Pages

Rabu, 30 November 2011

Syiah Dalam Islam menurut Allamah Thaba'thabai

      اسم الكتاب:الشيعة فى الإسلام‏
المؤلف:سماحة العلاّمة آية الله الحاجّ السيد محمّد حُسين الطباطبائي‏
الموضوع:المعرفة الدينية
تاريخ وفاة المؤلف:1420 ه. ق‏
اللغة:عربي‏
عدد المجلدات:1
                  الشيعة فى الإسلام، ص: 9
مقدمة المترجم‏
تعريف بالكتاب‏
قد يتساءل البعض، من هم الشيعة؟ و ما هو التشيّع؟ متى وجد؟
و كيف نشأ؟.
فقال البعض، إنهم فرقة استحدثت و تشعبت من الإسلام، و قال آخرون، إنهم غلاة ليسوا بمسلمين، و ذهب جماعة إلى أنهم فرقة ضالة مضلّة، لا يربطهم بالإسلام رابط، و ما إلى ذلك من الأقوال ...
كتاب «الشّيعة في الإسلام» تحقيق جادّ في تعريف الشيعة من جميع جوانبهم، لمن لم يتعرف على الفكر الشيعي، فهو يجيب على جميع تلك التساؤلات، و يردّ على الشبهات التي طالما تمسك بها الأعداء، فجعلوها ذريعة، للحطّ من شأن الشيعة و مقامهم.
لقد عالج المؤلف هذا الهدف دون تعرّض لأهل السنّة، في حين يقف مدافعا عن أصالة الشيعة، و يبيّن علل نشوئهم، و قد حاول المؤلف أن يعرض التشيّع، و هو جانب من الإسلام الأصيل، بعيدا عن التفرقة و الانشقاق في صفوف المسلمين.
جاء الكتاب مبّسطا و بلغة يفهمها الجميع، لا يستغني عنه الشيعة ذاتهم و خاصة الشباب.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 10
لقد قسّم المؤلف‏قدّس سره‏بحثه القيّم هذا إلى ثلاثة فصول، استعرض خلالها تاريخ الشيعة و معتقداتهم و علومهم.
فبحث في الفصل الأوّل، كيفية نشوء الشيعة و انقساماتها، و موجزا عن تاريخ الشيعة الاثني عشرية. و استعرض في الفصل الثاني، الفكر الشيعي، و الطرق التي ينتهجها في الاحتجاج، من ظواهر دينية أو بحوث عقلية و تناول في الفصل الثالث، أصول الدين و فروعه من وجهة نظر الشيعة، في الله سبحانه و صفاته، و في معرفة النبي (ص) و الوحي، في المعاد، و في الإمامة، و الفرق بين النبي و الإمام. و موجز عن تاريخ الأئمة الاثني عشر، و مبحث في ظهور المهدي‏عليه السّلام-.
تعريف بالكاتب‏
ولد المؤلف العلّامة السيد محمد حسين الطباطبائي في بيت علم و فضل، في بيت له تاريخ طويل في خدمة شريعة الإسلام، و منهج الرسول و أهل بيته، إذ أن أربعة عشر من أجداد المؤلف كانوا من العلماء البارزين في مدينة تبريز الإيرانية.
ولد سنة 1321 للهجرة، فتابع دراسته الأوليّة هناك، ثم رحل إلى النجف الأشرف سنة 1344 ه، و مكث هناك، مدة لا تقل عن عشر سنوات، اكتسب خلالها مختلف العلوم الإسلامية، فدرس الفقه و الأصول، و الفلسفة و الرياضيات و الأخلاق، ثم رجع إلى موطنه سنة 1354 ه.
لم يكتف بدراسة الفقه و الأصول بشكلها المبسّط، و إنما تعمّق‏
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 11
في دراسة هذين العلمين، و تناول دراسة علم النحو و الصرف أيضا، و دراسة الأدب العربي، و تطرّق إلى دراسة علم الرياضيات القديم ك «أصول» أقليدس و «المجسطي» لبطليموس، و الفلسفة و علم الكلام و العرفان و التفسير أيضا.
ذاعت شهرته في إيران، بعد أن هاجر من مسقط رأسه إلى مدينة قم، إثر الحوادث السياسية للحرب العالمية الثانية، فأقام فيها سنة 1365 ه، و شرع بتدريس التفسير و الحكمة و المعارف الإسلامية، و لم يتوان في البحث مع المخالفين، فأرشد العديد منهم إلى طريق الحقّ و الصواب.
كان لمحاضراته في الحوزة العلمية، أثر بليغ في طلابها، بل شملت المثقفين أيضا. فكانت لقاءاته مع الأستاذ «هنري كربن» مستمرة في كل خريف، يحضرها جمع من الفضلاء و العلماء، تطرح فيها المسائل الدينية و الفلسفية، فكانت لها نتائجها المثمرة.
و من الجدير بالذكر أنّ تلك اللقاءات و المباحثات لم يكن لها نظير في العالم الإسلامي، منذ القرون الوسطى حين كان التلاقح الفكري بين المسلمين و المسيحيين.
أحيى العلّامة الطباطبائي، العلوم العقلية و تفسير القرآن، فاهتمّ بتدريس الحكمة، و شرع بتدريس كتاب «الشفاء» و «الأسفار».
كان يمتاز بدماثة الخلق، فكان عاملا رئيسيا في جذب الطلاب إلى محاضراته القيّمة، إذ كان يحضرها المئات، فنال الكثير منهم درجة الاجتهاد في الحكمة، و أصبحوا أساتذة قادرين على تدريسها.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 12
كان العلّامة يحرص على الأخلاق و تزكية النفس فضلا عن اهتمامه بالحكمة و العرفان، و يمكن القول بأنه أسّس مدرسة جديدة في التربية و علم الأخلاق، فقدم للمجتمع نماذج تتصف بأخلاق إسلامية عالية، و كان يؤكد كثيرا على ضرورة تلازم التعاليم الإسلامية مع التربية المدرسية، و يعتبرها من المسائل الأساسية في المعارف الإسلامية، إلا أنه من المؤسف لم يراع هذا الأمر في المدارس الحديثة ببلاد المسلمين.
مؤلفاته:
 (1) تفسير الميزان في (20) جزءا باللغة العربية، و ترجم إلى الفارسية و الإنكليزية.
 (2) مبادى‏ء الفلسفة و طريقة المثالية، مع شرح و هوامش للعلامة الفيلسوف الشهيد مرتضى مطهري.
 (3) شرح الأسفار لصدر الدين الشيرازي، في ستة مجلدات.
 (4) حوار مع الأستاذ «هنري كربن» في مجلدين.
 (5) رسالة في الحكومة الإسلامية، طبعت بالعربية و الفارسية و الألمانية.
 (6) حاشية الكفاية.
 (7) رسالة في القوة و الفعل.
 (8) رسالة في إثبات الذات.
 (9) رسالة في الصفات.
 (10) رسالة في الأفعال.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 13
 (11) رسالة في الوسائط.
 (12) الإنسان قبل الدنيا.
 (13) الإنسان في الدنيا.
 (14) الإنسان بعد الدنيا.
 (15) رسالة في النبوة.
 (16) رسالة في الولاية.
 (17) رسالة في المشتقات.
 (18) رسالة في البرهان.
 (19) رسالة في المغالطة.
 (20) رسالة في التحليل.
 (21) رسالة في التركيب.
 (22) رسالة في الاعتبارات.
 (23) رسالة في النبوة و المنامات.
 (24) منظومة في رسم خط النستعليق.
 (25) علي و الفلسفة الإلهية.
 (26) القرآن في الإسلام.
 (27) الشيعة في الإسلام. (هذا الكتاب).
هذا فضلا عن المقالات المتعددة التي كانت تنشر في المجلات العلمية آنذاك.
لعلّ من أهم آثار العلّامة و مؤلفاته كتابه «الميزان في تفسير القرآن» و يعتبر من التفاسير القيّمة لهذا العصر، فقد خدم هذا التفسير المجتمع الإسلامي، كما خدمت التفاسير القيّمة
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 14
القديمة المسلمين، بتناسبها و تلازمها مع العلوم و الفلسفة حينئذ، لفهم معاني القرآن في العصور السالفة.
لقد اتخذ العلّامة نهجا خاصا في تفسيره هذا، إذ يبتني على نصّ الحديث، و هو تفسير القرآن بالقرآن.
لقد قضى العلّامة عمرا في خدمة الدين الحنيف، و المجتمع الإسلامي، فكان‏و لا يزال‏منارا لروّاد الفضيلة و العلم، فقد أنار الطريق للعديد ممن قرأوا مصنفاته، و حضروا مجلسه، فمنحهم روحا علميّة خالصة و اتجاها فكريا سليما، قدس الله سره الشريف و حشره مع آبائه و أجداده محمد و آله و نفع المسلمين بآثاره و علومه.
جعفر بهاء الدين‏
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 15
مقدمة المؤلف‏
الكتاب الذي بين أيدينا «الشّيعة في الإسلام» يتحدث عن حقيقة مذهب التشيّع و ماهيته، و هو أحد المذهبين الرئيسيين الإسلاميين «الشيعي و السني».
يستعرض الكتاب، كيفية نشوء المذهب الشيعي، و أسلوب التفكير الديني لدى الشيعة، و المعارف الإسلامية من وجهة نظرهم.
الدّين: لا شك في أن أيّ إنسان يميل في حياته إلى أبناء جنسه، و لا تخلوا أعماله التي يقوم بها في بيئته، من صلة بعضها بالبعض الآخر، كالأكل و الشرب، و السكون و الحركة، و النوم و اليقظة ... في الوقت الذي تنفصل كل من هذه الأفعال و الحركات عن الأخرى، تكون مرتبطة بعضها بالبعض ارتباطا وثيقا.
على هذا الأساس، فإن الأعمال التي يقوم بها الإنسان في حياته، تتحقق في حدود نظام لا يتعداه، و تنبع من نظرة معيّنة، ألا و هي أن الإنسان يريد أن يحيا حياة سعيدة، يظفر بآماله و أمنياته.
و بعبارة أخرى، يطمح الإنسان قدر استطاعته إلى تحقيق متطلباته بصورة أكمل، و ما ذلك إلّا للحفاظ على وجوده و بقائه.
و انطلاقا من هذه النظرة، بات الإنسان ينظم أعماله وفق قوانين و أحكام وضعها بميله، أو اقتبسها من آخرين. و بالتالي نجده يتخذ أسلوبا خاصا في حياته.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 16
فهو يكدّ و يسعى من أجل تأمين متطلبات حياته، لأنه يعتبرها من الأسس و المقوّمات لها.
فهو يبادر إلى تناول الماء و الطعام، ليسدّ بهما عطشه و جوعه، لأن الأكل و الشرب، حاجتان ضروريّتان لاستمرار الحياة.
إن هذه القوانين التي تحكم حياة الإنسان، تبتني على اعتقاد أساسي، و الإنسان يعتمد عليها في بناء علاقاته، و هو تصوره عن الحياة و الكون، و الذي هو جزء منه، و تأملاته عن حقيقتها، و يتضح هذا الموضوع بالتأمل في الآراء المختلفة التي يرتئيها الناس في حقيقة العالم.
فالذين يحصرون الوجود في هذا العالم المادّي المحسوس، و يعدّون الإنسان كائنا ماديا محضا (يحيا بتدفق الحياة في جسمه، و يفنى بالموت) فإن نظرتهم هذه إلى الحياة نظرة مادية بحتة، فهم يسعون إلى تحقيق متطلباتهم الماديّة، و يبذلون في هذا السبيل قصارى جهودهم لتذليل الظروف و العوامل الطبيعية لأغراضهم و مصالحهم الخاصة.
و أما الذين يعتقدون بأن عالم الطبيعة من صنع خالق أعلى شأنا من الطبيعة، مثل عبدة الأوثان، فإنهم يذهبون إلى أن العالم مخلوق، و خاصة الإنسان، و قد أسبغ الخالق نعمه عليه، كي ينعم بخيراتها، فهم ينسقون برامج حياتهم وفقا لرضى الخالق، مبتعدين عن سخطه و غضبه، فإذا ما استطاعوا جلب رضاه، فنعمه موفورة، مغدقة عليهم، و إذا زالت النعم فدليل سخطه عليهم.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 17
و هناك من يعتقد بالله سبحانه وحده، و يرى بأن حياة الإنسان خالدة، و هو مسؤول عن أعماله خيرها و شرها، و يقرّ بيوم الجزاء (القيامة) كاليهود و النصارى و المسلمين، فهم يسلكون طريقا في حياتهم، مراعين فيه هذا الأصل الاعتقادي، كي يحصلوا على سعادة الدارين، الدنيا و الآخرة.
إن مجموع هذه المعتقدات و الأسس (الاعتقاد بحقيقة الإنسان و الكون) و ما يلازمها من أحكام، و أنظمة متناسقة، و التي تدخل في نطاق عملهم في الحياة تسمى ب «المذهب» مثل مذهب التسنن و التشيع في الإسلام، أو مذهب الملكاني و النسطوري في المسيحية.
و بناء على ما تقدم، يستحيل على الإنسان‏و إن كان منكرا لوجود الله تعالى‏أن يكون في غنى عن الدين (دستور الحياة الذي بني على أصل اعتقادي). فالدين إذن طريقة الحياة التي لا تنفك عنها.
و القرآن الكريم، يشير إلى أن الإنسان لا بدّ أن ينتهج الدين طريقا له و مسلكا، و هذا الطريق قد جعله الله تعالى لكافة البشر، و بانتهاجه يصل إلى الله جلّ و علا.
و لكن الأمر يختلف بالنسبة إلى الأفراد، فأما الذين سلكوا الدين الحقّ و هو الإسلام، فقد سلكوا طريق الصواب، و أما الذين مالوا عن هذا الطريق، فقد ضلوا ضلالا مبينا [1].
__________________________________________________
 [1] «أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً» الآية 44، سورة الأعراف.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 18
الإسلام: الإسلام لغة، هو الانقياد لأمر الآمر و نهيه بلا اعتراض، و قد أطلق القرآن الكريم، كلمة الإسلام على هذه الدعوة، و إطاره العام هو تسليم الإنسان أمام ربّ العالمين [1]. و ألا يعبد إلا الله الواحد الأحد، و ألّا يتبع إلّا أوامره.
و القرآن الكريم يخبرنا أن إبراهيم الخليل‏عليه السلام‏هو أوّل من سمّى هذا الدين بالإسلام، و متبعيه بالمسلمين [2].
الشيعة: يراد بها الأتباع، و تطلق على الذين يرون أن الخلافة بعد النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم منحصرة في أهل بيته. و المراد منها في المعارف الإسلامية، التابعون لأهل البيت‏عليهم السلام [3]-.
__________________________________________________
 [1] «وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً» الآية 125، سورة النساء. «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى‏ كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» الآية 64، سورة آل عمران. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً» الآية 208، سورة البقرة.
 [2] «رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ» الآية 128، سورة البقرة.
 «مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ» الآية 78، سورة الحج.
 [3] تطلق كلمة الشيعة على طائفة من الزيدية، التي تقرّ بخلافة الخليفتين الأول و الثاني، قبل الإمام علي عليه السّلام، و تتبع فقه أبي حنيفة في الفروع، و السبب في هذه التسمية، هو أنهم كانوا يسرون الخلافة لعلي عليه السّلام و أولاده، قبال خلافة بني أميّة و بني العباس.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 19
الفصل الأول: كيفية نشوء الشيعة و تطورهم‏
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 21
بداية نشوء الشيعة
يجب أن نعلم أن بداية نشوء الشيعة، و التي سميت لأول مرة بشيعة علي «أول إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)» و عرفت بهذا الاسم، كان في زمن النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم، فظهور الدعوة الإسلامية و تقدمها و انتشارها خلال ثلاث و عشرين سنة، زمن البعثة النبويّة، أدت إلى ظهور مثل هذه الطائفة بين صحابة النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم [1]:
أ- في الأيام الأولى من بعثته صلى اللّه عليه و آله و سلم أمر الرسول بنص من القرآن الكريم، وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [2]، و صرّح في جمعهم أن أوّل من يبايعني على هذا الأمر سيكون خليفتي و وصيي من بعدي، فكان علي عليه السّلام أول من تقدم، و قبل الإسلام، و النبي قبل إيمانه،
__________________________________________________
 [1] أول اسم ظهر في زمن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، اسم الشيعة، و اشتهر كل من سلمان و أبو ذر و المقداد و عمّار بهذا اللقب. حاضر العالم الإسلامي 1: 188.
 [2] سورة الشعراء الآية 214.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 22
و تعهّد بكلّ ما وعده به [1]، و يستحيل عادة على قائد نهضة، و في أيامها الأولى أن يعيّن أحد أصحابه وزيرا و خليفة له على الآخرين، و لا يعرّفه للخلّص من أصحابه و أعوانه، أو أن يكتفي بهذا الامتياز ليعرفه و ليعرّفه، و لا يطلعه على مهمته طوال حياته و دعوته أو أن يجعله بعيدا عن مسؤوليات الوزارة و الخلافةبغضّ النظر عن مقام الخلافةو ما يجب أن يبدي لها من احترام و تقدير، و لا يفرّق بينه و بين الآخرين.
ب- إن النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم وفقا للروايات المستفيضة و المتواترة عن طريق أهل السنة و الشيعة، و التي يصرّح فيها أن عليا عليه السلام مصون من الخطأ و المعصية في أقواله و أفعاله [2]، و كل ما يقوم به فهو مطابق للدعوة و للرسالة، و هو أعلم الناس بالعلوم الإسلامية و شريعة السماء [3].
__________________________________________________
 [1] جاء في الحديث عن علي عليه السّلام: و قلت: و لأني لأحدثهم سنا، أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي و وصيّ و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و أطيعوا، قال فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع. تاريخ اليعقوبي ج 2: 63- تاريخ أبي الفداء ج 1: 166- البداية و النهاية ج 3:
39- غاية المرام 320.
 [2] عن أم سلمة قالت: لقد سمعت رسول الله (ص) يقول: عليّ مع الحق و القرآن، و الحق و القرآن مع عليّ، و لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. و نقل هذا الحديث، عن 15 طريقا من العامة و 11 طريقا من الخاصة و رواته أم سلمة، و ابن عباس، و أبو بكر، و عائشة، و عليّ، و أبو سعيد الخدري، و أبو ليلى، و أبو أيوب الأنصاري. غاية المرام 539- 540. قال رسول الله (ص): رحم الله عليا دار الحق معه حيث دار. البداية و النهاية ج 7: 360.
 [3] عن علقمة قال: كنت عند رسول الله (ص)، فسئل عن عليّ فقال: قسمت الجنة عشرة أجزاء، أعطى عليّ تسعة و الناس جزءا واحدا.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 23
ج- قام الإمام علي عليه السّلام بخدمات جمة للرسالة و تضحيات مدهشة [1]، كمنامه في فراش النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم ليلة الهجرة. فلو لم يكن الإمام علي عليه السّلام مشاركا في إحدى غزوات بدر و أحد و الخندق و خيبر، لما حقق الإسلام و لا المسلمون انتصاراتهم المظفرة. و لكان القتل و الفشل حليفهم [2].
د- موضوع غدير خم، و الذي أعلن فيه النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم الولاية العامة لعلي عليه السّلام فجعل لعلي على المسلمين ما كان له صلى اللّه عليه و آله و سلم عليهم [3].
من الطبيعي، أن هذه الخصائص و الفضائل التي انفرد بها الإمام علي عليه السّلام، و التي هي مورد اتفاق الجميع [4]. و المودّة الخاصة [5]، التي كان يبديها النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم. جعلت له مؤيدين و محبّين مخلصين، من صحابة النبي و أنصاره، كما أثارت لدى البعض الآخر الحقد و الحسد.
__________________________________________________
 [1] عندما قرر كفار مكة قتل محمد (ص) و حاصروا بيته، صمّم النبي (ص) أن يهاجر إلى المدينة، فقال لعلي: هل أنت مستعد أن تبيت في فراشي حتى يظنوا بأنني نائم، فأكن في مأمن منهم، وافق علي (ع) على الاقتراح بكل سرور.
 [2] راجع كتب التاريخ و الحديث.
 [3] حديث لغدير من الأحاديث المتفق عليه سنة و شيعة، و قد نقل هذا الحديث أكثر من مائة صحابي بأسانيد و عبارات مختلفة، و هي مدونة في كتب العامة و الخاصة، لمزيد من التفصيل يراجع كتاب غاية المرام صفحة 79 و كتاب العبقات مجلد الغدير. و كذا كتاب الغدير.
 [4] تاريخ اليعقوبي طبع النجف الأشرف، المجلد الثاني صفحة 137- 140/ تاريخ أبي الفداء المجلد الأول ص 156/ صحيح البخاري ج 4: 107/ مروج المذهب ج 2: 437 ابن أبي الحديد ج 1: 127 و 161.
 [5] صحيح مسلم ج 5: 176/ صحيح البخاري ج 4: 207/ مروج الذهب ج 2: 437/ تاريخ أبي الفداء ج 1: 127 و 181.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 24
و فضلا عن هذا كلّه، فإن كلمة «شيعة علي» و «شيعة أهل البيت» قد جاءت في كثير من أقوال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم [1].
سبب انفصال الأقليّة الشيعية عن أكثرية السّنة، و ظهور الاختلافات‏
كان شيعة علي عليه السّلام و أصحابه يعتقدون اعتقادا راسخا أن الخلافة ستكون لعلي عليه السّلام بعد وفاة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و ذلك لما كان يتسم به عليه السّلام من مقام و منزلة لدى الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و الصحابة و المسلمين، و ظواهر الأمور و الحوادث تؤيد ذلك، باستثناء ما حدث في أيام مرضه الأخير صلى اللّه عليه و آله و سلم [2].
__________________________________________________
 [1] عن جابر بن عبد الله قال، كنا عند النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، فأقبل علي بن أبي طالب، فقال النبي قد أتاكم أخي، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال و الذي نفسي بيده، إن هذا و شيعته لهم الفائزون يوم القيامة.
عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» قال النبي: هم أنت و شيعتك تأتي أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيين. و قد ورد هذان الحديثان و أحاديث أخرى في كتاب الدرّ المنثور ج 1: 379 و غاية المرام صفحة 326.
 [2] لما مرض رسول الله (ص؛ مرض الموت، دعا أسامة بن زيد بن حارثة، فقال: سر إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على هذا الجيش و إن ظفرك الله بالعدوّ، فاقلل اللبث، و بثّ العيون و قدم الطلائع، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين و الأنصار إلّا كان في ذلك الجيش، منهم أبو بكر و عمر، فتكلم قوم و قالوا: يستعمل هذا الغلام على جلّة المهاجرين و الأنصار، فغضب رسول الله (ص) لما سمع ذلك و خرج عاصبا رأسه، فصعد المنبر و عليه قطيفة، فقال: أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة، لئن طعنتم في تأميري أسامة، فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، و ايم الله إن كان لخليفا بالإمارة، و ابنه من بعده لخليق بها و إنهما لمن أحبّ الناس إليّ، فاستوصوا خيرا ... شرح ابن أبي الحديد ج 1: 159.
قال رسول الله (ص) لما حضرته الوفاة: «ائتوني باللوح و الدواة، أو بالكتف و الدواة، أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده» فقالوا: «إن رسول الله ليهجر».-
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 25
و لكن الذي حدث هو غير ما كانوا يتوقعونه، ففي الوقت الذي التحق النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بالرفيق الأعلى، و لم يغسل جسده الطاهر، و لم يدفن بعد، و حينما كان أهل البيت و عدد من الصحابة منصرفين إلى العزاء، و إجراء المقدمات اللازمة له، إذ وصلهم نبأ انصراف جماعة قليلة لتعيين الخليفة بعد الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم، و هذه القلة التي غلبت الكثرة، قد بادرت بهذا الأمر عجالة، دون استشارة أهل البيت، و أقرباء النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و عشيرته و صحابته الذين وجدوا أنفسهم أمام أمر واقع [1]، و بعد أن فرغ الإمام علي عليه السّلام، و من معه من الصحابة (كابن عباس و الزبير و سلمان و أبي ذر و المقداد و عمّار) من دفن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أعلموا بالذي حدث، فرفعوا علم المعارضة، و انتقدوا القائمين بهذا الأمر، و أبدوا اعتراضهم للخلافة الانتخابية، بإقامتهم جلسات متعددة، و الجواب الذي سمعوه هو أن صلاح المسلمين كان في الذي حدث [2].
فهذا الانتقاد و الاعتراض أدّى إلى انفصال الأقلية عن الأكثريّة، و اشتهر أصحاب الإمام علي عليه السّلام باسم «شيعة علي»! فالقائمون‏
__________________________________________________
- تاريخ الطبري ج 2: 436/ صحيح البخاري ج 3/ صحيح مسلم ج 5.
البداية و النهاية ج 5: 227/ ابن أبي الحديد ج 1: 133.
و قد تكررت مثل هذه الحادثة في مرض موت الخليفة الأول، و قد أوصى بخلافة عمر، و أغمي عليه في أثناء وصيته، فلم يعترض عمر على الأمر، و ثم ينسب إليه الهذيان، في حين أنه أغمي عليه في أثناء الوصية، علما بأن النبي (ص) معصوم، و لم يفقد و عيه حتى آخر لحظة من لحظات حياته. روضة الصفا ج 2: 260.
 [1] شرح ابن أبي الحديد ج 1: 58 و 123- 135- تاريخ اليعقوبي ج 2: 102- تاريخ الطبري ج 2: 445- 460.
 [2] تاريخ اليعقوبي ج 2: 10- 106/ تاريخ أبي الفداء ج 1: 156 و 166.
مروج الذهب ج 2: 307 و 352/ ابن أبي الحديد ج 1: 17 و 134.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 26
بأمور الخلافة، كانوا يسعون‏وفقا للسياسة آنذاك‏ألّا يشتهر هؤلاء الأقلية بهذا الاسم، و ألّا ينقسم المجتمع إلى أقلية و أكثرية، فكانوا يعتبرون الخلافة إجماعا، و يطلق على المعارض لها، متخلفا عن البيعة، و متخلفا عن جماعة المسلمين، و أحيانا كان يوصف بصفات بذيئة أخرى [1].
و في الحقيقة، أن الشيعة قد حكم عليها بالتخلف عن الجماعة منذ الأيام الأولى، و لم تستطع أن تكسب شيئا منذ أن أبدت معارضتها، و الإمام علي عليه السّلام لم يعلنها ثورة و حربا، رعاية لمصلحة الإسلام و المسلمين، و لفقدانه للأنصار بالقدر المطلوب، إلا أن هؤلاء المعارضين لم يستسلموا للأكثرية من حيث العقيدة، و كانوا يرون أن الخلافة و المرجعية العلمية هي حق مطلق للإمام علي عليه السّلام [2] فكان رجوعهم في القضايا العلمية و المعنوية إليه وحده، و كانوا يدعون إلى هذا الأمر [3].
__________________________________________________
 [1] قال عمر بن حريث لسعد بن زيد ... قال: فخالف عليه أحد؟ قال: لا، إلّا مرتد أو من قد كاد أن يرتدّ. تاريخ الطبري ج 2: 447.
 [2] قال رسول الله صلى اللّه عليه و آله و سلم: إني قد تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، إلا أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. و قد روى هذا الحديث أكثر من 100 طريق عن 35 شخصا من صحابة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه و آله و سلم. يراجع العبقات مجلد الثقلين‏غاية المرام صفحة 211.
قال رسول الله صلى اللّه عليه و آله و سلم: أنا مدينة العلم و عليّ بابها، فمن أراد العلم فليأتها من قبل بابها.
البداية و النهاية ج 7: 359.
 [3] تاريخ اليعقوبي ج 2: 105- 150.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 27
موضوعا الخلافة و المرجعيّة العلميّة
كان الشيعة يعتقدون أن ما يهمّ المجتمع أولا و قبل كل شي‏ء هو تبيان و توضيح التعاليم الإسلامية [1]. و من ثم نشرها في المجتمع، و بعبارة أخرى هي نظرة المجتمع إلى العالم و الإنسان نظرة واقعية، و الوقوف على الواجبات و الوظائف الإنسانية (بالشكل الذي يكون فيه الصلاح الحقيقي) و القيام بها، و إن كانت مخالفة لإهوائهم و ميولهم.
هذا من جهة و من جهة أخرى فإن قيام حكومة دينية ليس إلا لتنفيذ الأحكام الإسلامية في المجتمع، و الحفاظ عليها، بحيث لا يعبد الناس إلا الله جلّ و علا. و أن يحظوا بحرّية تامة و عدالة فردية و اجتماعية، و هاتان المهمتان يجب أن تناطا إلى شخص يتسم بالعصمة و الرعاية الإلهية، إذ من المحتمل أن يتعهد هذه المسئولية أناس لم يسلموا من الانحراف الفكري و العقائدي، و لم ينزّهوا من الخيانة. و تتحول العدالة التي تمنح الحرية الإسلامية إلى ملوكية موروثة مستبدة، كملوكية كسرى و قيصر، و تتعرض التعاليم الإسلامية المنزهة إلى تحريف، كتعاليم الأديان السماوية الأخرى، و لا تكون بمأمن من العلماء الذين قد ركبوا أهواءهم.
فالشخص الوحيد الذي قد نهج نهج الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم في أعماله‏
__________________________________________________
 [1] كتاب الله و السنة النبوية و أئمة أهل البيت‏عليهم السلام‏خير دليل على تحريضهم لاكتساب العلم و قول النبي (ص) خير شاهد إذ يقول: «طلب العلم فريضة على كل مسلم) البحار ج 1: 55.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 28
و أفعاله، و كان سديدا في سيرته، متبعا لكتاب الله تعالى و سنة نبيه صلى اللّه عليه و آله و سلم اتباعا كاملا هو الإمام علي عليه السّلام [1].
و إذا كانوا يحتجون بأن قريشا كانت تعارض حكومة علي عليه السّلام الحقة و خلافته، كان لزاما عليهم أن يوجّهوا المخالفين التوجيه الحسن، و أن يرشدوهم إلى طريق الحقّ و الصواب، كما فعلوا مع ممتنعي الزكاة، فحاربوهم، و لم يتوانوا عن أخذ الزكاة منهم، لا أن يدحضوا الحقّ خوفا من مخالفة قريش.
نعم، ان السبب الذي دفع الشيعة لمعارضة الخلافة الانتخابية، هو الخوف من عواقبها الوخيمة ألا و هي فساد و سقم الطريقة التي ستتخذها الحكومة الإسلامية، و ما يلازمها من انهدام الأسس العالية للدين. و قد أوضحت الحوادث المتتالية صحة هذه العقيدة بمرور الزمان و الأيام، أكثر فأكثر، مما أدّى بالشيعة إلى أن تكون ثابتة في عقيدتها، مؤمنة بأهدافها. علما بأنها كانت أقلية. إلا أن هذه الأقلية قد ذابت في الأكثرية ظاهرا، و لكنها بقيت تستلهم التعاليم الإسلامية من أهل البيت باطنا، و كانت متفانية في نهجها و طريقها. و في الوقت ذاته كانت تسعى في التقدم و الرقيّ، و الحفاظ على قدرة الإسلام و عظمته، فلم تبد مخالفتها علنا و جهارا. و كانت الشيعة تذهب إلى الجهاد سيرا مع الأكثرية، و لا تتدخل في الأمور العامة، و كان الإمام علي عليه السّلام يرشد الأكثرية لما فيه نفع الإسلام [2]، و مصلحة المسلمين.
__________________________________________________
 [1] البداية و النهاية ج 7: 360.
 [2] تاريخ اليعقوبي صفحة 111 و 126 و 129.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 29
الطريقة السياسية للخلافة الانتخابية، و مخالفتها للفكر الشيعي‏
كان الشيعة يعتقدون أن شريعة الإسلام السماوية التي تعيّنت مضامينها في كتاب الله و سنة نبيه صلى اللّه عليه و آله و سلم ستبقى خالدة إلى يوم القيامة دون أن يصيبها تغيير أو تحريف [1].
و الحكومة الإسلامية لا يحقّ لها بأيّ عذر أن تتهاون في إجراء الأحكام إجراء كاملا. فواجب الحكومة الإسلامية هو أن تتخذ الشورى في نطاق الشريعة و وفقا للمصلحة، و لكن ما حدث من واقعة البيعة السياسية، و كذا حادثة الدواة و القرطاس، و الذي حدث في أخريات أيام مرض النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم لدليل واضح على أن المدافعين عن الخلافة الانتخابية كانوا يعتقدون أن كتاب الله وحده يجب أن يحفظ و يحتفظ به كقانون. أما السنة و أقوال النبي الكريم صلى اللّه عليه و آله و سلم فليس لها ذلك الاعتبار، و هم على اعتقاد أن الحكومة الإسلامية تستطيع أن تضع السنة جانبا إذا اقتضت المصلحة ذلك.
و هذه العقيدة تؤيدها روايات نقلت في خصوص الصحابة تقول بأن (الصحابة ذوو اجتهاد، فإذا ما أصابوا في اجتهادهم فإنهم مأجورون و إذا ما أخطئوا فهم معذورون)، و خير دليل على ذلك، ما حدث لخالد بن الوليد، و هو أحد القادة عند الخليفة، إذ دخل‏
__________________________________________________
 [1] قوله تعالى في كتابه العزيز: «وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ»، (سورة فصلت الآية 41، 42).
و يقول في سورة يوسف «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ» أي أن الشريعة هي شريعة الله و التي تصل إلى الناس عن طريق النبوة، إذ يقول «وَ لكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ» الأحزاب الآية 40. و هو القائل أيضا «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ» سورة المائدة الآية 44.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 30
ضيفا على أحد مشاهير المسلمين (مالك بن نويرة) ليلا. و تربّص له فقتله، و وضع رأسه في التنور و أحرقه، و في الليلة ذاتها واقع زوجة مالك، و بعد هذه الجناية التي يندى لها الجبين، لم يجر الخليفة الحدّ عليه، متذرعا بعذر: ألا و هو أن حكومته بحاجة إليه [1].
و كذا الامتناع من إعطاء الخمس لأهل البيت و أقرباء النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم [2] و منع كتابة أحاديث النبي الكريم منعا باتا، و إذا ما عثر على حديث مكتوب عند شخص كان يحرق [3] و كانت هذه السنة قائمة طوال خلافة الخلفاء الراشدين، و حتى زمن خلافة عمر بن عبد العزيز [4] الخليفة الأموي (99- 102) و قد تجلت هذه السياسة في خلافة الخليفة الثاني (13- 25) للهجرة.
إذ ألغى بعض أحكام الشريعة مثل: حج التمتع و نكاح المتعة،
__________________________________________________
 [1] تاريخ اليعقوبي ج 2: 110- تاريخ أبي الفداء ج 1: 158.
 [2] الدرّ المنثور ج 3: 186/ تاريخ اليعقوبي ج 3: 48 و فضلا عن هذا كله فإن وجوب الخمس صريح في القرآن الكريم «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى‏» سورة الأنفال، الآية 41.
 [3] جمع أبو بكر في زمن خلافته خمسمائة حديثا، تقول عائشة وجدت أبي مضطربا ذات ليلة حتى الصباح فقال لي في الصباح آتيني الأحاديث، فأحرقها جميعا.
كنز العمال ج 5: 237 كتب عمر إلى البلدان.
كنز العمال ج 5: 237. يقول محمد بن أبي بكر: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بحرقها. طبقات ابن سعد ج 5:
140.
 [4] تاريخ أبي الفداء ج 1: 151 و غيره.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 31
و ذكر (حيّ على خير العمل) [1] في الأذان، و جعل الطلاق ثلاثا نافذ الحكم، و غيرها [2]، و في زمن خلافته كان بيت المال يوزع بين الناس مع تباين [3] و الذي أدّى إلى ظهور طبقات مختلفة بين المسلمين، تثير الدهشة و القلق، و كان من نتائجها وقوع حوادث دامية مفزعة، و في زمنه كان معاوية في الشام يتمتع بسلطان لا يختلف عن سلطنة كسرى و قيصر، و قد سماه الخليفة بكسرى العرب، و لم يتعرض له بقول، و لم يردعه عن أعماله.
و بعد أن قتل الخليفة الثاني على يد غلام فارسي، و وفقا لأكثرية آراء الشورى البالغ عددهم ستة أعضاء و الذي تم تشكيله بأمر من الخليفة عيّن الخليفة الثالث، فعيّن أقرباءه الأمويين ولاة و أمراء، فجعل منهم الولاة في كلّ من الحجاز و العراق و مصر و سائر البلدان الإسلامية، فكانوا جائرين في حكمهم، عرفوا بشقاوتهم و ظلمهم و فسقهم و فجورهم، نقضوا القوانين الإسلامية الجارية. فالشكاوى كانت تنهال على دار الخلافة، و لكن الخليفة
__________________________________________________
 [1] شرع النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في حجة الوداع فعمل الحج للحجاج القادمين من مكان بعيد وفقا للآية «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ ...» بشكل خاص، فمنع ذلك عمر في زمن خلافته، و كذلك المتعة كانت قائمة في زمن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، فمنعها عمر في أيام خلافته، و أمر بإقامة الحدّ على المخالفين، و أما ذكر (حيّ على خير العمل) فكان يذكر في عهد الرسول العظيم، في أذان الصلاة، و لكن عمر في خلافته قال إن هذه العبارة تقعد الناس عن الجهاد، فأبدلها بأخرى، و كذا موضوع الطلاق فما كان على عهد الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم أن الطلاق إذا تعدد في مجلس واحد، فليس له اعتبار، و يعد طلاقا واحدا. و لكن عمر أجاز الطلاق الثلاث في مجلس واحد. فالمسائل هذه و نظائرها قد وردت في كتب الحديث و الفقه و الكلام لدى الفريقين السنة و الشيعة.
 [2] تاريخ اليعقوبي ج 2: 131/ تاريخ أبي الفداء ج 1: 160.
 [3] أسد الغابة ج 4: 386/ الإصابة، المجلد الثالث.-
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 32
الثالث كان متأثرا لما تربطه بهم من صلة القربى، و خاصة مروان بن الحكم [3] و لم يهتم بشكاوى الناس، و كان أحيانا يعاقب الشكاة [4] فثار الناس عليه سنة 35 للهجرة، و بعد محاصرة منزله، و صراع شديد قتلوه.
كان الخليفة الثالث يؤيد و إليه على الشام تأييدا مطلقا و هو أحد أقاربه الأمويين (معاوية) و كان يدعم موقفه بتأييده المستمر
__________________________________________________
 [3] تاريخ اليعقوبي ج 2: 150/ تاريخ الطبري ج 3: 197/ تاريخ أبي الفداء ج 1: 168.
 [4] ثار جماعة من أهل مصر على عثمان، فأحس عثمان بالخطر، فندم، و طلب من علي بن أبي طالب العون و المساعدة. فقال عليّ: لأهل مصر أن معارضتكم هذه لم تكن إلا لإحياء الحق، و قد ندم عثمان و تاب و هو القائل إنني تائب مما مضى، و سأنجز لهم ما طلبوه خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام، من عزل الولاة الجائرين، فكتب الإمام علي عليه السّلام معاهدة من جانب عثمان، فعاد الجمع إلى بلادهم. و في أثناء الطريق، شاهدوا غلام عثمان، و هو راكب جمل عثمان متجها إلى مصر فأساؤوا الظنّ به، ففتشوه، فوجدوا لديه رسالة من عثمان لواليه على مصر، و قد حررت فيها ما مضمونه: عند وصول عبد الرحمن بن عديس إليك. و هو أحد المعارضين لعثمان‏اجلده مائة جلدة، و احلق شعر رأسه و لحيته، و احكم عليه بالسجن لمدة مديدة، و اعمل مثل هذا مع كل من عمرو بن حمق و سودان بن حمران و عروة بن نباع.
أخذوا الرسالة من الغلام، و عادوا إلى عثمان ساخطين، فقالوا له: أنت أبطنت لنا الخيانة، فعرضت عليه الرسالة، فأنكرها عثمان، قالوا له: إن غلامك كان يحملها، أجاب، قد قام بهذا العمل دون إذن مني، قالوا له: كان راكبا جملك، قال عثمان: قد سرق جملي. قالوا له: الرسالة بخط كاتبك، أجاب، كتبت دون علمي، قالوا، فعلى أية حال، الخلافة لا تليق بك: و يجب أن تستقيل من مقامك، لأن الأمر هذا لو كان على علم منك، فإنك خائن، و إن لم يكن على علم منك، فلست جديرا بالخلافة و بهذا يثبت عدم صلاحيتك لهذه المهمة، فإما أن تتخلى عن الخلافة و تستقيل، و إما أن تعزل الولاة الظالمين، فأجاب عثمان: لو أردتم أن أكون كما تريدون، إذن فمن الخليفة و صاحب الأمر؟! أنا أم أنتم؟! فنهضوا من مجلسه ساخطين عليه.
جاءت هذه الواقعة في كتاب تاريخ الطبري المجلد الثالث في صفحة 402 و حتى 409، و وردت ملخصة هنا من قبل المؤلف. كلمة المترجم.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 33
له. و في الحقيقة كان ثقل الخلافة في الشام، و لم تكن المدينة (مركز الخلافة) إلا شكلا ظاهرا [1].
فخلافة الخليفة الأول قد استقرت بعد بيعة أكثرية الصحابة له، و الخليفة الثاني عيّن من قبل الخليفة الأول، و الخليفة الثالث انتخب من الأعضاء الستة للشورى الذين عيّنهم الخليفة الثاني.
فكانت سياسة هؤلاء الخلفاء الثلاثة في الأمور و شؤون الناس أن ينفذوا القوانين الإسلامية في المجتمع وفقا للاجتهاد و المصلحة آنذاك، و وفقا لما يرتئيه مقام الخلافة، فالقرآن يقرأ دون تفسير أو تدبّر و أقوال الرسول الأكرم العظيم صلى اللّه عليه و آله و سلم (الحديث) تروى دون أن تكتب على قرطاس، و لا تتجاوز حدّ الأذن و اللسان فكانت الكتابة مختصة بالقرآن الكريم، و الحديث لا يكتب على الإطلاق [2].
و بعد معركة اليمامة و التي انتهت في سنة 12 للهجرة بمقتل جمع من الصحابة كانوا من حفظة القرآن، اقترح عمر بن الخطاب على الخليفة الأول أن يجمع القرآن في مصحف، و يبين الهدف و الغرض من اقتراحه بقوله: إذا ما حدثت معركة أخرى، و اشترك فيها بقية حملة القرآن و حفظته، فسوف يذهب القرآن من بين أظهرنا، إذن ينبغي جمع آيات القرآن في مصحف، تكتب آياته [3]، فنفذوا هذا الاقتراح بالنسبة للقرآن الكريم.
__________________________________________________
 [1] تاريخ الطبري ج 3: 377.
 [2] صحيح البخاري ج 6: 98/ تاريخ اليعقوبي ج 2: 113.
 [3] تاريخ اليعقوبي ج 2: 111/ الطبري ج 3: 129- 132.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 34
و مع أن الأحاديث النبوية هي التالية للقرآن، و كانت تواجه نفس الخطر، و لم تكن بمأمن من خطر نقل معنى الحديث، دون الالتفات إلى النص، و كذا الزيادة و النقصان، و التحريف و النسيان، و ما إلى ذلك من الأخطار التي كان يواجهها الحديث، فلم توجه عناية أو رعاية لحفظه و صيانته، بل كانت كتابة الحديث ممنوعة، و إذا ما حصلوا على شي‏ء منه فكان يلقى في النار.
و لم تمض فترة من الزمن حتى ظهر الاختلاف في المسائل الإسلامية الضرورية كالصلاة، و لم يطرأ تقدم في بقية الفروع العلمية في هذه الفترة، في حين نرى القرآن الكريم يشجع المشتغلين بالعلم، و أحاديث النبي الكريم صلى اللّه عليه و آله و سلم تؤيد ذلك، فلم ير لتلك الآيات و الأحاديث مصداقا في الخارج، و انصرف أكثر الناس إلى الفتوحات المتعاقبة، و فرحوا بالغنائم المتزايدة، و التي كانت تتدفق إلى الجزيرة العربية من كل حدب و صوب، و لم يكن هناك اهتمام بعلوم سلالة الرسالة و معدن الوحي، و في مقدمتهم علي عليه السلام. و النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم كان قد صرح معلنا أن عليا أعرف الناس بالعلوم الإسلامية، و المفاهيم القرآنية، و لم يسمحوا له بالمشاركة في جمع القرآن (و هم على علم من أن عليا بعد وفاة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم كان جليس داره يجمع القرآن) و لم يذكر اسمه في أنديتهم و اجتماعاتهم [1].
__________________________________________________
 [1] تاريخ اليعقوبي ج 2: ابن أبي الحديد ج 1: 9.
و قد ورد في روايات كثيرة أنه أرسل على عليّ عليه السّلام بعد انعقاد البيعة لأبي بكر، و طلب منه البيعة، فأجابه بأنني عاهدت نفسي ألا أخرج من داري سوى وقت الصلاة حتى أكمل جمع القرآن، و يروى أيضا، أن عليا بايع أبا بكر بعد ستة أشهر، و هذا دليل على-
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 35
إن هذه الأمور و نظائرها، أدّت بشيعة عليّ إلى أن يقفوا موقفا أكثر وعيا و أرسخ عقيدة، و أشد نشاطا، و لما كان علي عليه السّلام بعيدا عن ذلك المقام الذي يجعله مشرفا على التربية العامة للناس، انصرف إلى تربية الخاصة من شيعته و أنصاره.
انتهاء الخلافة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و سيرته‏
بدأت خلافة علي عليه السّلام في أواخر سنة خمس و ثلاثين للهجرة، و استمرت حوالى أربع سنوات و تسعة أشهر، و كان في سيرته مماثلا لسيرة النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم [1]، أعاد معظم المسائل التي حدثت في زمن الخلفاء السابقين إلى حالتها الأولى، و عزل الولاة غير الكفوءين [2]. و في الحقيقة، أحدث انتفاضة ثورية، كانت تنطوي على مشاكل متعددة.
و الإمام علي عليه السّلام في الأيام الأولى من خلافته وقف مخاطبا الناس قائلا: «ألا و إنّ بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه صلى اللّه عليه و آله و سلم و الذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة، و لتغربلنّ غربلة و لتساطنّ سوط القدر، حتى يعود أسفلكم أعلاكم، و ليسبقنّ سابقون كانوا قصروا، و ليقصرنّ سبّاقون كانوا سبقوا» [3].
__________________________________________________
- جمعه للقرآن، و يروى أيضا أن عليا بعد انتهائه من جمع القرآن، حمل القرآن على ناقة و جاء به إلى الناس و يروى أيضا، أن معركة اليمامة كانت في السنة الثانية من خلافة أبي بكر، و بعد انتهاء المعركة جمع القرآن، كل هذه تشير إليها كتب التاريخ و الحديث التي تعرضت لموضوع جمع القرآن.
 [1] تاريخ اليعقوبي ج 2: 154.
 [2] تاريخ اليعقوبي ج 2: 155/ مروج الذهب ج 2: 364.
 [3] نهج البلاغة خطبة رقم 15.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 36
استمر الإمام علي عليه السّلام في حكومته الثورية، فرفعت أعلام المعارضة من قبل المخالفين، كما هي طبيعة الحال في كل ثورة، إذ لا بدّ من مناوئين، يرون مصالحهم في خطر، فأحدثوا حربا داخلية دامية، بحجة الأخذ بثأر دم عثمان و التي استمرت طوال خلافة الإمام علي عليه السّلام تقريبا. و يعتقد الشيعة أن المسببين لهذه الحروب لم يريدوا سوى منافعهم الخاصة، و لم يكن الثأر بدم عثمان إلا ذريعة يتمسكون بها، ليحرّضوا عوام الناس للمعارضة و النهوض ضد إمام الأمة و خليفتها، إذ أن هذه المعارضة لم تحدث عن سوء تفاهم [1].
و ما الأسباب و الدوافع التي خلقت معركة الجمل إلّا غائلة الاختلاف الطبقي، و التي وجدت في زمن الخليفة الثاني أثر توزيع الأموال من بيت المال بطرق متباينة، و بعد خلافة علي عليه السّلام كانت‏
__________________________________________________
 [1] بعد وفاة الرسول الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم امتنع جمع قليل من شيعة علي من البيعة و كان في مقدمتهم من الصحابة سلمان و أبو ذر و المقداد و عمار، و في أوائل خلافة علي عليه السّلام امتنع من البيعة جماعة، مثل سعيد بن العاص و الوليد بن عقبة و مروان بن الحكم و عمرو بن العاص و بسر بن أرطاة و سمرة بن جندب و المغيرة بن شعبة و غيرهم.
و عند دراسة حياة هذين الفريقين، و التأمل في أعمالهم طوال حياتهم، و ما احتفظ به التاريخ من قصص، يتضح جليا كنه شخصيتهم و أهدافهم، فالفريق الأول كان من أصحاب النبي الأكرم SC المقربين، و اشتهروا بزهدهم و عبادتهم و تضحيتهم للإسلام، قال رسول الله (ص): إن الله أمرني بحبّ أربعة و أخبرني أنه يحبّهم، قيل يا رسول الله من هم، قال: عليّ منهم (قال ذلك ثلاثا) و أبو ذر و سلمان و المقداد.
سنن ابن ماجه ج 1: 53.
عن عائشة قالت: قال رسول الله (ص): ما عرض على عمار أمران إلا اختار الأرشد منهما. سنن ابن ماجة ج 1: 52.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 37
الأموال توزع بين الناس بالسويّة [1]، كما كان يفعل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في حياته، و الطريقة هذه أثارت غضب «الزبير» و «طلحة» فتمردا، و خرجا من المدينة إلى مكة بحجّة الحجّ، فاتفقا مع أمّ المؤمنين (عائشة) التي كانت في مكة، و لم يكن بينها و بين عليّ صفاء و مودة، أن يطالبوا بدم عثمان، فأضرموا نار الحرب [2].
علما بأن «طلحة» و «الزبير» كانا في المدينة عندما حوصرت دار الخليفة الثالث، فلم يدافعا عنه، و لم ينصراه [3]، و بعد مقتله، كانا من الأوائل الذين بايعوا عليا أصالة عن أنفسهم و نيابة عن المهاجرين [4].
و أما أمّ المؤمنين «عائشة» فقد كانت ممن حرّضوا الناس على قتل الخليفة الثالث [5]، و عندما سمعت نبأ مقتله لأول مرة، قالت:
بعدا و سحقا، و في الحقيقة أن المسببين الأصليين لمقتل الخليفة كانوا من الصحابة، و ذلك بإرسال الرسائل إلى البلدان لغرض إثارة الناس على الخليفة.
و أما السبب الذي أحدث حرب صفين، و التي استمرت سنة و نصف السنة، فهو طمع معاوية في الخلافة، فأجّج نارها متذرعا بدم عثمان، فأريقت الدماء، و قتل ما يقارب من مائة ألف، و كان موقف معاوية من هذه الحرب موقف المهاجم، و ليس موقف المدافع، لأن الثأر لا يكون دفاعا.
__________________________________________________
 [1] مروج الذهب ج 2: 362/ نهج البلاغة، خطبة رقم 122/ اليعقوبي 2: 160. ابن أبي الحديد ج 1: 180.
 [2] اليعقوبي ج 2/ أبي الفداء ج 1: 172/ مروج الذهب ج 2: 366.
 [3] اليعقوبي ج 2: 152.
 [4] تاريخ اليعقوبي ج 2: 154/ تاريخ أبي الفداء ج 1: 171.
 [5] تاريخ اليعقوبي ج 2: 152.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 38
و كان شعار هذه الحرب، المطالبة بدم عثمان، علما بأن الخليفة الثالث قد طلب المساعدة و العون من معاوية لردّ الهجوم، و تحرك جيش معاوية من الشام متجها إلى المدينة، و لكنه تباطأ في سيره حتى قتل عثمان، و عندئذ رجع إلى الشام يطالب بدم عثمان [1].
و بعد أن استشهد الإمام علي عليه السّلام، تناسى معاوية قتلة الخليفة؛ و لم يعاقبهم. و بعد حرب «صفين» اندلعت نار حرب «النهروان» فثار جمع من الناس و فيهم بعض الصحابة بإيعاز من معاوية فثاروا على عليّ عليه السّلام، فرحلوا إلى البلدان الإسلامية، و قتلوا كل من كان يدافع عن علي عليه السّلام ففتكوا بالنساء الحوامل، مثلوا بهنّ و بأجّنتهن [2].
و الإمام علي عليه السّلام قد أخمد هذه الغائلة، و لكن بعد فترة استشهد في مسجد الكوفة أثناء الصلاة، على يد الخوارج.
ما حصل عليه الشيعة طوال خلافة الإمام عليّ عليه السّلام‏
الإمام علي عليه السّلام طوال خلافته لأربع سنوات و تسعة أشهر، و إن‏
__________________________________________________
 [1] ... فكتب إلى معاوية يسأل تعجيل القدوم عليه، فتوجه إليه في اثني عشر ألفا، ثم قال:
كونوا بمكانكم في أوائل الشام، حتى آتي أمير المؤمنين لأعرف صحة أمره، فآتى عثمان، فسأله عن المدة فقال: قد قدمت لأعرف رأيك و أعود إليهم فأجيئك بهم. و قال: لا و الله، و لكنك أردت أن أقتل فتقول: أنا وليّ الثأر، ارجع، فجئني بالناس! فرجع، فلم يعد إليه حتى قتل. تاريخ اليعقوبي ج 2: 152/ مروج الذهب ج 3: 25/ الطبري ص 402.
 [2] مروج الذهب ج 2: 415.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 39
لم يوفق لإعادة الأوضاع المضطربة إلى حالتها الطبيعية، إلا أنه قد وفق في ثلاث مسائل أساسية:
أ- استطاع أن يظهر شخصية النبي الكريم صلى اللّه عليه و آله و سلم المضيئة بسيرته العادلة للناس، و خاصة الشباب، فقد كان يواسي أفقر الناس في عيشه، أمام تلك الأبهة التي كان يتصف بها معاوية، إذ كان لا يقل عن كسرى و قيصر، فالإمام علي عليه السّلام لم يقدّم أحدا من أصدقائه و أقربائه و عشيرته على الآخرين، و لم يرجع الغني على الفقير، و لا القوي على الضعيف.
ب- مع كثرة المشاكل المنهكة للقوى، فقد استطاع أن يضع في متناول أيدي المسلمين الذخائر القيّمة من المعارف الإلهية و العلوم الإسلامية الحقّة.
و أما ما يقوله المخالفون لعلي عليه السّلام: إنه كان رجلا شجاعا، و لكن ليس له علم بالسياسة، إذ كان يستطيع في بداية خلافته أن يرضي مخالفيه مؤقتا عن طريق المداهنة، و بعد أن يستتب له الأمر كان باستطاعته أن يحاربهم و يقضي عليهم:
فهؤلاء قد غفلوا عن ملاحظة هامة و هي أن خلافة عليّ كانت نهضة ثورية، و جدير بالنهضات، الثورية، أن تكون بعيدة كل البعد عن المداهنة و الرياء، و قد حدث مثيلها في زمن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في أوائل بعثته، فطلب الكفار و المشركون منه الصلح عدة مرات و طلبوا منه ألا يتعرض لآلهتهم، و هم ملزمون بعدم التعرض لدعوته أيضا، و لكن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم رفض هذا الاقتراح، في حين أنه كان يستطيع أن يقيم معهم الصلح، و يحكم موقفه، ثم ينهض بوجه‏
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 40
أعدائه، و في الحقيقة أن الدعوة الإسلامية لن تسمح بإضاعة حق لإقامة حق آخر، أو أن تزيل باطلا بباطل آخر. و في القرآن آيات كثيرة في هذا الخصوص [1].
علما بأن أعداء علي عليه السّلام و مخالفيه، لم يرتدعوا عن القيام بأيّ جرم و جناية و نقض للقوانين الإسلامية الصريحة (دون استثناء) بغية الوصول إلى أهدافهم، فكانوا يبررون مواقفهم و أعمالهم بأنهم من صحابة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و من مجتهدي الأمة، و لكن الإمام علي عليه السّلام كان ملتزما بالأحكام الإسلامية.
و يروى عن عليّ عليه السّلام ما يقارب من إحدى عشرة ألف كلمة قصيرة في المسائل العقلية و الاجتماعية و الدينية [2] و خطبه و كلماته البليغة [3] مليئة بالمعارف الإسلامية [4]، و هو الذي أسس قواعد اللغة العربية، و وضع الأسس و المقومات للأدب العربي، و هو أول من تبحّر في الفلسفة الإلهية [5]، و تكلّم وفقا لطريقة الاستدلال الحرّ و البرهان المنطقي، و تعرّض لمسائل فلسفية لم يتعرض لها فلاسفة
__________________________________________________
 [1] شأن نزول الآية «وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا عَلى‏ آلِهَتِكُمْ» سورة ص الآية 6.
و الآية «وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا» سورة الإسرار الآية 74.
و الآية «وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ» سورة القلم الآية التاسعة، و يراجع المباحث الروائية في التفاسير.
 [2] كتاب الغرر و الدرر للآمدي، و كتب الحديث.
 [3] مروج الذهب ج 2: 431 ابن أبي الحديد ج 1: 181.
 [4] الأشباه و النظائر للسيوطي في النحو ج 2: ابن أبي الحديد ج 1: 6.
 [5] يراجع نهج البلاغة.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 41
العالم حتى ذلك الوقت، فاهتم بهذا الشأن اهتماما بالغا، حتى في أحرج ساعات الحرب [1].
ج- هذّب و ربّي العديد من رجال الدين و علماء الإسلام [2] و كان من بينهم جمع من الزهاد و أهل المعرفة مثل: «أويس القرني» و «كميل بن زياد» و «ميثم التمّار» و «رشيد الهجري» و يعتبر بعض هؤلاء من المنابع الأصيلة للعرفان من بين العرفاء الإسلاميين، و يعتبر البعض الآخر منهم من المصادر الرئيسية و الأولية لعلم الفقه و الكلام و التفسير و قراءة القرآن و غيرها.
انتقال الخلافة إلى معاوية و تحولها إلى ملكية موروثة
بعد استشهاد أمير المؤمنين علي عليه السلام، تصدّى لمنصب الإمامة الحسن بن علي عليه السّلام و ذلك وفقا لوصية الإمام علي عليه السّلام و مبايعة الناس له، و يعتبر الإمام الثاني للشيعة الاثني عشرية،
__________________________________________________
 [1] يروى أن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين! أ تقول أن الله واحد، فحمل الناس عليه و قالوا يا أعرابي أما ترى ما في أمير المؤمنين من تقسّم القلب، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم، ثم قال يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام، فوجهان منها لا يجوزان على الله عزّ و جل، و وجهان يثبتان فيه، فأما اللذان لا يجوزان عليه، فقول القائل واحد يقصد به باب الأعداد، فهذا لا يجوز لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنه كفر من قال إنه ثالث ثلاثة، و قول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع و الجنس فهذا ما لا يجوز، لأنه تشبيه و جلّ ربنا و تعالى عن ذلك، و أما الوجهان اللذان يثبتان فيه، فقول القائل هو واحد ليس له في الأشياء شبه كذلك ربنا، و قول القائل إنه عزّ و جل أحديّ المعنى يعني به أنه لا ينقسم في وجود و لا عقل و لا وهم كذلك ربنا عزّ و جلّ.
بحار الأنوار 2: 65 (كمباني).
 [2] ابن أبي الحديد ج 1: 6- 9.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 42
و لكن معاوية لم يستقر و يهدأ لهذا الأمر، فجهّز جيشه و اتّجه به إلى العراق مقرّ الخلافة، معلنا الحرب على الحسن بن علي عليه السّلام.
أفسد معاوية رأي أصحاب الحسن عليه السّلام بمختلف الطرق و الدسائس، و منح الأموال الطائلة لهم و أجبر الإمام الحسن عليه السّلام على الصلح معه، و صيّر الخلافة إليه، بشرط أن تكون للإمام الحسن عليه السّلام بعد وفاته، و ألّا يتعرض إلى شيعته [1].
استولى معاوية على الخلافة (سنة 40 للهجرة)، فاتجه إلى العراق، فخطب فيهم قائلا: «يا أهل الكوفة. أ ترونني قاتلتكم على الصلاة و الزكاة و الحج!. و قد علمت أنكم تصلون و تزكّون و تحجّون، و لكني قاتلتكم لأتأمّر عليكم و قد أتاني الله ذلك، و أنتم كارهون» [2].
و قال أيضا: «ألا أنّ كلّ دم أصيب في هذه مطلول، و كل شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين» [3].
و معاوية بكلماته هذه يشير إلى أنه يريد أن يفصل السياسة عن الدين، فهو لا يريد إلزام أحد بأحكام الدين، و إنما كان اهتمامه بالحكومة فحسب، و استحكام مقوماتها، و بديهي أن مثل هذه الحكومة ملكية و ليست خلافة و استخلافا لمنصب الرسول الكريم صلى اللّه عليه و آله و سلم. و قد حضر البعض مجلسه، فسلموا عليه بسلام‏
__________________________________________________
 [1] تاريخ اليعقوبي ج 2: 190 و سائر كتب التاريخ.
 [2] ابن أبي الحديد ج 4: 160/ الطبري ج 4: 124/ ابن الأثير. ج 3: 203.
 [3] المصادر السابقة.
                        الشيعة فى الإسلام، ص: 43
الملوك [1]، و كان يعبّر في بعض مجالسه الخاصة، عن حكومته بالملكية [2]، علما بأنه كان يعرّف نفسه بالخليفة في خطبه.
و الملكية التي تقام على القوة تتبعها الوراثة، و في النتيجة كان الأمر كما أراد و نوى، فاستخلف ابنه يزيد، و جعله خليفة له من بعده، و كان شابا لا يتّصف بشخصية دينية، إذ قام بأعمال و جرائم يندى لها الجبين [3].
و معاوية لم يكن يرغب في أن يصل الإمام الحسن عليه السّلام إلى الخلافة من بعده، فدسّ له السم [4] و بهذا الأمر، مهّد السبيل إلى استخلاف ابنه يزيد. و كان يهدف من إلغائه معاهدة الصلح، إلى اضطهاد الشيعة، و عدم السماح لهم بالحياة المطمئنة، أو أن يستمروا كما في السابق في نشاطهم الديني، و لقد وفّق في هذا المضمار أيضا [5].
و صرح معاوية في خصوص مناقب أهل البيت، بأن كل ناقل لحديث في هذا الشأن لن يكون بمأمن على حياته و ماله و عرضه [6]،
__________________________________________________
 [1] تاريخ اليعقوبي ج 2: 193.
 [2] تاريخ اليعقوبي ج 2: 201.
 [3] كان يزيد صاحب طرب و جوار و كلاب و قرود و منادمة على الشراب و كان له قرد يكنّى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته و يطرح له متكأ، فجاء في بعض الأيام مسابقا فتناول القصبة و دخل الحجرة قبل الخيل و على أبي قيس قباء من الحرير الأحمر ...
مروج الذهب ج 3: 67.
 [4] مروج الذهب ج 3: 5/ أبي الفداء ج 1: 183.
 [5] النصائح الكافية ص 72 نقلا عن كتاب الأحداث.
 [6] روى أبو الحسن المدائني في كتاب الأحداث قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة جاء فيها: أنه برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب و أهل بيته. كتاب النصائح الكافية تأليف محمد بن عقيل طبع النجف سنة 1386 ه. ص 77، و أيضا النصائح الكافية ص 194.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar