكان الخطبتين [2]».
و منها: موثّقة سماعة قال:
 «سألت أبا عبدالله عليه السّلام عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا مع من صلّى وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظّهر [3]».
__________________________________________________
 [1]- وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 3، ج 5، ص 10، ح 1.
 [2]- المصدر السابق، ح 2.
 [3]- المصدر السابق، ح 8.
                        صلاة الجمعة، ص: 143
يعني إذا كان إمام يخطب، فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة بدعوى أنّ الظاهر ممّن يخطب في هذه الروايات هو الإمام أو المنصوب من قِبَلِه لا كلّ من يقدر على مجرّد الخطبة، و ذلك لأنّ العادة تقضي على أنّ كلّ من يقدر على فعل الصلاة يتمكّن من الإتيان بأدنى ما يجزي من الخطبتين، فلو كان وجوبها عيناً لكانت معرفة الخطبة الّتي هي ميسورةٌ لكلّ أحدٍ و كذا الإقامة بها واجباً كفائيّاً على الكلّ، فلا يصحّ تعليق وجوبها على وجود من يخطب بهم فإنّه حينئذٍ بمنزلة ما لو قال: يجب الصلاة على الميّت إن كان فيهم من يصلّي عليه.
و فيه: أنّه لا دليل و لا قرينة على أن يكون المراد ممّن يخطب هو الإمام أو المنصوب من قِبَلِه، بل الظاهر منه هو كلّ من يقتدر على التكلّم و الخطابة و الوعظ و النّصيحة. و بعبارة اخرى كلّ ناطق متكلّم متبحّر مطّلع على الحوادث الواقعة خبير بالوقايع المتجدّدة التي ينبغي أن يخبرها العموم، كي يطّلعوا عليها لجلب ما يمكن أن يعود إليهم من المصلحة و دفع ما يمكن أن يتوجّه إليهم من الضرر، مضافاً إلى كونه متّصفاً بصفات إمام الجماعة من كونه عدلًا مرضيّاً، لا كلّ من يقدر على أقلّ ما يجزي من الخطبتين، و هذا النحو من الرجال موجود في كلّ زمان من الفقهاء و من دونهم من العلماء و الأتقياء و الصلحاء، و معلوم أنّا لا ندّعي وجوب صلاة الجمعة تعيّنيّاً على الإطلاق حتّى بالنسبة إلى وجود الخَطيب كي يكون التمكّن من الخُطبة واجباً كفائيّاً من مقدّمات الواجب، بل ندّعي كون الخطيب من مقدّمات الوجوب ضَرورة تقييد الوجوب في الأخبار بالعدد و وجود من يخطب، لكنّ الخطيب ليس منحصراً بالإمام أو المنصوب من قِبَلِه و إن كان منطبقاً عليهما في زمان الحضورِ لتعيّن الإمامة بهما من باب الاولويّة، و ليس المراد منه كلّ من‏
                        صلاة الجمعة، ص: 144
يقدر على أقلّ ما يجزي من الخطبتين حتّى يكون التقييد لغواً هذا.
و ربّما قيل: إنّه على فرض الشكّ في كون من يخطب هو المنصوب أو كلّ من يقتدر على الخطابة، يكون القدر المتيقّن هو المنصوب للشكّ في الوجوب مع غيره، و لكنّه توهّم فاسد؛ ضرورة أنّ الإطلاقات تدلّ على الوجوب لكلّ أحد و لابدّ من تقييدها بمقدار يفي دليل المقيّد على التقييد، فإذا كان دليل المقيّد مجملًا مردّداً أمره بين الأقلّ و الأكثر، فالقدر المتيقّن من التقييد هو المقدار الأقلّ، و حينئذٍ نقول: إنّ الإطلاقات دالّة على وجوبها لكلّ أحدٍ، و إنّما دلّ دليلُ مَن يخطب على سقوطه عن جماعةٍ لم يكن عندهم من يَخطب بهم، فالقدر المتيقّن من التّقييد هو ما إذا لم يكن عندهم من يقتدر على الخطبة، و أمّا مع فرض وجوده و عدم وجود المنصوب فالإطلاقات جاريةٌ بلا إشكال.
                        الطائفة الثّانية من الرّوايات و الجواب عنها

الطائفة الثانية: الرّوايات الدّالّة على أنّ الجمعة لابدّ و أن يكون مع الإمام:
منها: ما في «العيون» و «العلل» عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام:
 «قال: فإن قال قائل: فَلِمَ صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الإمام ركعتين و إذا كانت بغير إمام ركعتين و ركعتين؟ قيل: لعلل شتّى، منها. أنّ الناس يتخطّون إلى الجمعة من بُعدٍ فأحبّ الله عزّ و جلّ أن يخفّف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه. و منها: أنّ الإمام يحبسهم للخطبة و هم منتظرون للصلاة، و من انتظر الصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام. و منها: أنّ الصلاة مع الإمام أتمّ و أكمل، لعلمه و فقهه و عدله و فضله. و منها: أنّ الجمعة عيد و صلاة العيد ركعتان و لم تقصر لمكان الخطبتين. فان قال: فَلِمَ جعل الخطبة؟ قيل: لأنّ الجمعة مشهد عامّ فأراد أن يكون للأمير سببٌ إلى موعظتهم و ترغيبهم في الطّاعة و ترهيبهم من المعصية و توفيقهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق [الأهوال‏] الّتي لهم‏
                        صلاة الجمعة، ص: 145
فيها المضرّة و المنفعة و لا يكون الصائر في الصلاة بل منفصلًا و ليس بفاعل غيره ممَّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة. فإن قال: فَلِمَ جعل الخطبتين؟ قيل لأن يكون واحداً للثناء على الله و التمجيد و التقديس لله عزّ و جلّ و الاخرى للحوائج و الإعذار و الإنذار و الدّعاء و ما يريد أن يُعلمهم من أمره و نهيه و ما فيه الصّلاح و الفَساد [1]. انتهى.
بدعوى أنّ المراد من الإمام فيها هو إمام الأصل، و هو المعصوم أو المنصوب من قِبَلِه، فالرواية صريحة في سقوط الجمعة إذا لم يكن فيهم الإمام.
و فيه: مضافاً إلى عدم صحّة سندها، لا شاهد فيها على أنّ المراد من الإمام فيها هو إمام الأصل، بل المراد منه هو الإمام اللُّغوي، و هو مَن يقتدي الناس به في صلواتهم، غاية الأمر- كما ذكرنا- لابدّ و أن يكون مضافاً إلى كونه بصفات إمام الجماعة من كونه عادلًا أن يكون خطيباً، و قد ذكرنا أنّ من يخطب ليس هو مجرّد من يقدر على الخطبة، بل من كان له مَلَكةُ الخطابة و النّصيحة و الإخبار. و الإمام في هذه الرّواية أيضاً كذلك كما يدلّ عليه قوله: «إنّ الصلاة مع الإمام أتمّ و أكمل لعلمه و فقهه و عدله و فضله» نعم ربّما قيل: بأنّ قوله «و لا يكون الصائر في الصلاة بل منفصلًا و ليس بفاعل غيره ممّن يؤم النّاس في غير يوم الجمعة» صريحة في عدم انعقاد الجمعة بإمام يصلّي بالناس في غير يوم الجمعة.
لكنّه مدفوع، أولًا: أنّ هذه الفقرة عن صلاة الظهر، كما ذكر في «الوسائل» ليست مذكورة في «العيون» و ثانياً: قد ذكرنا أنّ المراد بالإمام ليس هو مجرّد من له مَلَكة العدالة مع كونه قادراً على أقلّ ما يجزي من الخطبتين، بل من يكون العارف‏
__________________________________________________
 [1]- مصباح الفقيه، ج 2 ص 438، نقلًا عن العلل، ج 1، ص 265.
                        صلاة الجمعة، ص: 146
بالوعظ و الخطابة، العالِم بالمصالح و الحوادث الواقعة ممّا يكون لها ربط بالعموم [1].
هذا و على فرض تسليم ظهورها في إمام الأصل لابدّ إمّا من تأويلها بمطلق من يَخطب، أو حملها على صورة وجود الإمام و سلطنته، جمعاً بينها و بين الإطلاقات المتقدّمة الآبية عن التّقييد.
و منها: موثّقة سماعة المتقدّمة.
و منها: موثّقته الاخرى:
 «قال: سألتُ أبا عبدالله عليه السّلام عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا لمن صلّى وحده فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة [2]».
و جوابهما يظهر ممّا مرّ.
                        الطائفة الثّالثة من الرّوايات و الجواب عنها

الطائفة الثالثة: الروايات الدالّة على أنّ الجمعة من مناصب الإمام:
منها: مرسلة ابن عصفور عنهم عليهم السّلام:
 «إنّ الجمعة لنا، و الجماعة لشيعتنا [3]».
و منها: ما ارسل عنهم أيضاً:
 «لنا الخمس و لنا الأنفال و لنا الجمعة و لنا صفو المال [4]».
و منها: ما في النّبويّ:
__________________________________________________
 [1]- الظّاهر أنّ المراد من الإمام في هذه الرّواية هو السائس المدبّر للُامور بحيث يكون بيده تدبير امور النّاس، فعلي هذا تكون هذه الرّواية من الشواهد على لزوم الإمام العادل الباسط اليد، لكنّه شرط في الصّحّة لا في الوجوب. (منه عُفي عنه).
 [2]- وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 6 ج 5، ص 16، ح 8.
 [3]- مصباح الفقيه، ج 2، ص 438، نقلًا عن رسالة الفاضل بن عصفور.
 [4]- المصدر السابق.
                        صلاة الجمعة، ص: 147
 «إنّ الجمعة و الحكومة لإمام المسلمين [1]».
و منها: ما في النّبويّ الآخر:
 «أربع إلى الولاة الفي‏ء و الحدود و الجمعة و الصدقات [2]».
و هذه الروايات و إن كانت ظاهرة في الاختصاص لكن لا يمكن الأخذ بظهورها، أولًا: لمكان ضعف سندها و إرسالها. و ثانياً: إنّ الاختصاص المستفاد منها إنّما هو لمكان أولويّة الإمام من غيره بهذا المَنصب عند وجوده لا اختصاصه به مطلقاً حتّى لا يصحّ الانعقاد مع فرض غيبته أو عدم سلطنته أيضاً، و كم فرق بين المقامين؟! و قد ذكرنا سابقاً أنّ الإمام مقدّم في جميع الامور الدّينيّة و الدّنيويّة و لا يصحّ لأحدٍ أن يتقدّم عليه إذا أراد عليه السّلام إقامتها من صلاة أو جهادٍ أو أخذ خراجٍ أو زكاةٍ و هكذا، هذا و على فرض استفادة الاختصاص منها على الإطلاق لابدّ من حملها على زمان الحضور جمعاً بينها و بين الإطلاقات و العمومات الصّريحة في وجوبها لكلّ أحدٍ إلى يوم القيامة.
و منها: ما عن «دعائم الإسلام» عن عليّ عليه السّلام أنّه قال:
 «لا يصلح الحُكم و لا الحدود و لا الجمعة إلّا للإمام أو من يقيمه الإمام [3]».
و يظهر جوابه ممّا مرّ مضافاً إلى إمكان ادّعاء أنّ ظهورها في الإمام اللّغوي أقوى بقرينة الرّواية الاخرى أيضاً و هي ما في «مستدرك الوسائل» عن «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال:
 «لا جمعة إلّا مع إمام عدل تقيّ»، و عن عليّ عليه السّلام أنّه قال: «لا يصحّ‏
__________________________________________________
 [1] و 2- المصدر السابق.
 [2]-
 [3]- مصباح الفقيه، ج 2، ص 438، نقلًا عن دعائم الإسلام.
                        صلاة الجمعة، ص: 148
الحُكم و لا الحدود و لا الجمعة إلّا بإمام عدل [1]».
لأنّ الظّاهر فيها أنّ قوله عليه السّلام «عدل» صفة للإمام لا أنّه ممّا يضاف إليه الإمام، و من المعلوم أنّ الإمام العدل بالتوصيف يكون في مقابل إمام الفسق بخلاف الإضافة لأنّه في قبال أئمّة الجور، فإذا ذُكِرَ الإمام العدل بالإضافة يراد منه المعصوم، و إذا ذُكِرَ بالتّوصيف يراد منه الإمام العادل غير الفاسق مطلقاً. [2]
و الظاهر أنّ الإمام العدل في هذه الرّواية يكون بنحو التوصيف لا الإضافة خصوصاً بإيراد لفظ «التقّي» بعد «العدل» فإنّه صفة بعد صفة كما لا يخفى.
نعم، في روايته الثالثة و هي ما في «المستدرك» أيضاً عن «الدَّعائم» عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام أنّه قال:
 «تجب الجمعة على مَن كان منها على فرسخين إذا كان الإمام عدلًا [3]».
يحتمل الأمران، و لكن لابدّ من حملها على إمام العدل في قبال إمام الفسق بقرينة الرّواية السابقة، هذا كلّه مضافاً إلى لزوم حملها جميعاً على صورة حضور الإمام و سلطنته على فرض تسليم ظهورها في الإمام الأصل، و معلوم أنّه مع حضوره لا يصحّ الجمعة إلّا به أو بإذنه كما عرفت وجهه.
                        إنّ صاحب الدعائم من أجلّاء الإماميّة

هذا كلّه مُضافاً إلى إرسال ما في «الدعائم» فلا يمكن أن يعتمد عليه جزماً، لأنّ الرّوايات المرسلة غير حجّة و إن كان صاحب «الدعائم» من أجلّاء الإماميّة الاثنى عشريّة على ما هو التّحقيق. و إن شئت مزيد توضيح لذلك فراجع‏
__________________________________________________
 [1]- مستدرك الوسائل، ج 6 ص 11، ح 6306/ 4
 [2]- الظّاهر عدم الفرق بينهما، لأنّ المضاف إليه كالوصف هيهنا. (منه عُفي عن جرائمه)
 [3]- مستدرك الوسائل، ج 6 ص 11، ح 6302/ 1.
                        صلاة الجمعة، ص: 149
 «المستدرك» [1] فإنّه ذكر أنّ نعمان بن أبي عبدالله محمّد بن منصور صاحب «الدعائم» كان قاضياً بمصر في أيّام الدَّولة الإسماعيليّة و كان مالكيّاً ثمّ اهتدى فصار إماميّاً. و استدلّ العلّامة النّوري بوجوه خمسة على أنّه كان اثنى عشريّاً (2) و نصّ غير واحدٍ على أنّ عدم ذكره للأئمّة بعد الصّادق عليه السّلام و عدم روايته‏
__________________________________________________
1- خاتمة مستدرك الوسائل ج 1 ص 129
2- قال اليافعي الشافعي المتوفّى 768 في «مرآة الجنان» في جملة من توفّى سنه 364، و فيها توفّى صاحب المعزّ العبيدي و قاضيه النعمان بن محمّد المكنى بأبي حنيفة كان من أوعية العلم و الفقه و الدين و النقل على ما لا مزيد عليه. كذا ذكر بعض المورّخين و غير ذلك و ذكر بعض المورّخين أنّه كان في غاية الفضل من أهل القرآن و العلم بمعانيه و عالماً بوجوه الفقه و علم اختلاف الفقهاء و اللغة و الشعر و المعرفة بأيّام الناس مع عقل و إنصاف و ألّف لأهل البيت من الكتب آلاف الأوراق بأحسن تأليف و أملح سجع، و عمل في المناقب و المثالب كتاباً حسناً و له ردود على المخالفين لأبي حنيفة و مالك و الشافعي و ابن شريح و كتاب اختلاف الفقهاء ينتصر فيه لأهل البيت و قصيدة فقهيّة، و كان ملازماً صحبة المُعِزّ و وصل معه إلى الدّيار المصريّة أوّل دخوله إليها من إفريقيّة و لمّا مات صلّى عليه المُعِزّ و قال في «شذرات الذهب» لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفّى سنه 1089: و فيها (أي ممّن توفّى سنة 364) النعمان بن محمّد بن منصور القيرواني القاضي أبو حنيفة الشيعيّ ظاهراً الزّنديق باطناً قاضي قُضاة الدّولة العبيديّة صنّف كتاب ابتداء الدّعوة و كتاباً في فقه الشّيعة و كتباً كثيرة تدلّ على انسلاخه من الدّين يبدّل فيها معاني القرآن و يحرّفها، مات بمصر في رجب و ولي بعده ابنه. انتهى.
أقول: انظر ما في هذه العبارات التي صدرت منه من شدّة العناد للشيعة كما هو دأبه بالنسبة إلى تراجم جميع رجال الشيعة و كفاك في ذلك العبارة المذكورة في «مرآة الجنان» و من العجب كلّ العجب ما ذهب إليه صاحب «روضات الجنّات» من أنّه من أهل التسنّن، فراجع «المستدرك» تجد حقيقة الأمر. (منه عُفي عنه).
                        صلاة الجمعة، ص: 150
عنهم إلّا نادراً إنّما هو لعدم قدرته للإظهار لمكان التقيّة من الخلفاء الإسماعيليّة.
و قد سمعتُ من العلّامة الشيخ آقا بزرگ الطهراني أنّه قال: و الّذي يختلج بالبال احتمال أن يكون مراد القاضي من محمّد بن عليّ في رواياته هو محمّد بن عليّ التاسع من الأئمّة لكن لم يصرّح به لمكان التّقية، و لكن مع ذلك كلّه لم يظهر لي وجهٌ لحجّيّة أخبارها لمكان إرسالها و إن نصّ القاضي نعمان على أنّها أصّحاء كلّها لكنّك خبير بأنّ الصحّة عنده لا يمكن الاعتماد عليه في كونه صحيحاً عندنا أيضاً، فإذَن لا يمكن المعاملة معهما إلّا المعاملة مع المراسيل.
و منها: ما في «المستدرك» عن «الأشعثيّات» مسنداً عن الحسين عن أبيه عليهما السّلام قال:
 «لا يصحّ الحكم و لا الحدود و لا الجمعة إلّا بامام [1]».
لكنّك خبير بأنّ عدم دلالتها على الإمام الأصل غير خفيّ.
و منها: ما في «المستدرك» أيضاً عن «الأشعثيّات» مسنداً عن الحسين عن أبيه عليهما السّلام قال:
 «قال: العشيرة إذا كان عليهم أمير يقيم الحدود عليهم فقد وجب عليهما [عليهم‏] الجمعة و التشريق [2]».
و لابدّ من حملها على الإمام اللغويّ كما عرفتَ أو حملها على زمان الحضور، كما لابدّ من حمل الرّواية الثالثة عن «الأشعثيّات» أيضاً على ما في «المستدرك» على هذا المعنى، و هي ما في «الأشعثيّات» مسنداً عن الحسين عليه السّلام:
__________________________________________________
 [1]- مستدرك الوسائل، ج 6، ص 11، ح 6306/ 4.
 [2]- المصدر السابق، ص 13، ح 6303/ 1.
                        صلاة الجمعة، ص: 151
 «إنّ عليّاً عليه السّلام سُئل عن الإمام يهرب و لا يخلف أحداً يصلّي بالناس، كيف يصلّون الجمعة؟ قال يصلّون أربع ركعات [1]».
و يمكن حملها أيضاً على ما إذا لم يكن في الباقين من يخطب بهم.
                        كتاب الجعفريّات من الكتب المعتبرة المعوّل عليها عند الأصحاب‏

و أمّا الإشكال في سند «الأشعثيّات» ممّا لا مجال له و قد يستفاد من التتبّع في كلمات الأعلام أنّ «الجعفريّات» كانت من الكتب المعتبرة المعروفة المعوَّل عليها عند الأصحاب.
قال العلّامة قدّس سرّه في إجازته لبنى زهرة المذكورة في إجازات «البحار» صفحة 27 ما هذا لفظه:
 «و من ذلك كتاب «الجعفريّات» و هي ألف حديث بهذا الإسناد عن السيّد ضياء الدين فَضل الله بإسنادٍ واحدٍ رواه عن شيخه عبدالرحيم عن أبي شجاع صابر بن الحسين بن فضل بن مالك قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن جعفر بن حمّاد بن رائق الصيّاد بالبحرين، قال: أخبرنا بها أبو عليّ محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي عن أبي الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد عن أبيه إسماعيل عن أبيه موسى عن أبيه جعفر عليه السّلام [2]» إلى آخر ما ذكره.
و مراده من قوله بهذا الإسناد هو أحمد بن طاوُس عن السيّد صفيّ الدين محمّد بن معد عن الشيخ نصيرالدّين راشد بن إبراهيم بن إسحاق بن محمّد البحراني.
و بالجملة إنّ مَن راجع خاتمة «المستدرك» و تأمّل في الوجوه الثّمانية الّتي‏
__________________________________________________
 [1]- المصدر السابق، ح 6305/ 3.
 [2]- بحار الأنوار، ج 104، ص 133.
                        صلاة الجمعة، ص: 152
ذكرها صاحبه العلّامة النّوري في لزوم الاعتماد على هذا الكتاب يعرف أنّه من الكتب المعتبرة المنقولة بأسناد قويّة و لا بأس بالعمل بها.
و من الغريب ما صدر عن صاحب «الجواهر» في كتاب الأمر بالمعروف حيث قال:
 «و أغرب من ذلك استدلالُ من حَلَّت الوسوسة في قلبه بعد حكم أساطين المذهب بالأصل المقطوع و إجماع ابنى زهرة و إدريس اللذين قد عرفت حالهما و ببعض النُّصوص الدالّة على أنّ الحدود للإمام عليه السّلام خُصوصاً المرويّ عن كتاب «الأشعثيّات» لمحمّد بن محمّد بن الأشعث بإسناده عن الصّادق عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام «لا يصّح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة إلّا بالإمام» الضَّعيف سنداً، بل الكتاب المزبور على ما حُكي عن بعض الأفاضل ليس من الاصول المشهورة بل و لا المعتبرة و لم يحكم أحد بصحّته من أصحابنا بل لم تتواتر نسبته إلى مصنّفه بل و لم تصحّ على وجهٍ تطمئنُّ النّفس بها و لذا لم ينقل عنه الحُرّ في «الوسائل» و لا المجلسي في «البحار» مع شدّة حرصهما خُصوصاً الثّاني على كتب الحديث و من البعيد عدم عثورهما عليه و الشيخ و النجّاشي و إن ذكرا أنّ مصنِّفه من أصحاب الكتب إلّا أنّهما لم يذكرا الكتاب المزبور بعبارة تُشعِر بتعيينه، و مع ذلك فإنّ تتبّعه و تتبّع كتب الاصول يعطيان أنّه ليس جارياً على منوالها، فإنّ أكثره بخلافها و إنّما تطابق روايته في الأكثر رواية العامّة [1]» إلى آخر ما ذكره. انتهى.
                        إنّ صاحب الجواهر ليس من الماهرين المتبحّرين في فنّ الرجال‏

و لا يخفى أنّ ما ذكره مدفوع من وجوه عديدة أشار إليها العلّامة النّوري، و معلوم أنّ صاحب «الجواهر» ليس من الماهرين المتبحّرين في فنّ الرّجال و
__________________________________________________
 [1]- جواهر الكلام، ج 21، ص 398.
                        صلاة الجمعة، ص: 153
الحديث و معرفة الكتب فلا ينبغي أن يُصغَى إلى ما ذكره في تضعيف هذا الكتاب، و من العجب العجاب أنّه مع ذلك استدلّ ب «الأشعثيّات» على ما ذهب إليه في مقامنا هذا من الوجوب التخييريّ لصلاة الجمعة و أصرَّ على أنّها من مناصب الإمام و لم يعترض على «الأشعثيّات» بكلمةٍ و لم يقدَحها بوجهٍ.
و منها: ما في «الصَّحيفة السجّاديّة» في دعاء الجمعة و ثاني العيدين:
 «اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع امنائك في الدَّرجة الرفيعة الّتي اختصصتهم بها قد ابتزّوها و أنت المقدّر لذلك» إلى أن قال: «حتّى عاد صفوتك و خلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين يرون حكمك مبدّلًا» إلى أن قال: «اللهمّ العن أعداءهم من الأوّلين و الآخرين و مَن رضي بفعالهم و أشياعهم لعناً وبيلًا [1]».
و جوابه يظهر ممّا مرّ، و معلوم أنّ من صلّى مع وجود الإمام و تقدّم عليه فقد ابتزّ مقامه و صيّر حكم الله مبدّلًا و اولئك الملعونون يقيناً لأنّ الله تعالى قدّم المعصومين سلام الله عليهم أجمعين من كافّة الخلائق و مع وجودهم ليس لأحدٍ أن يتقدّم عليهم، و أين هذا من استفادة اشتراط الصلاة بوجودهم عليهم السّلام حتّى مع فقدانهم ظاهراً.
                        الإشكال في سند الصحيفة السجّاديّة إنّما ناشئ من عدم الخبرويّة بالكتب و الرّواة

و أمّا ما ربّما يجاب عن هذا الدّعاء بعدم صحّة سند «الصَّحيفة» فهو ناشئ من عدم الاطّلاع بالأحاديث و عدم الخبرويّة بالكتب و الرّواة، و ذلك لأنّ جماعة كثيرة من الأعلام يروي «الصَّحيفة» عن بهاء الشرف فيكون قائلُ «حَدَّثنا» في أوَّلها أحَدَهم لا محالة، و أمّا هؤلاء الجماعة فهُم الّذين ذكرهم الشيخ نجم الدين جعفر بن نجيب‏
__________________________________________________
 [1]- الصحيفة السجّاديّة الكاملة، ص 281.
                        صلاة الجمعة، ص: 154
الدين محمّد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلّي في إجازته المسطورة في إجازة صاحب «المعالِم» في إجازات «البحار» صفحه 108:
1- جعفر بن عليّ المشهدي 2- أبو البقاء هبة الله بن نما 3- الشيخ المقري جعفر ابن أبي الفضل بن شعرة 4- الشريف أبو القاسم بن الزّكي العلويّ 5- الشريف أبو الفتح بن الجعفريّة 6- الشيخ سالم بن قبارويه 7- الشيخ عربيّ بن مسافر [1].
و غير خفيّ أنّ كلّهم أجلّاء مشاهير و أبو الفتح المعروف بابن الجعفريّة و السيّد الشريف ضياء الدين أبو الفتح محمّد بن محمّد العلويّ الحسينيّ الحائري و قد قرأ عليه السيّد عزّالدّين أبوالحرث محمّد بن الحسن بن عليّ العلوّي الحسيني البغدادي.
و إجازة صاحب «المعالِم» مدرجةٌ في المجلّد الأخير من «البحار» و أدرج هو في إجازته إجازات ثلاث وجدها بخطّ الشَّهيد الأوّل إحديهما نجم الدّين جعفر بن نما كما ذكره في أوائل صفحة المِائة من هذا المجلّد، ثمَّ أدرجها متفرّقةً في إجازته منها الفقرة الّتي نقلناها فقد ذكرها في أواسط صفحة 108 من مجلّد الإجازات، ثمّ اعلم أنّه يروي «الصحيفة» عن بهاء الشّرف أيضاً عليّ بن السكون و عميد الرؤساء أيضاً، ففي إجازات «البحار» صفحة 44 ما هذا لفظه:
ما كان في آخر صحيفة الشيخ شمس الدّين محمّد بن عليّ الجبعيّ جدّ شيخنا البهائي قدّس الله روحهما ... إلى أن قال:
و بخطّه (أي بخطّ الجبعيّ) و على النسخة الّتي بخطّ عليّ بن السكون و خطّ عميد الرؤساء قراءةً صورتها: قرأ علَىَّ السيّد الأجلّ النّقيب الأوحد العالِم جلال الدين عماد الإسلام أبوجعفر القاسم بن الحسن بن محمّد بن الحسن بن‏
__________________________________________________
 [1]- بحار الأنوار، ج 106، ص 48.
                        صلاة الجمعة، ص: 155
معيّة أدام علوّه قراءةً صحيحة مُهَذَّبة و رويتُها له عن السيّد بهاء الشرف أبي الحسن محمّد بن الحسن بن أحمد عن رجاله المسمّين في باطن هذه الورقة و أبَحْته روايتها عنّي حسب ما وقّفته عليه و حدّدته له [1]. انتهى.
هذا و لكنّي رأيت في بعض إجازات شيخ الشّريعة الإصفهاني قدّس سرّه أنّه قال:
إنّ عميد الرؤساء يروي عن بهاء الشَّرف يقيناً و عليّ بن السكون يمكن أن يكون راوياً عنه على بُعدٍ فإنّ المَحكيّ عن نسخة ابن السكون أنّه ذكر في أوّلها أخبرنا أبو عليّ الحسن بن محمّد بن إسماعيل بن اشناس البزّاز قراءةً عليه قال: أخبرنا أبوالفضل محمّد بن عبدالله بن المطّلب الشَّيباني إلى ءآخر ما في الكتاب، فيظهر منه أنّ ابن السكون يروي عن الشَّيباني بواسطةٍ واحدةٍ و اللّازم من روايته عن بهاء الشرف أن يروي عن الشيبانيّ بثلاث وسائط. انتهى.
                        إنّ «الصحيفة» ممّا لا ريب فيه و لا يبعد دعوى تواترها

و على كلّ حالٍ فإنّ صحّة «الصحيفة» ممّا لا ريب فيه و لا يبعد دعوى تواترها أيضاً، مضافاً إلى أنّا نرويها بطريقنا عن العلّامة الشيخ آقا بزرگ الطهراني مدّ ظلّه عن مشايخه العظام بطرقهم عن الشَّهيد الأوّل بطرقه عن عميد الرؤساء أيضاً، فالخدشة في سند هذه «الصّحيفة» المباركة التي لا تنبغي أن تصدر إلّا من موضع سِرّ الله العظيم ممّا لا ينبغي الالتفات إليها.
                        الطائفة الرّابعة من الرّوايات و الجواب عنها

الطائفة الرّابعة: الرّوايات الدالّة على سقوط الجمعة لمن كان في قرية، مثل ما رواه حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال:
 «ليس على أهل القرى جمعة، و لا خروج في العيدين [2]».
__________________________________________________
 [1]- بحار الأنوار، ج 104، ص 211 و 212.
 [2]- وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 3، ج 5، ص 10، ح 4.
                        صلاة الجمعة، ص: 156
لوضوح أنّه لو كان صلاة الجمعة غير مشروطة بوجود المنصوب فاللازم أن يصلّي أهل القرى صلاة الجمعة بلا ريب كما يصلّون صلاة الجماعة في سائر الأيّام و احتمال عدم وجود إمام الجماعة فيهم ضعيف جدّاً، بل لو كانت صلاة الجمعة واجبةً تعيينيّةً لوجب عليهم تحصيل صفات أئمّة الجماعة كفايةً كسائر الواجبات الكفائيّة التي يكون أصل إيجادها في الخارج معلوماً.
و فيه أولًا: أنّا ذكرنا أنّ إمام الجمعة ليس هو مطلق إمام الجماعة، بل مع ذلك لابدّ و أن يكون خطيباً ناطقاً واعظاً عالماً بالامور خبيراً بموارد الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و إرشاد الناس إلى مصالحهم الدّنيويّة و الاخرويّة، و لا يتّفق مثل هذا الشيخ في القرى غالباً [1]، و الّذي يدلّك على ذلك صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام:
 «قال: سألته عن اناس في قرية هل يصلّون الجمعة جماعةً؟ قال: نعم يصلّون أربعاً إذا لم يكن من يخطب [2]».
لأنّ الإمام عليه السّلام صرّح فيها بأنّه يجب لأهل القرى الجمعة إذا كان فيهم من يخطب بهم، فيستفاد من ضمّ هاتين الرّوايتين أنّ سقوط الجمعة عن أهل القرى كما دلّ عليه الرّواية الاولى إنّما هو مع عدم وجود الخطيب و هذا ممّا لا
__________________________________________________
 [1]- و الظّاهر أنّ المراد بجملة (من يخطب) من كان متمكّناً من الوعظ و الإرشاد و إيراد مصالح المجتمع و أحكام الناس، لا العالِم الفقيه السّياسي المتضلّع الخبير بأخبار العالَم فإنّه قلّما يوجد هذا الفرد، فعلى هذا مقصود الإمام عليه السّلام هو وجود الفرد الّذي يتمكّن من إيراد الخطابة و هو غالباً قليل في القُرى و لكنّ إمام الجماعة كثيرٌ لعدم مدخليّة شي‏ء فيها إلّا العدالة، فتنبّه. (منه عُفي عن جرائمه)
 [2]- وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 3، ج 5، ص 10، ح 4.
                        صلاة الجمعة، ص: 157
إشكال فيه، و كذا يدلّ عليه ما في صحيحة الفضل بن عبدالملك المتقدّمة فراجع، و كذا يدلّ على وجوب الجمعة لأهل القرى تعييناً موثّقة ابن بكير قال:
 «سألت أبا عبدالله عليه السّلام عن قومٍ في قريةٍ ليس لهم من يجمع بهم، أيصلّون الظهر يوم الجمعة في جماعةٍ؟ قال: نعم إذا لم يخافوا [1]».
                        الاحتمالات الأربعة في موثّقة ابن بكير

Tidak ada komentar:

Posting Komentar