Pages

Selasa, 18 Oktober 2011

Allamah Thaba'thabai "Shalat Jumat.. 1-88

                        صلاة الجمعة، ص: 13
                        المقدِّمة

                        بسم الله الرّحمن الرّحيم‏

                        الحمد للّه ربّ العالمين‏

                        و الصلاة على خير خلقه و أشرف رسله محمّد صلّى الله عليه وآله و سلّم‏

                        و على أهل بيته و عترته المطهّرين المعصومين‏

                        الّذين أذهب الله عنهم الرّجس أهل البيت و طهّرهم تطهيراً

قال الله تعالى في كتابه:
يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون [1]
لا يخفى أنّ صلاة الجمعة هي إحدى الفرائض المتسالم عليها بشكل قطعي في الشريعة الإسلامية، كسائر الصلوات المفروضة و الفرائض المشرّعة، حيث شرِّعت قبل وفود النَّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم إلى المدينة بفترة يسيرة، و قد أقامها صلى الله عليه وآله بنفسه في أوّل جمعة بعد حلوله في المدينة. و هكذا بقيت سنة مستَمرة و فريضة مُقامةً بعد النَّبي على عهد الحكومات المتوالية طيلة الأعوام و القرون في كافة البقاع و البلدان،
__________________________________________________
 [1]- سورة الجمعة (62) الآية 9.
                        صلاة الجمعة، ص: 14
سواء في ذلك الجائرة منها أو الإسلامية المحقة.
و ممّا يثير العجب و الأسف الشّديد، أنَّ إخواننا من العامة ملتزمون بإقامة هذه الفريضة المؤكدة أشدّ الالتزام و في جميع الأحوال، بينما نرى قاطبة الشيعة المدّعين لاتّباع سنة الرّسول الأعظم وخلفائه المعصومين عليهم السّلام، قد تركنا هذه الفريضة العظمى و أهملناها، و انشغلنا بالبحث عن وجوبها و جوازها و حرمتها و إباحتها، بحيث يخال للباحث الفاحص أنّه لم يرد أمرٌ من الشّارع بوجوبها و الالتزام بإقامتها! مع ما فيها من الآثار الثمينة و البركات العميمة و النتائج القيّمة. كما و هناك أسبابٌ أخرى أدّت إلى إهمالها و عدم الاعتناء بها، و العمدة في فيها نفس الأدلة التي ذكرت في أدراج هذه المسألة؛ فنلاحظ أنّ في بعضها اضطراب في الدّلالة أو ضعف في السّند سواء بالإرسال أم غيره، وهو ما يتضّح بأدنى نظرة عابرة على الكتب التي بحثت المسألة.
فمن جملة هذه الأدلة: التمسّك بعدم قيام الأئمّة عليهم السّلام بهذه الفريضة، حتّى مع الخواصّ من أصحابهم، إلا في بعض أزمنة التّصدّي للرئاسة العامة.
و من جملتها: إجماع الفرقة على عدم الوجوب التعيينى في غير زمان الحجة عليه السلام.
و منها: مخالفة نفس هذه الفريضة و منافاة ماهيّتها للإجراءات السّياسية و المناهج الحكومية مطلقاً.
و منها: السّيرة المستمرة من زمن النّبي إلى آخر زمن الخلفاء في نصب إمام الجمعة و عدم الرّدع من ناحية الأئمة عليهم السّلام لذلك. و كذلك عدم عدّها مخالفة للسّيرة المحقة في الكتب المدوّنة والمعمول بها.
و لهذا نلحظ أنّ الكتب التي بحثت المسألة قد منيت بنوع من التّشتّت في الفتوى و التّردّد في الحكم؛ فبين قائلٍ‏
                        صلاة الجمعة، ص: 15
بالوجوب العيني و التّعييني مطلقاً في كلّ زمان و مكان، أو رافضٍ للتّعيين و حاكمٍ بالتّخيير حتّى في زمن الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم، أو مُفتٍ بالوجوب في زمنه و التّخيير في غيره، أو مُرجِّح لها على صلاة الظهر في عصر الغيبة، أو محرِّمٍ لها مانع عنها بدون الإذن من قِبَل الإمام عليه السّلام، معتقداً أنّها حينئذ بدعة.
والّذي يقتضيه التأمّل في الأدلة و التّدقيق فيها هو أنّ إطلاق الحكم بعدم الوجوب التعييني بجميع أنحائه غير تام، وذلك كما سننبّه عليه في تعاليقنا على هذه الرسالة المنيفة، حيث سيتبيّن لك أنّ صلاة الجمعة مشرّعةٌ تماما كسائر الصلوات المكتوبة و المفروضة و الواجبة عقداً و اجتماعاً، فلا فرق بينها و بين صلاة الظهر التي نقوم بها في سائر الأيّام على الإطلاق، بل هي أشدّ ملاكاً و ضرورة، و أكثر تأكيداً و أبرم خطوة كما سترى عن قريب في مطاوي الرّوايات إن شاء الله تعالى.
و لعلّه بل من المتيقّن أنّ لهذه الفريضة تأثيراً إيجابيّاً راسخاً على حياة المجتمع و نظام الامة، و النهوض بنظم الأمة وتحوّله إلى منهج عام مفروض على الناس من قبل السّلطات الحكومية، سواء كانت هذه الحكومات محقة أم باطلًا، كحكومات خلفاءالجور من بني امية و بني مروان و بني العبّاس و غيرهم.
و لهذا كان العلامة الوالد قدّس سرّه يصرّ على السيّد القائد آية الله الخميني- رحمه الله تعالى- أن يقيم صلاة الجمعة بنفسه في بلدة قم، و طلب منه موعدا ليقدّم له هذا الاقتراح و يوضح له هذا المطلب و يتباحث معه ويقنعه به، و لكن من المؤسف أنّه أثناء البحث تغيّرت الأحوال و دخلت فجأة زوجة بعض المصابين [1]، و لم يتمكّن السيّد الوالد- رضوان الله عليه-
__________________________________________________
 [1]- هو الشهيد السعيد العسكري ولي الله القرني، و هو من المشاركين مع السّيد الوالد في أحداث أوائل الثّورة الإسلامية قبل انعزاله و افتراقه، و هو الذى كان أحد الرّجال الثّلاثة في مجلس التحليف و الآخرين هما السيّد الوالد و آية الله السيّد محمّد هادي الميلاني قدّس الله أسرارهم جميعاً.
                        صلاة الجمعة، ص: 16
من استمرار المباحثة و الكلام و إقناع السيّد الخميني، و خرج الوالد من البيت مهموماً مغموماً غارقاً في التفكير والتأمّل. و قال السيّد الوالد للسيّد الخميني: يلزم عليكم القيام بإقامة صلاة الجمعة بشكل مباشر، و ذلك لعدّة امور:
أوّلًا: إنّ هذا الاجتماع العام كان سنة في الإسلام من زمن النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم، وقد بقيت هذه السنة مستمرة إلى زمن الخلفاء، ولم تترك هذه الفريضة سواء كان المتصدي لزمام الأمور هو النّبي أو الإمام عليه السّلام، أو سائر خلفاء الجور و الظّلم. و الحاكم حالياً في المسلمين هو أنتم، و لا ينبغي أن تعدلوا عن هذه السنة و تفوّضوها إلى غيركم بل ربّما يُعَدّ إهانة أو استخفافاً و عدم اعتناء بها.
ثانياً: إنّ إقامة الصلاة بشكل مباشر منكم يوجب تشويق الشعب والأمة كلّها حتى أقصى نقاط البلد الإسلامى، فإذا رأوا أنّ زعيمهم يصلّى بنفسه في مدينته، سيكون ذلك حافزاً لهم للحضور والمشاركة في منطقتهم وبلدتهم، و هو الأقرب إلى المقصود و تحقيق الغاية المرجوة، كذلك سيكون محرّكاً لأئمة الجماعات في سائر البلاد، فيرون أنفسهم في خطّ واحد مع قائدهم وزعيمهم، وأنّهم جميعاً على نسق واحد في رعايتهم للتكاليف وانصياعهم لها و القيام بالواجب، و هو ما يسدّ منافذ الشّيطان إلى القلوب في هذه المجالات و الظروف، بل كذلك الأمر بالنسبة إليه، لأنّه يرى نفسه في حدّ سواء مع سائر أئمة صلاة الجمعة كما هو الواقع في نفس الأمر عند الله تعالى، فلا تمايز بينهم إلا بحسب التكليف و أداء الوظيفة، كلّ بحسبه.
ثالثاً: إنّ نفس حضور الرئيس في صلاة الجمعة حتى و إن لم يكن هو الإمام بل يكون مأموماً، فهو عند الله أقرب إلى العبودية و أبعد عن الاستقلال و التّفرّد، و كلّنا سائرون نحو هذه الجهة أعني تحقّق العبودية و رفض الأنانية، و بهذا تكون الرّوحانية و الصفاء أكثر و أشدّ، و يكون نزول الملائكة و البركات من قِبَل الله تعالى أقوى و أوفى.
                        صلاة الجمعة، ص: 17
ولكنّ السّيد الزعيم مع ذلك كلّه لم يقبل أن يتصدّى بنفسه لهذه المسؤولية و لم يتمّ البحث للجهة المذكورة.
و لكنّنا كنّا نرى في وجه السيد الوالد ارتياحاً و نشاطاً و شوقاً للحضور في صلاة الجمعة و كان ينتظر من جمعة إلى جمعة حضور وقتها و كان يوصي بشدّة و بكلّ تأكيد تلامذته و مقلّديه للحضور فيها و لم نر منه- رضوان الله عليه- مرّة واحدة أنْ ترك الصلاة بدون علة مانعة حتّى في وسط الشتاء و تراكم الثلوج، أو أواسط الصّيف و ألم الحرارة و شدة الازدحام. و كان مقلّدوه يعدّون صلاة الجمعة من أهمّ الواجبات و ألزمها شرعاً و سلوكاً، و لم أر أحداً من العلماء و أئمة الجماعات أنّه كان يعتني بهذه المسألة كاعتنائه و اهتمامه بها روحي له الفداء، فكان ذلك ناشئاً عن ينبوع علم و حكمة و بصيرة لم تكن لدى غيره، و هو الإشراف الربّاني و الاتصال بعالم الملكوت و مقام الشرع و التنزيل و الاطّلاع على المباني و الملاكات النفس الأمرية، و الارتواء من صقع حضيرة القدس و عالم المشيئة و الإرادة الإلهية، و هذا هو المقصود من العالِم بالله و بأمر الله في محاورات أهل المعرف والعرفان.
و نرى أنّ أئمة الجمعة في البلاد الإسلامية كلّهم مُنَصَّبون من قبل إدارة الأوقاف و الشّؤون الدّينية، فهي المركز الوحيد لوضع البرامج و الخطب التي تلقى على مسامع المخاطبين، فدائرة الأوقاف هي المركز المسؤول عن تنظيم الخطة المعدة من قبل السياسيّين و زعماء الدّولة، و بثها على الأفكار و زرعها في النّفوس كل ذلك حسبما يرونه من الصّلاح لبقاءحكومتهم و سيطرتهم على النفوس و الأعراض، و لا يجوز في هذا المجال تخلّف إمام الجماعة عن البرنامج المكلّف به حتى ولو بمثقال ذرة مطلقاً، فليس من حقّه أن يلقي ما يراه من الصلاح للأمة إن كان مخالفاً لسيرة و منهج الحكومة. و بمجرد تخلّفه عن المنهج الدستوري، نرى أنّهم‏
                        صلاة الجمعة، ص: 18
يبادرون في عزله فوراً و يطردونه، و يجْرون عليه العقوبات السيّئة من السجن و التعزير و التبعيد و ما إلى ذلك ....
و من البديهي أنّ الأئمة عليهم السّلام لم يكونوا قادرين على إقامة الصلاة و نصب الأئمة في البلاد في تلك الظروف و الأزمنة أبداً، فهل يكون ذلك حينئذ إلا إعلاناً عن القيام في وجه الحكومة و تحرّكاً فعليا في خطّ المواجهة، و إشعال نيران الثورة و تحريك الشعب و الهجوم عليها؟
                        سبب منع الأئمة عليهم السلام إقامة الصلاة بشكل عامّ‏

و هذا هو السبب في منعهم عليهم السلام إقامة الصلاة بشكل عامّ و بارز في البلاد و اشتراطهم حضور الإمام عليه السلام أو المنصوب من قِبله أو الحاكم الإسلامي للتصدّي لهذه الفريضة كما يظهر من بعض الروايات.
و أمّا إقامة الصلاة بغير الشكل الرسمي أمام الملأ و إبرازها جهاراً في المساجد و التجمّعات المعروفة أمام الناس، بل في القرى أو المجموعات غير الغفيرة من الشيعة؛ كاجتماع سبعة أشخاص على الأقلّ، أو في البلاد التي لا يُعتنى بها و لا تعدّ محطّ نظر للحكومات؛ فلا محذور فيها أصلًا. فتكون عندها مطلوبةً من الشارع، و مأموراً بها بالوجوب التّعييني الإطلاقي بلا شبهة أو كلام كما هو المستفاد من الروايات في هذا الباب.
و حيث أنّ كثيراً من الفقهاء- رضوان الله عليهم- لم يمعنوا النظر في هذه الملاحظة الدّقيقة و النكتة الأساسية و المحوريّة في الجمع بين الروايات المتخالفة بحسب ظاهرها؛ فلم يسلكوا الطريق الوسط، بل فاتهم الرّأي السّديد و الحُكم الرّشيد، و ذهبوا إلى مذاهب شتّى و مختلف الآراء و الفتيا، حيث حرّمها بعضهم مطلقاً في زمن الغيبة استناداً إلى بعض الأدلة، و رجّحها آخرون على صلاة الظهر، و رُبَّ قائلٍ‏
                        صلاة الجمعة، ص: 19
بالتخيير مطلقاً، و في مقابله قيل بالوجوب التعييني مطلقاً في العقد و الاجتماع و هكذا ....
و المصنّف العلّامة العَلَم و الطَّود الأعظم سيّد العلماء الربّانيّين و سند الفقهاءالإلهيّين و قدوة الأولياء العارفين سيّدنا و مولانا الوالد المرحوم روحي له الفداءكان له رأي خاصٌّ به في المقام، منحازاً عن سائر الفتاوى متفردٌ به من بين المسالك و الآراء، و هو: الوجوب التعييني عقداً و اجتماعاً، من دون أي شرط فيه بنحو الواجب المشروط كالحجّ و الصلاة بالنّسبة إلى الاستطاعة و الوقت، بل وجوبها في ظرف حضور الإمام عليه السّلام أو تحقّق الحكومة الشّرعية الإسلامية الحقة بنحو الواجب المطلق بالنسبة إلى شروط الوجود و التحقّق في الخارج و الصّحة كالطهارة و الاستقبال و لبس الطاهر بالنسبة إلى الصلاة. و كان قدّس سرّه يعتقد أنّ الحُكم بوجوب القيام لتحقيق الحكومة الإسلامية على كافّة المسلمين حكماً بتّيّاً لا يُرَدّ و لا يُبدَّل، و كذلك كان ملتزماً بترتّب الإثم و العصيان عليهم عند عدم القيام بهذه الفريضة حتّى بالنسبة لانعقادها و تحقّقها. فعلى فتواه، تكون صلاة الجمعة فريضة واجبة على الإطلاق على كافّة المسلمين بدون أي شرط لا في العقد و لا في الاجتماع، لكنّ شرط التحقّق و الصّحة هو حضور الحاكم الجامع لشرائط الفتيا المبسوط اليد و الاختيار. و السّبب فيه أنّ بعض الروايات ناطقة بذلك، و يرى قدِّس سرّه أنّ هذه النتيجة هي ما يقتضيه الجمع بينها و بين الروايات الأخرى المطلقة في الوجوب الآبية عن التقييد و الاشتراط.
                        اعتقاد المصنّف قدّس سرّه بلزوم إيجاد الحكومة الإسلامية

و كان المصنِّف قدّس سرّه معتقداً جازماً بلزوم إيجاد الحكومة الإسلامية، قاطعاً في إنجازها، مبرماً في وجوبها مِثلها مثل سائر الفرائض، بل آكدها و ألزمها على‏
                        صلاة الجمعة، ص: 20
الأمة الإسلامية بالوجوب العيني التعييني. و بعد رجوعه من عند القبة المقدّسة العلويّة على ثاويها آلاف الصلاة و التحية، بدأ بنشر و تبليغ هذه الفكرة الرشيقة السامية في محافله الأسبوعية، و ذلك ببيان بديع نافذ في القلوب، بحيث لو حضر شخصٌ إحدى هذه المحافل و هو مخالفٌ في الرأي و النظر، لتبدّل رأيه و تحوّلت أفكاره بشكل تامّ، وما ذلك إلا لصفاء قلبه و نفوذ كلمته و صدق نيّته و خلوص إرادته و جامعيّته في المباني الشرعية و تضلّعه في حقائق الوحي و بواطن الشّرع بما لا يصل إليها إلا الأوحدي ممّن اختاره الله للإفاضات الربّانية و جعله مهبطاً للأنوار الإلهية و الملائكة المقرّبين، الذين قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنة الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [1] كما أنّه قدّس الله نفسه القدسية كان يقول دوماً: لا يجوز لأحدٍ حتى و لو بلغ ما بلغ التصدّي لهذا المنصب و تقبّله لهذه المسؤولية إلا لمن اتّصل قلبه بعالَم الجبروت، فصار من القاطنين في ذروة اللاهوت فتبدّلت نفسه و تحوّل قلبه من الأهواء الرديئة و الأوهام البشرية و الميول النفسانية، فصار مرآةً لإرادة الله و مشيّته، و مجلى لجلواته و ظهور أسمائه و صفاته و أفعاله و مصداقاً لكلامه:
عبدي أطعني حتّى أجعلك مِثلي- أو مَثَلي- أقول للشي‏ء كن فيكون و تقول للشي‏ء كن فيكون [2].
أو:
لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه فأكون أنا سمعه الذي يسمع به‏
__________________________________________________
 [1]- سورة فصّلت (41) الآية 30.
 [2]- بحار الأنوار، ج 102، في هامش ص 165.
                        صلاة الجمعة، ص: 21
وبصره الذي يبصر به و ... [1].
و مع ذلك كان قدِّس سرّه تحت رعاية و تربية العارف الكامل الإلهي العظيم السيّد هاشم الموسوي الحدّاد- قدَّس الله رمسه و أفاض علينا من بركات أنفاسه القدسية-.
و لم يعهد من أحد من العلماء قبله القيام بهذه المسألة في زمن الطاغوت بهذا المنهج الفريد، و إن صدر من بعض الأعلام بعض المؤلَّفات في مسألة ولاية الفقية و غيرها. [2]
و كذلك قد وسّع قدّس سرّه نشاطاته في المسجد عبر إقامة الجلسات الدينيّة و إحياءالشعائر بالوعظ و مباشرته للخطابة بنفسه الشريفة، و كذلك دعوة الوعاظ و الخطباء العظام السائرين على هذا النهج و السالكين في هذا المسلك، و نشر الإعلانات في المناسبات المختلفة المؤثِّرة و المحيية بحيث صار مشاراً إليه بالبنان في طريقته الوحيدة و مسيرته الفريدة، و في بعض هذه المناسبات (ليلة الخامس عشر من شعبان ميلاد قطب عالَم الإمكان و رحى دائرة الوجود الحجّة بن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) قد أصدر بلاغاً و أرسله إلى كافّة المدن في إيران و إلى كثير من العلماء و الشخصيات البارزة في البلاد، و قد ذكر فيه:
اللهمّ إنّا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام و أهله، و تذلّ بها النفاق و أهله، و تجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، و القادة إلى سبيلك، و
__________________________________________________
 [1]- كنز العمّال، ج 1، ص 255، ح 1155؛ و للتّحقيق حول هذه الرّواية انظر معرفة الله، ج 1، المبحث 19.
 [2]- كتاب ولاية الفقيه للسيّد القائد آية الله الخميني قدّس سرّه.
                        صلاة الجمعة، ص: 22
ترزقنا بها كرامة الدنيا و الآخرة. [1]
و بعض فقراتٍ من التوقيع المبارك من النّاحية المقدّسة إلى جناب الشّيخ السّند و الرّكن المعتمد المفيد- رضوان الله عليه- في الحثّ على ائتلاف القلوب و اجتماع الأمّة على المقصد الأعلى و الغاية القصوى، مع بيانٍ منه في لزوم قيام كافّة المسلمين لتحقيق هذه الفريضة و المحور الأصلي لحياة الأمة الاجتماعية و الروحانية.
فَبَهر هذا البلاغ و الإعلان مسالك الشعائر الدينيّة في سائر المجالات حتّى سمع من بعض روّاد السّياسة و الثّورة [2]: في الوقت الذي كنّا لا نسمع فيه صوتاً من أحد، فقد سمعنا هذا النّداء من هذا المسجد، فأثّر أثراً كبيراً حتّى بين أركان الحكومة الجائرة و زعمائها و أيقظهم من نوم الغفلة و الغرور و نبّههم إلى تكوّن هذا المولود و نشأته.
و كان- رضوان الله عليه- قد بسط بلاغه و نداءه هذا لجميع أبناء الشّعب في كلّ مرتبة و مرحلة، العالي منهم و الدّاني، الحكومي و العادّى، العالِم و الجاهل، الملتزم و غيره، بل حتّى السّافرات، و حتى السلطات الحكوميّة في جميع مراتبهم، سيّما نفس الشاه و ذويه. و هذا من مميّزاته و مختصّاته، فإنّه كان يرى نفسه الشريفة مرآة لنفس النّبي الأكرم و الأئمّة المعصومين صلوات الله و سلامه عليهم في تبليغ الشريعة الرفيعة، و مجلى لتجلّيات الأنوار المقدّسة المطهّرة، و كان يعتقد بأنّ المسؤوليّة الكبرى و القيادة العظمى بالنسبة إلى كافّة أهل الأرض إنّما تقع على عاتقه بنفس المسؤولية
__________________________________________________
 [1]- إقبال الأعمال، ج 1، ص 127؛ بحار الأنوار، ج 88، ص 6.
 [2]- المرحوم المهندس بازرگان في إحدى خطاباته في ذلك الزمان.
                        صلاة الجمعة، ص: 23
و الزّعامة المعتبرة في حقّ المعصومين عليهم السّلام، كلّ ذلك تحت إشراف صاحب العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء و ولايته الكلّية الإلهية، و كان لا يقصّر في النصح والهداية لأحد، بل كان يحبّ و يرضى و يختار و ينتخب- من صميم قلبه و صافي ضميره لأدنى نَسَمَةٍ تقطن في أقصى بقاع الأرض، سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة من الكفّار و المشركين- ما يرضى و يحبّ و يختار لنفسه القدسية. و لَعمري إنّ هذا ليس بمزاح و لا إغراق، و أُقسم بالعظيم إنّي كنت أرى من حالاته الشريفة و أقواله المنيفة طيلة الحياة هذا المعنى و المسلك الملكوتي الإلهي بدون أي مسامحة و مجاملة و لا فضول كلام.
                        إرسال المصنِّف قدِّس سرّه رسائل إلى كثير من العلماء و المراجع العظام‏

و كان يرسل الرسائل إلى كثير من العلماء و المراجع العظام يرغّبهم و يحثّهم للورود في هذا النهج و السير في هذا المسلك، منهم الآيات و الحجج: السيّد محمّد هادي الميلاني و السيّد روح الله الخميني و الشيخ الآخوند ملّا علي الهمداني و السيّد محمّد علي القاضي التبريزي و الشيخ بهاء الدّين المحلّاتي و السيّد عبد الحسين دستغيب الشيرازي و الشيخ صدر الدّين الحائري و السيّد صدر الدين الجزائري و الشيخ مرتضى المطهّري و السيّد عبد الهادي الشيرازي و غيرهم من الأعاظم و فحول العلم، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
و كان السيّد محمّد هادي الميلاني يقول لرفقاء السيّد الوالد: كنت إذا وَصَلَت إليّ رسالة منه أضعها في جيبي بضعة أيّام و أطالعها كل يوم مرة أو مرّتين.
و كان في جميع هذه الرسائل يوجّههم إلى الطريق الأقوم و الهدف الأسنى و يبثّ روح الشريعة في نفوسهم و ضمائرهم ممّا يؤدّي إلى تقوية نشاطهم الديني و نشر عرق الحمية الشّرعية و إخلاص العمل و تصفية الباطن و الخاطر من الغفلات و الكثرات و الاعتبارات الدّنيوية، و ما عليه السياسيّون من التغلّب على حطام‏
                        صلاة الجمعة، ص: 24
الدّنيا و الرّئاسات المادّية. و كانوا جميعاً معترفين بذلك، و يقولون إنّ كلامه يختلف عن سائر الكلمات، و رسائله مختلفة عن سائر الرسائل.
و كان يتداول في جميع هذه المسائل مع أستاذه الوحيد الفريد و مقتداه و مراده فخر الشّريعه الغرّاء و عماد الحنيفية البيضاء العلامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي و كان يستشيره فيها. و كان له علاقة خاصّة و اتّصال وثيق بالآية الحجة السيّد روح الله الخميني قدّس سرّه، و كان يذهب إلى بيته في قم المقدّسة كراراً و مراراً لهذه الجهة، و يتباحث معه في كيفيّة تحريك الأمّة و الشّعب و تسييرها نحو الثورة الإسلاميّة، و كان له أثرٌ قاطع غريب في تصحيحها و إصلاحها، ممّا يكشف عن موقعيّة و شأنٍ خاصّ لديه، و كان يعدّ محوراً أساسيّاً في جميع هذه الأمور، و كان السيّد القائد لا يصدر إعلاناً إلا بعد مراجعة السيّد الوالد و إمضائه، و كان هو الرابط فيما بينه و بين المرتبطين معه و المتعلّقين به من خواصّ العلماء و رجال السّياسة و فِرَق المجاهدين و المقاتلين، كالهيئة المؤتلفة و غيرها، و قد ذكر بعض هذه المسائل في كتابه المسمّى ب- «وظيفة الفرد المسلم في إحياء حكومة الإسلام» و مع ذلك كلّه لم يتسنّى له المشاركة و المساعدة و لم يتيسّر له الإشارة على السيّد القائد بسبب بعض الأمور.
وبالجملة كانت فكرته السامية و رأيه الصائب و العلّة الرامية لإقامة صلاة الجمعة في ظرف تحقّق الحكومة الإسلاميّة هي اهتمامه البليغ لتشكّل الحكومة العادلة، و إلا فهو ممّن كان يرى الوجوب التعييني في إقامة هذه الصلاة بدون أي شرط فيها بنحو الواجب المشروط، و هكذا سرد كلامه في الاستدلال بالوجوب عَبر هذه الرسالة على ما يلاحظ فيها من أنّه قدّس سرّه قد غيّر رأيه في أواخرها و حكم‏
                        صلاة الجمعة، ص: 25
باستحسانها و رجحانها على كلّ حال في زمن الغيبة و عدم ضرورة وجود النائب الخاصّ و انعقاد الحكومة العادلة، و لهذه النّكتة فقد استحسنّا أن نعلّق عليها بعض التعليقات على ما يخطر ببالنا القاصر و رأينا الفاتر.
و الذي تحصّل لنا بعد البحث و التّأمّل في الأدلة مع إخواننا الفضلاء الأجلّاء كثّر الله أمثالهم حول هذه المسألة، هو الوجوب العيني التعييني عقداً و اجتماعاً و مطلقاً في كلّ حال و مجال، بدون أي شرط لا في الوجوب و لا في الصّحة. و الله هو العالم.
                        الكلام في صلاة الجمعة يقف في الجهتين السياسية والأخلاقيّة

و أمّا الكلام في صلاة الجمعة و كيفية انعقادها بعد الفراغ من حكمها الوجوبي فيقع في الجهتَين، السّياسية و الأخلاقية.
أمّا الجهة الاولى:
فلا شكّ أنّ لطبيعة هذه الصلاة علاقة خاصة بالمسائل الاجتماعية و الشّؤون الحكومية. فمن حيث أنّ لكلّ حكومة مخطّطاً خاصّاً بها و هي تدير الشعب و تدبّر أمره من خلال هذا المخطّط، فيجب أن تعلن عن برنامجها و توضّحه بشكل عامّ، الشامل لجميع المسائل، من القيام بشؤون الملّة و ما فيه من الصّلاح و الفساد، و ما يرتبط بالشؤون والمسائل الاجتماعية و عمران البلاد و العلاقات الخارجية، و إعداد الشّعب للمواجهة مقابل الأحداث و الحوادث الطارئة و هكذا.
و من ناحية اخرى، وحيث لم يكن في سالف الزّمان وسيلة للإعلام و الإعلان كالجرائد و الأجهزة الإعلامية الحديثة، لذلك كانوا يستثمرون صلاة الجمعة كفرصة لهذا المطلب، بغية توجيه الشّعب نحو المقاصد و المخطّطات المرسومة. و لهذا فقد ورد في الأحاديث بأنّه لا تقام هذه الصلاة إلا في بلاد تقام فيها الحدود، كما في الدّعائم‏
                        صلاة الجمعة، ص: 26
عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال:
لا جمعة إلا مع إمام عدل تقىّ. [1]
و عن علي عليه السّلام أنّه قال:
لا يصحّ الحُكم و لا الحدود و لا الجمعة إلا بإمامٍ عدل. [2]
و نحوها ....
و لهذه العلة كانت إقامة هذه الصلاة من الوظائف الحكومية، و لا يسمحون لأحدٍ أن يقيم الصلاة من تلقاء نفسه، و كانوا يُنصِّبون لهذه الفريضة أئمّة من قِبَلهم موالين لهم. و من ناحية أخرى كان نفس هذا الاجتماع و الحضور الشعبي العظيم يعدّ تأييداً لزعماءالحكومة، و مشيّداً أركانها و مقوّياً دوامها و بقائها، و كانوا ينظرون إلى مَن حضر و من لم يحضر، حتّى أنّ أئمّتنا عليهم السلام كانوا يحضرونها تقية و خوفاً على دماء الشيعة و أعراضهم.
و أمّا الجهة الثانية:
                        الجهة الثانية وهي الجهة الأخلاقية وهي أهم من الأولى‏

فهي أهمّ من الاولي، لأنّ فيها الحثّ و الترغيب على المسائل الأخلاقيّة و التقوى، و هذه هي النكتة التي قد غفل عنها كثيرٌ ممّن تصدّى لهذه المسؤولية، فظنّوا أنّ الأصل في صلاة الجمعة هو الحيثية السّياسية فحسب، و أنّ ذكر التقوى فيها فرع لها، بل قد يسمع أنّ بعضاً يذكر اسم التقوى في الخطبة على سبيل الاحتياط و لا يلتفت إلى كون الاشتغال بالسّياسة بدون رعاية التقوى و الاهتمام بها و جعلها نصبَ العين في كلّ حال و مقام لا قيمة له أصلًا بمقدار مثقال ذرة، بل هي حينئذ
__________________________________________________
 [1]- مستدرك الوسائل، ج 6، ص 13، ح 6306/ 4؛ دعائم الإسلام، ج 1، ص 182.
 [2]- المصدر السابق.
                        صلاة الجمعة، ص: 27
سياسة حكّام الجور؛ كخلفاء الظلم و العدوان من بني امية و بني مروان و غيرهم، و هذه النظرة بعيدة عن الإسلام و الشريعة، قريبة من الكفر و الزندقة.
والسرّ في ذلك أنّ مسألة السّياسة و الحكومة في الإسلام و غيره من الأديان الإلهية معدّة لإقامة العدل و الحدود و إصلاح المجتمع لتحصيل الأمان و إعداد الأسباب لكلّ فرد من أفراد الشعب للوصول إلى أعلى مراتب الفعلية و التوحيد، و هو حقّ مُسَلَّم إلهي معطى مِن قبل الله تعالى إلى جميع أفراد المجتمع؛ من الصغير و الكبير و العالي و الداني بلا اختلاف أبداً. و إلا فلا فرق بين الحكومة في الأديان الإلهية و المدارس المادّية كما نشاهدها في العالم و شاهدناها في حكومات الخلفاءالغاصبين و بني امية و بني العبّاس و غيرهم.
قال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [1].
و قال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [2]
فالظُّلمة هي الشهوات و الرئاسات و الشؤون الدّنيوية و عالَم الوهم و الاعتبار، أمّا النور فهو عالَم التوحيد و البهجة و البهاء و عالم الحقائق و الأنوار و عالم الملائكة و الأرواح القدسيّة و عالم الجبروت و اللاهوت و عالم الفَناء و الأحديّة، و هذا هو المراد من كلام مولى الموَحّدين و قطب العرفاء و الأولياء و الأنبياء و
__________________________________________________
 [1]- سورة الحديد (57) صدر الآية 25.
 [2]- سورة إبراهيم (14) الآية 5.
                        صلاة الجمعة، ص: 28
الأوصياء أميرالمؤمنين عليه السّلام حيث يقول:
واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم و على تبليغ الرّسالة أمانتهم لمّا بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقّه و اتّخذوا الأنداد معه، و اجتالتهم الشياطين عن معرفته و اقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله و واتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته و يذكّروهم منسي نعمته و يحتجّوا عليهم بالتّبليغ و يثيروا لهم دفائن العقول و يروهم الآيات المقدّرة، من سقف فوقهم مرفوع و مهاد تحتهم موضوع ... [1].
                        اختصاص التصدّي لهذا المقام بخلفاء الله و أصفيائه‏

و لهذا نرى أنّ الإمام سيّد الساجدين و زين العابدين علي بن الحسين عليهما السّلام يخصّ التصدّي لهذا المقام بخلفاء الله و أصفيائه و مواضع أمنائه المخصوصين بكرامته حيث يقول:
اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع أمنائك في الدّرجة الرّفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها و أنت المقدّر لذلك، لا يغالَب أمرك و لا يجاوز المحتوم من تدبيرك، كيف شئت و أنّى شئت و لما أنت أعلم به غير متّهم على خلقك و لا لإرادتك، حتّى عاد صفوتُك و خلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين، يرون حكمك مبدّلًا و كتابك منبوذاً، و فرائضك محرّفة عن جهات أشراعك و سنن نبيّك متروكة. اللهمّ العن أعداءهم من الأوّلين و الآخرين و مَن رضي بفعالهم و أشياعهم و أتباعهم. اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّدٍ، إنّك حميدٌ مجيدٌ، كصلواتك و بركاتك و تحيّاتك على أصفيائك إبراهيم و آل إبراهيم و عجّل الفرج و الرّوح و النّصرة و التّمكين و التأييد لهم. اللهمّ و اجعلني من أهل التّوحيد و الإيمان بك و
__________________________________________________
 [1]- نهج البلاغة، لمحمّد عبده، ج 1، ص 24.
                        صلاة الجمعة، ص: 29
التصديق برسولك و الأئمة الذين حتمت طاعتهم ممّن يجري ذلك به و على يديه آمين ربّ العالمين [1].
و إلى هذا المعنى السامي و الدرجة العليا من التوحيد و العرفان يشير صاحب الولاية الكّلية الالهية مولى الموحّدين أميرالمؤمنين عليه السّلام و يقول:
سبحانك أي عين تقوم نصب بهاء نورك و ترقى إلى نور ضياء قدرتك؟ و أي فهم يفهم ما دون ذلك؟ إلا أبصارٌ كشفتَ عنها الأغطية و هتكت عنها الحجب العمية، فَرَقَتْ أرواحها إلى أطراف أجنحة الأرواح فناجَوك في أركانك و ولجوا بين أنوار بهائك، و نظروا من مرتقى التربة إلى مستوى كبريائك، فسمّاهم أهل الملكوت زوّاراً، و دعاهم أهل الجبروت عمّارا [2].
فينبغي لهذا الشخص القدسي أن يقبل مسؤولية الهداية و الإرشاد و تربية النفوس، فيسوقهم نحو عالَم الملكوت و يأخذ بزمام الإرادة و السّداد و يجعلها على مستوى الرُّقي و الصّلاح بالنحو الأتمّ الأوفى. ففي هذا المجال يصحّ للإنسان أنْ يعتمد على الإجراءات و الأنشطة السّياسية و الحكومية و يتقبّلها بقبول حسن، و في هذا الموقع يحقّ لنا أن نقول بعدم الفصل بين السّياسة و الدّيانة في الإسلام. و هي السّياسة التى تنبعث من النفوس المطهّرة اللاهوتية بعين الدّيانة المنبعثة من صقع عالَم الوحي و التشريع، فافهم و تأمّل.
و إلا فكلّ فريق يعمل في عالم السّياسة بمقتضى عقيدته و ديانته، و كان الحجّاج بن يوسف الثقفي لعنه الله يستدّل على صحة أعماله الشنيعة و فعاله الوقيحة بالآيات القرآنية و وجوب الإطاعة لُاولي الأمر!
__________________________________________________
 [1]- الصحيفة السّجّاديّة الكاملة، ص 281 إلى 283.
 [2]- بحار الأنوار، ج 25، ص 30، نقلًا عن إثبات الوصيّة للمسعودى.
                        صلاة الجمعة، ص: 30
                        تصنيف المصنّف العلامة رضوان الله عليه سفراً قيّما في مسألة ولاية الفقيه‏

و السّيّد الوالد- روحي له الفداء- قد صنّف سِفراً قيّماً راقياً في مسألة ولاية الفقيه و تصدّيه للحكومة في أربع أجزاء، و لله درّه و عليه أجره، فجزاه الله عن الإسلام و أهله خير جزاء المصنِّفين و المعلِّمين، فبيّن فيه حقيقة الولاية و البصيرة في الفقه، و حقّق فيه مراتب الإشراف و السّيطرة على عوالم الأحكام و الملاكات بالنّفس القدسية المتّصلة بمصدر التشريع و منبع الوحي المستضيئة بصفاء سرّه و خلوص ضميره من صقع عالم الجبروت و ينبوع الشّريعة و التّنزيل. و هذا هو الفقيه و المفتي الذي يجب علينا إطاعته و يلزم علينا اتّباعه .. و هو الذي يكون دينه عين سياسته و سياسته عين ديانته .. و كلامه حُكم و فعله دليل .. و أولئك و الله الأقلّون عدداً .. و هم و الله نور الله في ظلماتِ الأرض و مهالك الدّهر .. و هم الذين فتح الله أبصار قلوبهم، فيشاهدون بواطن الأمور و مقادير الله في عوالم المُلك و الملكوت، و يعرفون ويقدّرون صلاح العباد بواقع الأمر و حقيقة البصيرة، و أنّى لنا بإدراك هذه المرتبة؟ هيهات! هيهات! أن ندرك هذه الذروة العليا بعقولنا القاصرة و أوهامنا، فكيف تصل إليها أيدينا و ندّعي الوفود إليها؟!
و لهذا كان الوالد- قدِّس سرّه- يقول: لا يجوز الورود و الإقدام في هذا المجال إلا بالإذن الصّريح و الأمر المباشر من صاحب الولاية الكلّية مولانا الحجّة بن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، أو الذي اتّصل قلبه و ضميره به بحيث يراه بقلبه و سرّه في كلّ لحظة و كلّ آن، و يكون بمحضره القدّوسي و مرآه، فيكون لسانه الذي ينطق به و يده التي يأخذ بها و إرادته التي تنبعث من نفسه المطهّرة. و لهذا رأينا في النهضة الدستورية و الثورة المشروطة كيف لعبوا بالعلماء و الأعاظم و الأجلّاء من الأفاضل، و بدّلوا الكلمة و حرّفوا المسير و أدخلوا الملّة في المهالك و البلايا و فعلوا
                        صلاة الجمعة، ص: 31
ما فعلوا بالدّين و الدّنيا و ضلّوا و أضلّوا و هلكوا و أهلكوا ....
         و كلّ يدّعي وصلًا بليلي             تَبيَّن مَن بكى ممّن تباكى‏

فكم هناك من فرق بين مَن رأى أنّ صلاة الجمعة صلاة مربّية للنّفوس، مهذّبة للأخلاق، محرّكة نحو الفعليّات و الغايات الكمالية، محيية للأرواح الخامدة، مبصِّرة للعيون الرّمدة، منوّرة للقلوب و الأفكار، و مَن لا يرى فيها إلا الاشتغال بالمسائل السّياسية و الاجتماعية، و لا ينظر إليها إلا من هذا المنظار السطحي الساذج، و هكذا يكون الرأي و النظر و العقيدة في جميع أفكارهم و ممارساتهم و تصرّفاتهم و منهجم، فلقد سمعت من بعضهم يقول:
الأصل في القيام بعزاء الأئمّة عليهم السّلام، خصوصاً أيّام عاشوراء، و الخروج إلى الشوارع هو الاجتماع و التظاهر سواء أضممت العزاء إليه أو لا.
فيا للأسف لهذه الفكرة الردية المُردية .. المبيدة لروح التشيّع و الولاية في الأمّة، و المحرّفة للشّعب والملّة عن مسلك الأئمّة عليهم الصلاة و السلام!
و هم غافلون عن أنّ حقيقة الشّريعة و قوامها و أصلها و عمادها هي الولاية و الرّكون إليها، و هي بدون الإمام عليه السّلام ميّته فانية صلبة متحجّرة مِثل الخشب و الحجر، فاقدة للنشاط الروحاني، و بعيدة عن روح التّقوى و خالية من أيّ عروج نحو الأعلى و منقطعة عن بلوغ الغاية القصوى. فالصلاة بدون الولاية لا أثر لها إلا تحريك للعضلات، و الحجّ بدون الولاية ليس سوى صرف للمال، و الأفعال العبادية و الجهاد بدون الولاية ليست إلا تصرّف في البلاد كسائر التّصرّفات، و الحكومة بدون الولاية هي الترأس على الأنام و السّيطرة على النفوس و الأعراض مع ما فيها من المفاسد و المهالك الموبقة و التوغّل في الأنانية و الأهواء الدّنية الرّذيلة.
                        صلاة الجمعة، ص: 32
                        الأمور اللازمة على أئمة الجمعات‏

و هكذا فاللازم على أئمة الجمعة توجيه العباد نحو صاحب الولاية الإلهية، و إحياء النشاط الرّوحاني نحوها بشكل جدّي و واقعي، فيوضّحوا لهم حقيقة الاتّباع و كيفية الإطاعة و الالتزام بطوق الانقياد له عليه السّلام، و انتظار الفرج و الظهور بفعلية الاستعدادات و التهيؤات، لا بصِرف الأقاويل الباطلة المُعَيِّنة للظهور كما يسمع عن الكثير، و لا واقع وراءها و لا طائل منها إلا اللعب بعقائد الأنام و صرف الأيّام و الأوقات بالقيل و القال.
ففي الكافي بسند صحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السّلام في خطبة يوم الجمعة، و ذكر خطبة مشتملة على حمد الله و الثّناء عليه و الوصية بتقوى الله و الوعظ ...: واقرأ سورة من القرآن و ادع ربّك و صلّ على النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و ادع للمؤمنين و المؤمنات، ثمّ تجلس قدر ما يمكن هنيئة ثمّ تقوم و تقول: ... و ذكر خطبة الثانية و هي مشتملة على حمد الله و الثّناء عليه و الوصية بتقوى الله و الصلاة على محمّد و آله و الأمر بتسمية الأئمة عليهم السّلام إلى آخرهم و الدّعاء بتعجيل الفرج ... و يكون آخر كلامه أنّ الله يأمر بالعدل و الإحسان الآية ... [1].
و في العلل و العيون عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام قال:
إنّما جُعِلَت الخطبة يوم الجمعة لأنّ الجمعة مشهد عامّ، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم و ترغيبهم في الطاعة و ترهيبهم من المعصية و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم، و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق و من الأهوال التي لهم فيها المضرة و المنفعة، و لا يكون الصّائر في الصلاة منفصلًا و ليس بفاعل 4 غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة و إنّما جُعِلَت‏
__________________________________________________
 [1]- وسائل الشّيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 25، ج 5، ص 38، ح 1.
                        صلاة الجمعة، ص: 33
خطبتان لتكون واحدة للثناء على الله و التمجيد و التقديس لله عزّ و جلّ، و الأخرى للحوائج و الإعذار و الإنذار و الدعاء و لما يريد أن يعلّمهم من أمره و نهيه ما فيه الصّلاح و الفساد. [1]
فالإمام عليه السّلام يبيّن كيفية الخطابة و التعلّق و الارتباط بالله تعالى ابتداءً بالثناء و التمجيد و التقديس عليه لاستجلاب فيضان الرّحمة و العطوفة منه تعالى كما نشاهده في جميع الأدعية المأثورة عن الأئمّة عليهم السّلام كدعاء كميل و الافتتاح و أبي حمزة الثّمالي و غيرها.
                        المطالب التي يجب أن تشتمل الخطبة عليها

و بالتحقيق يجب أن تكون الخطبة بأفصح لسان و أبلغ بيان باعتماد الخطابة المعمّقة، و إيراد قصص من الأولياء الصالحين، و المواعظ البليغة من درر الأخبار، و عبارات نهج البلاغة لمولى المتّقين أمير المؤمنين عليه السّلام، سيّما الخطب التي يتحدّث فيها عن فَناء الدّنيا و الموت و اعتبارية الدنيا، و يسرد فيها الحوادث التي جرت على أهل بيت الوحي لأخذ العبرة، و كذلك حالات العرفاء الربانيّين و أهل البصيرة، و إنشاد أشعارٍ راقيةٍ من شعراء العرب و العجم كابن الفارض المصري- رضوان الله عليه- و المولى جلال الدين البلخي و حافظ الشيرازي و غيرهم من العرفاء و الأولياء الربانيّين كما نبّه عليه المولى محمّد تقي المجلسي في كتابه المسمّى ب- «لوامع صاحبقرانية» بالفارسية [2]- رحمة الله و رضوانه عليه- ممّا يوجب اشعال حرارة الشوق لدى المخاطبين، و زوال الرغبة إلى حطام الدنيا و الأهواء الدنية، و
__________________________________________________
 [1]- المصدر السابق، ص 39 و 40، ح 6.
 [2]- و قال مترجمه إلى اللغة التركية: وجدت نسخة بخطّ المؤلّف و قد سمّى الكتاب ب-: اللوامع القدسية.
                        صلاة الجمعة، ص: 34
نشاط القلوب في التوجّه إلى عالَم الملكوت، و رفض الرذائل من الإقبال على الرئاسات الدنيوية، و الحبال و الشباك المهلكة في أيدي الشّياطين، بحيث إنّ كلّ من يحضر في هذه الصلاة يجد في نفسه تحوّلًا و فَرْقاً بين حاله قبل الحضور و حاله بعده، و يتشوّق إلى الحضور في الجمعة الآتية طيلة الأسبوع.
فمن الضروري أن يطالع الخطيب الكتب الرّوائية و الأخلاقية ساعات طويلة و مدة يُعتدّ بها، و يصرف أوقاته لاستفادةٍ أكثر و إفادة أوفى و يجتنب عن التكرار المتسلسل المملّ المتعارف، و ما يَعْلمُه أكثر الناس من المسائل المطروحة في الجرائد و المجلّات و ما تبثّه وسائل الإعلام الاخرى، و أن يكون مستقلًا في رأيه صائباً في نظره، و يلقي خطابه بما يراه مصلحة و نافعاً للمخاطبين بدون الملاحظات الاعتبارية و المصالح الشخصية، بل اللازم أن لا يتوجّه إلا إلى الله سبحانه و لا ينظر إلا إلى الله تعالى شأنه، و لا يفكّر إلا في ما كلّفه الله تعالى و وجّهه إليه قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [1]، و يستنّ في إقامة الصلاة بسنة الأئمة المعصومين عليهم السّلام، و يصعد على المنبر، و يجتنب عن الوقوف وراء المنصة المعروفة حاليّاً ب- «تريبون» [2]، فهي آلة مستوردة من بلاد الكفر و لا ينبغي للخطيب أن يلقي خطابه عنها، فنحن جماعة الشّيعة يجب أن نلتزم بإقامة الشعائر من على المنبر و علينا أن نرفض الآثار الدّخيلة في ثقافتنا الإسلامية كليّاً، و لا بدّ من لبس الرداء بدلًا من العباءة.
و اللازم على زعيم الأمة أن يخطب بنفسه و يقيم الصلاة، و أن يحضر في الصلاة كلّ الأفراد و جميع الفِرَق من العلماء و غيرهم، و لا يكتفون بالمشاهدة و
__________________________________________________
 [1]- سورة الأنعام (6) ذيل الآية.
 [2]- وهو منبر ذو درجات عالية كالسلم الطويل، لا يشبه المنبر الشرعي والذي لا يتجاوز الثلاث درجات.
                        صلاة الجمعة، ص: 35
السّماع من خلال الوسائل الإعلامية، فذلك يوجب الوهن و الضّعف، و ينصّب لجميع المناطق في البلاد خطيباً من أوجه الناس منزلةً و علماً و خطابةً و رعايةً للتّقوى و التجنّب عن الدّنيا و زخارفها، بحيث يوجب تشويق الناس ورغبتهم في الحضور، و لا يكون في نفوسهم شيئاً منه أو من تصرّفاته، و اللازم على الخطيب أيضاً الدعاء لجميع الأمة الإسلامية في أقصى نقاط العالم، و لا يحسب أنّ هناك مسلماً خارجاً عن الحكومة الإسلامية، بل كلّ مسلم في أبعد بقاع الأرض يكون داخلًا في البلد الإسلامي و مندرجاً تحت شرائطه و ثابتة له حقوقه، و يوضّح و يبيّن سياسات دول الكفر و العناد و كيفية مؤامراتهم على البلاد الإسلامية، و لهذا فاللازم على الخطيب أن يكون خبيراً نافذ البصيرة بالمسائل السّياسية، محلّلًا للقضايا و الأحداث في العالم و لا يكتفى بالتحليلات الموجودة في الجرائد و الوسائل المتعارفة، و كذلك يجب على الخطيب أن لا يستثني في النصيحة و الموعظة أحداً، بل يُراعي ما أوصاه النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم حيث قال: والنصيحة لأئمة المسلمين [1]، و أن يوسّع بلاغه و نصحه إلى جميع الشعوب و الفرق في العالم و يدعوهم إلى الصّلاح و الرّشاد من رعاية الشؤون الإنسانية و التوجّه إلى التوحيد، فإنّهم عباد الله جميعاً مثلنا، و عليه أن يرى مقامه مقام النائب عن النبي و الإمام عليه السّلام في الرّسالة و البلاغ، و ممثّلًا من ناحيته، و لا يخاطبهم بلسانٍ حادٍّ، فهذا لا يعدّ فخراً و مباهاة بل: وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ [2] فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى. [3]
__________________________________________________
 [1]- الكافي للكلينى، ج 1، ص 404، ح 2، قطعة من خطبة رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم في مسجد الخيف.
 [2]- سورةالنحل (16) من الآية 125.
 [3]- سورة طه (20) الآية 44.
                        صلاة الجمعة، ص: 36
و أن لا يرى نفسه موكَّلًا من الله تعالى على العباد مولَّى عليهم بحيث يرى أنّه يجب عليهم أن يطيعوه و يقبلوا قوله، بل عليه أن يرى نفسه أقلّ عباد الله و خليقته، و يعدّل كلماته و لا يتجاوز العُرف و السّيرة العقلائية في المحاورات و سائر العلاقات. و بعبارة اخرى يلزم على الخطيب أن يكون خطابه جاذباً مقنعاً شافياً شاملًا لكلّ المصالح المتعلّقة بالعباد في بلده و سائر البلاد من البلدان الإسلامية و غيرها، ليسوقهم إلى معرفة حقيقة الإسلام و التشيّع و إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلَامُ [1] و هو دين الرّحمة و العطوفة و الودّ و المحبة و الإيثار و العلم و الحكمة و التعقّل و الحرّية، بعيدٌ عن التعصّب و التحجّر و الجاهلية، متقدّم في جميع المجالات و النشاطات العلمية، متطوّرٍ في كافة أنحاء التطوّرات الحيوية، و يذكّرهم بالآيات القرآنية كهذه الآية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إلا نَعْبُدَ إلا اللّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [2] و يبيّن لهم سيرة المعصومين عليهم السّلام و السّنة النبوية مع المخالفين من سائر الأديان و الملل، و يعرّف لهم حقيقة التشيّع و مبانيه، و يوجّههم إلى محورية الولاية و الوجود الحي القيّوم في إدارة عالم الإمكان و الظهور، و كيفية غيبوبته عنّا و سيطرته و ولايته على عالم الوجود ببيانٍ مقنع لطيف جذّاب جميل.
                        الأمور التي تجب على خطباء الجمعة

و كذلك يلزم على الخطباء توجيه المخاطبين و تنبيههم على التكاليف‏
__________________________________________________
 [1]- سورة آل عمران (3) صدر الآية 19.
 [2]- سورة آل عمران (3) الآية 64.
                        صلاة الجمعة، ص: 37
الاجتماعية من رعاية الموازين الأخلاقية في مجتمعاتهم و محاوراتهم و كيفية معاشرتهم و القيام بإقامة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و تحكيم المؤانسة و المواصلة، و تبيين الطّرق في ذلك، و كذلك القيام بالتكاليف الشخصية و الأمور المتعلّقة بهم من العبادات و المناسبات الدّينية لهم و إحياء شعائر الدّين و ذكر أهل البيت و مجالسهم و هكذا.
و البحث في هذه المسائل يقتضي مجالًا واسعاً لا تسعه هذه المقدّمة و نكتفي بهذا المختصر، و فيه تنبيه للغافلين و تذكرةٌ لمن أراد أن يتذكّر أو يخشى.
و لهذه المهمة نرى أنّ في بعض الروّايات إيضاح لما يخصّ الصلاة بحضور الإمام عليه السّلام أو النائب عنه أو قيام الفقيه العادل المبسوط اليد بإقامة هذه الفريضة في البلاد، من أنّ الإتيان بصلاة الجمعة بهذه الكيفية في البلاد لا يتمّ إلا من شخص يمتاز بهذه الخصوصيّات، و هو ممتنع مع قيام حكّام الظلم و خلفاء الجور سواء في زمن الأئمة عليهم السّلام أو غيره ضرورةً و بداهةً، و لكن طبقا للقواعد الموجودة لدينا كالحديث النبوي الشريف: «إذا أمرتكم بشى‏ء فأتوا منه، ما استطعتم» [1] و «الميسور لا يترك بالمعسور» [2] و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (3) و غيرها، فحتى لو غضضنا النظر عن الروايات المُثبتة للوجوب حتّى في غير زمن الأئمة و في حكومة الجائرين و الغاصبين، لا يبقى مجال للشّك في وجوبها عيناً و تعييناً عقداً و اجتماعاً.
و هذه الرسالة المصنَّفة في صلاة الجمعة من الرواشح الثمينة بِيَدِ العالم العامل‏
__________________________________________________
 [1]- بحار الأنوار، ج 22، ص 31، باب 37.
 [2] و 3- مفتاح الكرامة، ج 2، ص 298.
                        صلاة الجمعة، ص: 38
الكامل فخر الشّريعة و ركن الطّريقة و عماد الحقيقة سند الفقهاء و المجتهدين و قدوة العرفاء الكاملين سيّدنا و مولانا و والدنا العلّامة آية الله العظمى السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني- رضوان الله عليه- مدة إقامته و اشتغاله في العتبة المقدّسة العلوية، و كان قد دَرَسَ هذا الباب عند الآية الحجة السيّد محمود الشاهرودي- رحمة الله عليه- و كان نظره على عدم الوجوب في زمن الغيبة، لكنّ السيّد الوالد ألزمه في أثناء المباحثة على مبناه و سدّ عليه الطريق من جميع الجوانب، و أقنعه بالالتزام اجتهاداً- نتيجة للأدلة- بالوجوب التعييني، و لكن مع ذلك كلّه لم يقبل التعيين فتوى، و ألزمه الإجماع المتوهّم بالقول بعدم الوجوب و رفض الأدلة المثبتة له، و هو أحد مصاديق التّمسّك بالإجماع الواهي و الموهوم و المناقض لكلام المعصوم، فيا للأسف لهذه السّيرة المستمرة، و نحن بحمد الله تعالى و توفيقه قد كتبنا رسالة مستوفاةً تثبت وهن الإجماع في طريق الاستنباط و عدم موقعية له اصلًا في الاجتهاد، و قد أثبتنا بما لا مزيد عليه عدم حجيّته و أنّه أمرٌ مختلق مستوردٌ من ناحية العامّة، و لا أصل له أبداً في الروايات و الأصول المأثورة عن المعصومين عليهم السّلام، و يجب علينا رفضه و نسيانه بالكلّية، لنحوّله و نفوّضه إلى العامة فهم أولى بالاستناد و الاستفادة منه، و إذا سلب هذا من أصولهم لا يبقى لهم شى‏ء لا في الأساس و الاصول و لا في الفروع. و هو- قدّس سرّه- قد راجعها في أواخر عمره الشّريف و علّق عليها بعض التعليقات، و لكنَّ التأمّل فيها و في التعليقات يُقوِّي مسألة كونه- قدّس الله رمسه- قد غيّر رأيه و بدّل فتواه في رجحانها على كلّ حال حيث إنّه كان من القائلين بالحرمة و البطلان في غير زمن الحضور و الحكومة الشّرعية، و لكنّه في آخر الرسالة قد تبدّل رأيه و التزم‏
                        صلاة الجمعة، ص: 39
بالرجحان في كلّ حال و مجال.
                        إنّ الأصل في صلاة الجمعة الوجوب العيني التعييني‏

و نحن مع الاعتراف بالعجز و القصور و النقصان، و بعد الفحص و البحث و التأمّل في الأدلة و المتون فقد رأينا أنّ الأصل في صلاة الجمعة هو الوجوب العيني التعييني عقداً و اجتماعاً بدون أي شرط لا في الوجوب و لا في الصّحة مع الأمن من الخوف عند اجتماع الشرائط و تحقّق الموضوع. و قدّمنا بعض التعليقات [1] ببضاعة مزجاة و قلة باع متوخِّين في ذلك مزيداً للبصيرة و إتماماً للفائدة.
و الحمد للّه أوّلا و آخراً و ظاهراً و باطناً، و الصلاة و السّلام و التحية و الإكرام على صاحب الشّريعة الغرّاء و الحنفية البيضاء خاتم الأنبياء و المرسلين محمّد و على آل بيته أُمناء الوحي و حَمَلة الرسالة، سيّما قطب عالم الوجود صاحب العصر و الزمان بقية الله على الأنام أرواحنا لتراب مقدمه الفداء و جعلنا من شيعته و مواليه و الذابّين عنه بمحمّد و آله.
و أنا الراجي عفو ربّه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني في يوم الجمعة التاسع من رجب المرجّب من سنة 1427 الهجرية القمرية في المشهد المقدّس الرّضوي على ثاويه آلاف التحية و الثناء
__________________________________________________
 [1]- قد راجع- قدّس الله نفسه الزّكيّة- هذه الرّسالة في أواخر حياته الشّريفة و علّق عليها بعض التعليقات المختومة ب- (منه عُفي عنه) و لكن لما رأينا إجمالًا في بعض العبارات و اضطراباً في أداء المقصود و الإشارات فقد علّقنا عليها تعليقات مختصرة موجزة لزيادة الإفادة و الإتقان وهي المختومة ب- (منه عُفي عن جرائمه) و سائر التعليقات من الأفاضل الكرام و أصدقائنا العظام أيّدهم الله بتوفيقاته.
                        صلاة الجمعة، ص: 41
                        الفصل الأوّل: في الرّوايات الواردة في صلاة الجمعة

                        صلاة الجمعة، ص: 43
بسمه تعالى شأنه العزيز
هذه الرّسالة في صلاة الجمعة
أوردت فيها استدلال المذاهب المختلفة
و ذكرت فيها وجوب هذه الفريضة تعييناً في كلّ زمان و مكان‏
بوجوه عديدة و أشرتُ إلى بعض المطالب العالية
و المباحث السّامية ببيان واضح و نسأله تعالى‏
أن يجعلها ذُخراً لى في يوم المعاد
و أنا الرّاجي السيّد محمّد حسين الحسيني الطهراني‏
9 صفر 1372
                        صلاة الجمعة، ص: 45
بسم الله الرّحمن الرّحيم و به نستعين‏
و الصّلوة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا محمّد
و على آله الطيّبين الطّاهرين‏
و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدّين‏
                        الروايات الواردة في صلاة الجمعة

الروايات الواردة في صلاة الجمعة:
صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: الجمعة واجبة على من إن صلّى الغداة في أهله، أدرك الجمعة. الحديث [1]
خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام: إنّما وجبت الجمعة على من يكون على فرسخَين لا أكثر [2].
صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله عليه السّلام عن الجمعة فقال: تجب على من كان منها على رأس فرسخَين فإن زاد على ذلك فليس عليه شي‏ء [3].
__________________________________________________
 [1]- وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 4، ج 5، ص 11، ح 1.
 [2]- المصدر السابق، ح 4.
 [3]- المصدر السابق، ص 12، ح 6.
                        صلاة الجمعة، ص: 46
رواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: ليس على أهل القري جمعة و لا خروج في العيدَين [1].
صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن اناس في قرية، هل يصلّون الجمعة جماعةً؟ قال: نعم يصلّون أربعاً إذا لم يكن مَن يخطب [2].
صحيحة الفضل بن عبدالملك، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السّلام يقول: إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب بهم، جمعوا إذا كانوا خمسة نفر. و إنّما جُعِلَت ركعتَين لمكان الخطبتَين [3].
رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام قال: لا جمعة إلّا في مصرٍ تقام فيه الحدود [4].
موثّقة ابن بُكير قال: سألت أبا عبدالله عليه السّلام عن قومٍ في قرية ليس لهم من يجمع بهم، أيصلّون الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ قال: نعم إذا لم يخافوا [5].
في العيون و العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام قال: فإن قال قائل: فَلِم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الإمام ركعتين، و إذا كانت بغير إمام ركعتين و ركعتين؟ قيل: لعلل شتّى، منها: أنّ الناس يتخطّون إلى الجمعة من بُعدٍ فأحبّ الله عزّ و جلّ أن يخفّف عنهم لموضع التّعب الّذي صاروا إليه. و منها: أنّ‏
__________________________________________________
 [1]- المصدر السابق، باب 3، ص 10، ح 4.
 [2]- المصدر السابق، ح 1.
 [3]- المصدر السابق، ح 2.
 [4]- المصدر السابق، ح 3.
 [5]- المصدر السابق، باب 12 ص 26، ح 1.
                        صلاة الجمعة، ص: 47
الإمام يحبسهم للخُطبة و هم منتظرون للصلاة، و من انتظر الصلاة فهو في الصلاة في حكم التّمام. و منها: أنّ الصلاة مع الإمام أتمّ و أكمل؛ لعلمه و فقهه و عدله و فضله. و منها: أنّ الجمعة عيدٌ و صلاة العيد ركعتان، و لم تقصّر لمكان الخطبتين، فإن قال: فَلِم جعل الخطبة؟ قيل: لأنّ الجمعة مشهد عامّ، فأراد أن يكون للأمير (و في العلل: للإمام كما عن العيون) سبب إلى موعظتهم و ترغيبهم في الطّاعة، و ترهيبهم من المعصية، و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم، و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق [1] الّتي لهم فيها المضرّة و المنفعة، و لا يكون الصائر في الصلاة بل منفصلًا و ليس بفاعل غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة. فإن قال: فَلِمَ جعل الخطبتين؟ قيل: لأنْ يكون واحداً للثناء على الله و التمجيد و التقديس لله عزّ و جلّ، و الاخرى للحوائج و الإعذار و الإنذار و الدّعاء و ما يريد أن يعلمهم من أمره و نهيه و ما فيه الصّلاح و الفساد (ذكر في الوسائل أنّ قوله: «و ليس بفاعل غيره» غير موجود في العيون) [2]
موثّقة سماعة، قال: سألت أبا عبدالله عليه السّلام عن الصلاة يوم الجمعة فقال: أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا لمن صلّى وحده فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة [3].
موثّقة سماعة، قال: سألت أبا عبدالله عليه السّلام عن الصلاة يوم الجمعة فقال: أمّا مع الإمام فركعتان و أمّا من يصلّي وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظّهر
__________________________________________________
 [1]- خ ل: من الأهوال.
 [2]- مصباح الفقيه، ج 2، ص 438، نقلًا عن العلل.
 [3]- وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 6 ج 5 ص 16 ح 8.
                        صلاة الجمعة، ص: 48
يعني إذا كان إمامٌ يخطب، فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة [1].
دعائم الإسلام عن عليّ عليه السّلام أنّه قال: لا يصلح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة إلّا للإمام أو من يقيمه الإمام. و المرويُّ عن كتاب الأشعثيّات مرسلًا: أنّ الجمعة و الحكومة لإمام المسلمين [2].
عن رسالة الفاضل بن عصفور مرسلًا عنهم عليهم السّلام: «أنّ الجمعة لنا و الجماعة لشيعتنا» [3].
أرسل عنهم عليهم السّلام: «لنا الخمس و لنا الأنفال و لنا الجمعة و لنا صفو المال [4]».
في النبويّ: أربع إلى الولاة: الفَي‏ء و الحدود و الجمعة و الصدقات [5].
في النبوّي: أنّ الجمعة و الحكومة لإمام المسلمين [6].
في الصّحيفة السّجّاديّة في دعاء الجمعة و ثاني العيدين: اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع امنائك في الدّرجة الرّفيعة التي اختصصتهم بها، قد ابتزّوها و أنت المُقدّر لذلك ... إلى أن قال: حتّى عاد صفوتك و خُلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين، يرون حكمك مبدّلًا ... إلى أن قال: اللهمّ العن أعداءهم مِنَ الأوّلين‏
__________________________________________________
 [1]- المصدر السابق، باب 5، ص 13، ح 3.
 [2]- مصباح الفقيه، ج 2، ص 438، نقلًا عن دعائم الإسلام.
 [3]- المصدر السابق، نقلًا عن رسالة الفاضل بن عصفور.
 [4]- المصدر السابق.
 [5]- المصدر السابق.
 [6]- المصدر السابق.
                        صلاة الجمعة، ص: 49
والآخرين و مَن رضي بفعالهم و أشياعَهم لعناً وبيلًا [1].
خبر إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان يقول: إذا اجتمع عيدان للنّاس في يوم واحد، فإنّه ينبغي للإمام أن يقول للنّاس في الخطبة الاولى، إنّه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصلّيهما جميعاً، فمن كان مكانه قاصياً فأحبَّ ان يَنصرف فقد أذِنت له [2].
خبر سلمة عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: اجتمع عيدان على عهد أميرالمؤمنين عليه السّلام فقال: هذا يوم اجتمع فيه عيدان، فمن أحبّ أن يجمع معنا فليفعل، و من لم يفعل فإنّ له رخصةً، يعني من كان متنحّيا [3].
خبر الحلبي أنّه سأل أبا عبدالله عليه السّلام عن الفطر و الأضحى إذا اجتمعا في يوم الجمعة فقال: اجتمعا في زمان عليّ فقال: من شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأت، و من قعد فلا يضرّه، و ليصلّ الظُّهر. و خطب خطبتين جمع فيهما خطبة العيد و خطبة الجمعة [4].
موثّقة سماعة الواردة في العيد قال: قلت لأبي عبدالله عليه السّلام متى يذبح؟ قال: إذا انصرف الإمام. قلت: فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلّي بهم جماعة؟ فقال: إذا استقلّت الشّمس، و لا بأس أن تصلّي وحدك، و لا صلاة إلّا مع إمامٍ [5].
__________________________________________________
 [1]- الصحيفة السجّاديّة الكاملة، ص 281.
 [2]- وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، باب 15، ج 5، ص 116، ح 3.
 [3]- المصدر السابق، ح 2.
 [4]- المصدر السابق، ح 1.
 [5]- المصدر السابق، باب 2، ص 96، ح 6.
                        صلاة الجمعة، ص: 50
حسنة زرارة، قال: كان أبوجعفر عليه السّلام يقول: لا تكون الخُطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهطٍ، الإمام و أربعة [1].
حسنة محمّد بن مسلم، قال: سألته عن الجمعة فقال: أذان و إقامة، يَخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر. الحديث [2].
صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين و لا تجب على أقلّ من خمسة منهم الإمام و قاضيه و المدّعى حقّاً و المدّعى عليه و الشاهدان و الّذي يضرب الحدود بين يَدَى الإمام [3].
صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: صلاة الجمعة فريضة و الاجتماع إليها فريضة مع الإمام، فمن ترك ثلاث جمع ترك ثلاث فرائض، و لا يترك ثلاث فَرائض من غير عذر و لا علّة إلّا منافق [4].
صحيحة زُرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: فرض الله على النّاس من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة، منها صلاة واحدة فرضها الله عزّ وجلّ في جماعة، و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة: عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و مَن كان على رأس فرسخَين [5].
صحيحة أبي بصير و محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: إنّ‏
__________________________________________________
 [1]- المصدر السابق، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 2، ص 7، ح 2.
 [2]- المصدر السابق، باب 25، ص 39، ح 3.
 [3]- المصدر السابق، باب 2، ص 9، ح 9.
 [4]- مصباح الفقيه، ج 2، ص 439؛ و وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 2، ج 5، ص 4، ح 8 و 12، مع إختلاف قليل.
 [5]- وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 1، ج 5، ص 2، ح 1.
                        صلاة الجمعة، ص: 51
الله عزّ و جلّ فرض في كلّ سبعة أيّام خمساً و ثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة: المريض و المملوك و المسافر و المرأة و الصبيّ [1].
صحيحة أبي بصير و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: مَن ترك الجمعة ثلاث جمعات متواليات طبع الله على قلبه [2]
صحيحة زرارة قال: قال أبوجعفر عليه السّلام: الجمعة واجبةٌ على [كلّ‏] من إن صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة. و كان رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم إنّما يصلّي العصر في وقت الظهر في سائر الأيّام، كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم رجعوا إلى رحالهم قبل اللّيل، و ذلك سنَّةٌ إلى يوم القيامة [3].
صحيحة منصور عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم، و الجمعة واجبة على كلّ أحدٍ، لا يعذر النّاس فيها إلّا خمسة: المرأة و المملوك و المسافر و المريض و الصبيّ [4].
قول أميرالمؤمنين عليه السّلام في خطبةٍ: و الجمعة واجبة على كلّ مؤمن إلّا على الصبيّ، الخ [5].
__________________________________________________
 [1]- المصدر السابق، باب 1، ص 5، ح 14.
 [2]- مصباح الفقيه، ج 2، ص 440؛ و وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 1، ج 5، ص 5، ح 15، مع اختلاف قليل.
 [3]- وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 4، ج 5، ص 11، ح 1.
 [4]- المصدر السابق، باب 2، ص 8، ح 7، و باب 1، ص 5، ح 16.
 [5]- المصدر السابق، باب 1، ص 3، ح 6.
                        صلاة الجمعة، ص: 52
النبويّ: الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلم إلّا أربعة [1].
النبويّ: من ترك ثلاث جمع متهاوناً بها طبع الله على قلبه [2].
النبويّ: من ترك ثلاث جمع متعمّداً من غير علّة طبع الله على قلبه بخاتم النفاق [3].
النبوّي: لينتهينّ أقوام من [عن‏] ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم ثم ليكوننّ من الغافلين [4].
النبوّي: إنّ الله فرض عليكم الجمعة، فمن تركها فى حياتي أو بعد موتي استخفافاً بها أو جحوداً لها، فلا جمع الله شمله، و لا بارك الله في أمره، ألا و لا صلاة له، ألا و لا زكاة له، ألا و لا حجّ له، ألا و لا صوم له، ألا و لا برّ له حتّى يتوب [5].
حسنة ابن مسلم أو صحيحته عن أبي جعفر عليه السّلام: إنّ الله أكرم بالجمعة المؤمنين، فسنّها رسول الله بشارة لهم و توبيخاً للمنافقين، و لا ينبغي تركها، فمن تركها متعمّداً فلا صلاة له [6].
صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة، و ليلبس البُرد و العمامة، و ليتوكّأ على قوس أو عصى،
__________________________________________________
 [1]- المصدر السابق، باب 1، ص 6، ح 24.
 [2]- المصدر السابق، ح 25.
 [3]- المصدر السابق، ح 26.
 [4]- المصدر السابق، ح 27.
 [5]- المصدر السابق، ص 7، ح 28؛ و في مصباح الفقيه، ج 2، ص 440 ولا وتر له.
 [6]- وسائل الشيعة، أبواب القراءة في الصلاة، باب 70، ج 4، ص 815، ح 3.
                        صلاة الجمعة، ص: 53
وليقعد قعدة بين الخُطبتَين، و يجهر بالقراءة و يقنت في الركعة الاولى منهما قبل الركوع [1].
صحيحة زرارة قال: حثّنا أبو عبدالله عليه السّلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: لا، إنما عنيت عندكم [2].
صحيحة زُرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: على مَن تجب الجمعة، قال: على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقلّ من خمسة أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمَّهم بعضهم و خطبهم [3].
موثّقة ابن بُكير عن زُرارة عن عبدالملك عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال: مثلك يهلك و لم يصلّ فريضة فرضها الله؟! قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: صلّوا جماعة. يعني الجمعة [4].
خبر عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبدالله عليه السّلام: القنوت يوم الجمعة؟ فقال: أنت رسولي إليهم في هذا، إذا صلّيتم في جماعة ففي الركعة الاولى، و إذا صلّيتم وحداناً ففي الرّكعة الثانية [5].
 «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال: يجتمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فصاعداً، و إن كانوا أقلّ من خمسة لم يجتمعوا [6].
__________________________________________________
 [1]- المصدر السابق، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب 6، ج 5، ص 15، ح 5.
 [2]- المصدر السابق، باب 5، ص 15، ح 1.
 [3]- المصدر السابق، باب 2، ص 8، ح 4.
 [4]- المصدر السابق، باب 5، ص 12، ح 2.
 [5]- المصدر السابق، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، باب 5، ج 4، ص 903، ح 5.
 [6]- مستدرك الوسائل، ج 6 ص 11، ح 6298/ 2.
                        صلاة الجمعة، ص: 54
الشيخ جعفر بن أحمد القمّي في كتاب «العروس» عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: لا جمعة إلّا في مصرٍ تقام فيه الحدود [1].
و عنه عليه السّلام أنّه قال: ليس على أهل القرى جماعة و لا خُروج في العيدَين [2].
 «دعائم الإسلام» عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام أنّه قال: تجب الجمعة على من كان منها على فرسخَين إذا كان الإمام عدلًا. [3]
 «الجعفريّات» مسنداً عن الحسين عن أبيه عليهما السّلام قال: قال: العشيرة إذا كان عليهم أمير يقيم الحدود عليهم فقد وجب عليهما [عليهم‏] الجمعة و التشريق [4].
 «الجعفريّات» مسنداً عن الحسين عن أبيه عليهما السّلام قال: لا يصحّ الحُكم و لا الحدود و لا الجمعة إلّا بإمام [5].
 «الجعفريّات» مسنداً عن الحسين عليه السّلام أنّ عليّاً عليه السّلام سُئل عن الإمام يهرب و لا يخلف أحداً يصلّي بالنّاس، كيف يصلّون الجمعة؟ قال: يصلّون أربع ركعات [6].
 «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال: لا جمعة إلّا مع إمام عدل تقيّ. و عن عليّ عليه السّلام أنّه قال: لا يصحّ الحكم و لا الحدود و لا
__________________________________________________
 [1]- المصدر السابق، ص 12، ح 6299/ 1.
 [2]- المصدر السابق، ح 6300/ 2.
 [3]- المصدر السابق، ح 6302/ 1.
 [4]- المصدر السابق، ص 13، ح 6303/ 1.
 [5]- المصدر السابق، ح 6304/ 2.
 [6]- المصدر السابق، ح 6305/ 3.
                        صلاة الجمعة، ص: 55
الجمعة إلّا بإمام عدل [1].
السيّد علي بن طاووس في كتاب «كشف اليقين» عن الثّقة محمّد بن عبّاس في تفسيره عن محمّد بن همام بن سهيل مسنداً عن موسي بن جعفر عن آبائه عليهم السّلام عن رسول الله صلّى الله عليه و آله في حديث المعراج قال: أوحى الله إليه: هل تدري ما الدّرجات؟ قلت: أنت أعلم يا سيّدي. قال: إسباغ الوضوء في المكروهات، و المشي على الأقدام إلى الجمعات معك و مع الأئمة من ولدك، و انتظار الصلاة بعد الصلاة، الخبر [2].
__________________________________________________
 [1]- المصدر السابق، ح 6306/ 4.
 [2]- المصدر السابق، ح 6308/ 6.
                        صلاة الجمعة، ص: 57
                        الفصل الثّاني: أقوال الأصحاب حول مسألة صلاة الجمعة

                        صلاة الجمعة، ص: 59
بسم الله الرّحمن الرّحيم و به نستعين‏
                        والصّلوة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا محمّد

و على آله الطيّبين الطّاهرين‏
و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدّين‏
أمّا بعد، فإنّي لمّا تأمّلت في الروايات الواردة في صلاة الجمعة، و راجعت كتب القوم على قدر الميسور، و نظرت في أدلّتهم الّتي كانوا يستدلّون بها على آرائهم المختلفة، أردت أن أكتب ما قوى بنظري القاصر و بالي الفاتر، كي يكون تذكرة لي عند المراجعة، و تبصرة لغيري، و نسأله جلّ و علا أن يوفّقنا لما يحبّ و يرضى، فأقول و بالله الاستعانة:
لا إشكال في أنّ من تدبّر في هذه الروايات مع كثرة أسانيدها و وضوح دلالتها و اعتبار رواتها، ينبغي أن يحصل له الجزم على أنّ صلاة الجمعة تكون من الواجبات العينيّة التعيينيّة في كلّ زمان كسائر الفرائض، بل من أعظمها، بل لا يكون شي‏ء من الفرائض بهذه المثابة من الأهمّيّة في نظر الشارع، كيف؟!
                        صلاة الجمعة، ص: 60
و هو علامة الإيمان و معرّفه، و قوام الإسلام و شعاره، و عمود الدين و حياته، كما تدلّ على هذا روايات عديدة.
ففي حسنة ابن مسلم أو صحيحه عن أبي جعفر عليه السّلام:
 «إنّ الله أكرم بالجمعة المؤمنين، فسنّها رسول الله بشارةً لهم و توبيخاً للمنافقين، و لا ينبغي تركها، فمن تركها متعمّداً فلا صلاة له» [1]
                        إنّ ترك صلاة الجمعة مساوق لذهاب روح الإسلام و حقيقته‏

فإذَن نستكشف إنّاً، أنّ تركه مساوق لذهاب روح الإسلام و حقيقته، و موجب للتفرقة بين المؤمنين، و لقطع البركات النازلة بها، و لسلب التوفيق لسائر العبادات، بل مطلق الخيرات، و إسوداد القلب و انطباعه كما في النبويّ:
 «إنّ الله فرض عليكم الجمعة فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي استخفافاً بها أو جحوداً لها فلا جمع الله شمله و لا بارك الله في أمره، ألا و لا صلاة له، ألا و لا زكاة له، ألا و لا حجّ له، ألا و لا صوم له، ألا و لا برّ له حتّى يتوب [2]».
و في النبويّ الآخر:
 «مَن ترك ثلاث جُمع متهاونًا بها طبع الله على قلبه» [3].
و في الثالث:
 «من ترك ثلاث جمع متعمّداً من غير علّة، طبع الله على قلبه بخاتم النفاق» [4]
إلى غير ذلك من الروايات التي وردت للحثّ عليها و لذمّ تاركها. لكنّه مع‏
__________________________________________________
 [1]- وسائل الشيعة، أبواب القراءة في الصلاة، باب 70، ج 4، ص 815، ح 3.
 [2]- المصدر السابق، أبواب وجوب صلاة الجمعة و آدابها، باب 1، ج 5، ص 7، ح 28؛ و في مصباح الفقيه، ج 2، ص 440 ولا وتر له.
 [3]- المصدر السابق، ص 6، ح 25.
 [4]- المصدر السابق، ح 26.
                        صلاة الجمعة، ص: 61
ذلك قد حصلت شبهة في وجوبها التعييني لكثير من الأعاظم الأعلام- رضوان الله عليهم- فلم يفتوا عن شدّة ورعهم و احتياطهم بوجوب إقامتها على الإطلاق، زعماً منهم أنّ وجوبها مشروطٌ بوجود الإمام و أنّ إقامتها من مناصب الإمام و مختصّاته، و من العجب أنّ الرسول الأكرم قد أخبر عن ذلك، ففي النبويّ:
 «ليَنتهينّ أقوام من [عن‏] ودعهم [1] الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم ثمّ ليكوننّ من الغافلين» [2].
                        اختلاف العلماء في هذه المسألة إلى أربعة أقوال‏

و اختلف هؤلاء عند عدم إقامة الإمام أو المنصوب من قِبَلِه على أقوال أربعة:
القول الأوّل: أنّها حرام عند عدم إقامة الإمام أو المنصوب من قبله سواء كان ذلك في زمان حضوره عليه السّلام و عدم اقتداره على الإقامة أو في زمان غيبته، و هو ظاهر الشيخ قدّس سرّه في «الخلاف». و حكى عن صريح سلّار و ابن إدريس و «كاشف اللثام» و الشيخ إبراهيم القطيفي و الشيخ سليمان بن أبي ظبية و العلّامة في جهاد «التحرير» و صلاة «المنتهى»، و ظاهر المرتضى في «أجوبة مسائل المحمديّات و الميّارفاقيات» أنّهم ذهبوا إلى الحرمة، و إن ذهب الأخيران في غير هذه الكتب إلى الوجوب التخييري، وكذا نسب القول بالحرمة إلى «كاشف الرموز» و صاحب «رياض المسائل»، و كذا نسب إلى الشهيد في «الذكرى» و لكنّه ليس بصحيح كما يظهر بالتّأمّل في عبارته.
القول الثّاني: أنّها واجبة تخييراً، و لا يشترط في إمامها إلّا شروط مطلق إمام الجماعة من دون اشتراط الفقيه، فتارةً يعبّر بالوجوب التخييريّ و اخرى بالجواز، و ثالثة بالاستحباب المُسقِط للوجوب، و هو صريح العلّامة في «التذكرة»، و الشيخ في‏
__________________________________________________
 [1]- الودع: الترك. (مجمع البحرين، ج 4، ص 400).
2- المصدر السابق، ح 27
                        صلاة الجمعة، ص: 62
 «النهاية» و «المبسوط» و «المصباح»، و المحقّق في «الشرايع» و «النافع» و «المعتبر»، و عن الشهيد في «البيان» و «الذكرى» و «الحواشي»، و العلّامة في «المختلف» و «التذكرة» و «المنتهى»، و كذا عن «جامع الشرايع» و «التلخيص» و «غاية المراد» و «الموجز الحاوي» و «المقتصر» و تعليق «الإرشاد» و «الميسيّه»، و الشهيد الثّاني في «الروض» و «الروضة» و «المقاصد العليّة» و «تمهيد القواعد»، و ظاهر «غاية المراد» و «نهاية الأحكام» و «كشف الغطاء»، و كذا في «الجواهر» و «مصباح الفقيه».
القول الثالث: أنّها واجبة تخييراً مع الفقيه الجامع الشرائط، و هو خيرة الشَّهيد في «اللمعة» و «المقاصد العليّة» و «جامع المقاصد» و «شرح الألفيّة» للمحقق الثّاني و رسالته في الجمعة، و عن «التنقيح» و «فوائد الشرائع» و «الجعفريّة» و «إرشاد الجعفريّة» و «الغريّة» و «الدروس».
القول الرابع: أنّها واجبة تعييناً عند إقامة الإمام أو المنصوب من قِبَلِه، و مستحبّة عند عدم قيام أحدهما، و لا يجتزي بها عن الظهر، هذا و قد ذهب بعض الأعلام من المتأخّرين، [1] و بعض السادة من أساتذتنا إلى أنّها واجبة اجتماعاً لا عقداً بمعنى أنّ أصل عقدها لم يكن واجباً تعييناً، ولكنّه على فرض عقدها و تحقّقها يجب السعي للجميع و حضورهم، و ربّما نسب إلى الشهيد في «غاية المراد» و الفاضل المقداد في «التنقيح» القول بأنّ عقد الجمعة و الاجتماع إليها مستحبّ لكنّه بعد العقد و الاجتماع يتعيّن الجمعة، فهذا قول آخر، فعلى هذا أنّ جميع الأقوال على ما ظفرنا إليها سبعة.
__________________________________________________
 [1]- و هو العلّامة الحاج السيد ابوالقاسم الخوئي مد ظلّه و ان ذهب اخيراً في مجلس بحثه على ما نقل عنه إلى الوجوب التخييري عقداً و اجتماعاً. (منه عُفي عنه، في 18/ ج 1/ 1399 الهجريّة القمريّة)
                        صلاة الجمعة، ص: 63
                        الفصل الثالث: في أدلّة القول المختار

                        صلاة الجمعة، ص: 65
بسم الله الرّحمن الرّحيم‏
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المذهب المنصور عندنا كما أشرنا إليه هو الوجوب التعييني إلى يوم القيامة بلا شرط في وجوبها و لا في عقدها بإقامة الإمام أو المنصوب من قبله [1]، و الدليل على هذا امور:
__________________________________________________
1- صلاة الجمعة واجبة مطلقةً لا مشروطة بوجود الإمام أو المنصوب أو الفقيه الجامع المبسوط اليد في الحكومة الشّرعيّة لكنّها لا تصحّ إلّا بإقامة الإمام أو مَن يحذو حذوه و مَثَلُها كَمَثَل صلاة الظهر بالنسبة إلى الطهارة لا مثل الحج بالنسبة إلى الاستطاعة، فعلى المسلمين النهوض و القيام للحكومة الشرعيّة و إيجاد اقتدارٍ و بسطٍ للحاكم كى يتمكّن من الإقامة الّتي هى من مناصبه، فالمسلمون آثمون في تركها مطلقاً، و إن أقامها غير الحاكم لا تصحّ صلواتهم، بل لابدّ و أن يوجدوا ما هو مقدّمةٌ لها في الصّحّة و الإيجاد و هو القيام للحكم الشرعى بحيث يقتدر الحاكم من القضاء و إجراء الحدود و ما شابههما، فلا تغفل (منه عُفي عنه، في 18/ ج 1/ 1399)*
*- لا يخفى أنّ ما أفاده- رضوان الله عليه- من الحكم بالوجوب التّعييني لصلاة الجمعة في كلّ حال و زمان كلام متين تامّ لا تعتريه أيّ شبهة و ضلال لكنّ تنظيرها بمسألة وجوب الصلاة بالنسبة إلى الطهارة حيث حكم بوجوبها إطلاقاً و باشتراط صحّتها بتحقّق الحكومة الشّرعيّة و
                        صلاة الجمعة، ص: 66
__________________________________________________
استعدادها لإجراء الحدود و القضاء محلّ تأمّل و إشكال لاقتضائه انهدام البناء و رفع اليد عن إطلاقيّة الوجوب بالنّسبة إليها لعدّة وجوه:
الأوّل: أنّ المايز بين الواجب المشروط و المطلق هو عدم اختيار المكلّف لتحصيل بعض الشروط و الظروف لإيجاد الواجب في الأوّل، و اختياره و استعداده لهذا في الثاني. فالشّارع حين العقد إذا اعتبر تحصيل المكلّف به في ظرف خاصّ كدخول الوقت بالنسبة إلى الصلاة، أو شرط كالاستطاعة للحجّ فمن حيث إنّ تحصيل هذه المسائل خارج عن إرادة و استعداد المكلّف و لو من بعض الجهات، فهذا التكليف يعدّ مشروطاً بالنسبة إليها، و إذا لاحظ التكليف مطلقاً بالنسبة إلى بعض الشروط و الظروف في الوقت الذي يكون المكلّف قادراً على إتيانه على أيّ حال كالصلاة بالنسبة إلى الطهارة و لبس الطاهر و الاستقبال و ... فيعدّ هذا مطلقاً.
إذا عرفت هذا فاللازم علينا تطبيق هذه القاعدة على ما نحن فيه من لحاظ الشارع صلاة الجمعة مطلقاً من أيّ شرط و ظرف للإقامة و لحاظ صحّتها و أداء الذّمّة على الإتيان بها في أزمنة الحكومة الشّرعيّة، و بدون تحصيل هذه المسألة لا تقبل الصلاة و تبطل مطلقاً كما اعترف به المؤلِّف قدّس الله سرّه استناداً إلى ما أشارت إليه الرّوايات في الباب مع اضطراب الفحوى و رعاية الجمع بينها. و من البديهى- أشدّ البداهة- أنّ مسألة إيجاد الحكومة الشرعيّة مسألة اجتماعيّة لا شخصيّة، فبقيام الواحد أو الاثنين أو أكثر لا يتحقّق هذا المهمّ بل يحتاج إلى عِدّة و عُدّة و لزوم الحركة و قيام اجتماعى بكمّيّة كبيرة و ضخمة من جهة، و مساعدة الظروف و الحوادث غير الاختياريّة من جهة اخرى كما يشهد به الوجدان و التاريخ في طول الأزمنة و الأعصار و عدم توفيق جلّهم في الظفر بهذه الغاية، بل لا نرى حصول نتيجة لهم إلّا نادراً و قليلًا جدّاً جدّاً في بعض الأحيان، و هذا ليس من تساهل الشيعة و استبطائهم و إجمالهم لهذه المسألة إطلاقاً، بل لعدم اختيارهم و قدرتهم على تحصيله، فكيف يمكن لنا أن نحكم بوجوب صلاة الجمعة في هذه الأحوال؟!
الثاني: الواجب المطلق واجب في كلّ الأحوال و السنين و الشرائط، فإذا فرضنا أنّ الصّبيّ المراهق وصل إلى حدّ البلوغ، فبمجرّد البلوغ تجب عليه الصلاة من دون اشتراط بشرط و أمّا إذا قلنا إنّه يجب عليه أداء الصلاة في ظرف استقرار الحكومة الشرعيّة، فهل يمكن أن يصل إلى هذا المطلب بيوم أو ليلة؟ أو هل من اللازم عليه أن يصرف أيامه و سنينه بل و عشرات السنين في تحصيل الحكومة؟ ففى هذه الفترة ما حكمه بالنسبة إليها، أهى واجبة و إن لم تحصل له الحكومة؟ فهذا ينافي اشتراط الصحّة، أو ليست بواجبة؟ فهو ينافي إطلاقيّة الوجوب في كلّ الأحوال إلى يوم القيامة! فهل يعدّ عاصياً كما اعترف به المؤلِّف قدّس سرّه مع قيامه بالتكليف؟ و هل هذا إلّا التزام بالتناقض في ترتّب العقاب و الثواب؟! و هل التكليف بالصلاة في هذه الفترة تكليفاً اختيارياً ليس خارجاً عن عهدته و قدرته؟ و كذا الكلام بالنسبة إالى سائر الأفراد في البقاع المختلفة و الظروف المتشتّتة.
الثالث: أنّ الحوادث و الظروف لم تسمح للأئمّة عليهم السّلام القيام بإيجاد الحكومة الشرعيّة إلّا في الفترة الأخيرة لحياة أميرالمؤمنين عليه السّلام، فلو كان الوجوب مطلقاً لوجب عليهم القيام بأيّ نحو كان مع أنّا نرى عدم الإقدام منهم عليهم السّلام، بل إنكارهم الشديد و رفضهم لذلك كما وقع عن الإمامين الصّادق و الرّضا عليهما السّلام، بل نهيهم لأصحابهم لأجل التّقيّة كنهى الكاظم عليه السّلام هشام بن الحَكَم و المعلّى و غيرهما، و ها بأيدينا هذه الأحاديث المؤكّدة في التقيّة والنهى البليغ عن القيام و الإقدام بهذه التعابير عن العنيفة الكاشفة عن المبغوضيّة في نظر المعصوم عليه السّلام بحيث لا يمكن لأحد إنكارها إلّا للمكابر الجاحد.
الرابع: أنّه لا علاقة بين الالتزام بوجوب الصلاة مطلقاً و اشتراطها كذلك في الصحّة و الإجزاء كما يفهم من الاختلاف في الروايات في ذلك، و سنوضِّح لك بمزيد من البيان إن شاء الله. (منه عفا الله عن جرائمه).
                        صلاة الجمعة، ص: 67
                        الدّليل الأوّل من أدلّة القول المختار: الكتاب الشريف‏

الأوّل: الكتاب، و هو قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [1] وجه الاستدلال أنّه تعالى أوجب السعى إلى صلاة الجمعة عند النداء، و من المعلوم أنّ السعى مقدّمة لها سواء كان المراد به المشى سريعاً أو شدّة الاهتمام بها، و لا معنى لإيجاب المقدّمة دون ذيها، مضافاً إلى أنّ التعبير بمثل السعى و نظائره كالتسريع دلّ‏
__________________________________________________
 [1]- سورة الجمعة (62) الآية 9.
                        صلاة الجمعة، ص: 68
على لزوم شدّة الاهتمام بالمقدّمة خوفاً من عدم الإتيان بها على وجهها كى لا توصل إلى ذي المقدّمة، فالآية تدلّ على وجوب صلاة الجمعة بأبلغ وجه [1] هذا مع أنّ الله تعالى نهى عن البيع عقيب إيجابه السعى، و من المعلوم أنّ هذا النهى إرشاديٌّ يدلّ على عدم جواز كلّ ما كان منافياً للصلاة، و هذا أيضاً ممّا يدلّ على شدّة أهمّيّة هذه الصلاة عند الشارع و إلّا فنفس إيجاب الصلاة كافية للمنع عن الإتيان بالمنافيات عقلًا، و لعلّ تخصيص البيع بالذكر لمكان أنّ عمدة اشتغال الناس في امور دنياهم ممّا فيه منفعتهم هو البيع و المبادلة، أو لمكان أنّ التجّار لمّا أوردوا أمتعتهم في المدينة يضربون بالطبل كى يطّلع الناس على ورودهم فيقبلون على شرائها فلذا عقّبه سبحانه بقوله: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا الخ. و على كلّ حال تكون دلالة الآية على الوجوب ممّا لا يكاد يخفى لكنّ القائلين بالعدم أوردوا على الاستدلال بها بوجوه:
منها: أنّه علّق في الآية وجوب السعى على النداء، و التّعليق إنما هو بكلمة
__________________________________________________
1- لا شكّ أنّ وجوب المقدّمة من ناحية وجوب ذيها، فالأمر بها بعد الفراغ عن وجوب التكليف يدلّ على شدّة الاهتمام كما قال به قدّس سرّه كالأمر بالقيام و الاستعداد السفر للحجّ و أداء الزكاة و القيام إلى الجهاد و هكذا.
فعلى هذا صرف التأكيد و الأمر من الشارع على القيام بمقدّمات هذه التكاليف لا يدلّ على وجوب ذيها مطلقاً بل ساكت عن هذا المقام مثل أمر الشارع بلزوم تحصيل الطهارة لصلاة الزّوال لا يدلّ على وجوبها مطلقاً بالنسبة إلى الزّوال بل هو مشروط. فاستفادة الإطلاق من الآية على وجوبها محلّ إيراد، و لا فرق بين الإطلاق و الشمول إلّا من حيث الأدوات و الأوزان كما قرّرناه في الاصول. فالآية من هذه الجهة ساكتة (منه عُفي عن جرائمه).
                        صلاة الجمعة، ص: 69
                        الإشكالات الواردة من جانب القائلين بعدم الوجوب و الجواب عنها

 «إذا» و ليس لها عموم كى يدلّ على أنّه كلّما نودي للصلاة يجب السعى إليها، بل إنّها موضوعة لبيان التوقيت على وجه الإهمال.
و فيه ما لا يخفى لأنّها و إن لم توضع للعموم ولكن لا مجال لإنكار الإطلاق فيها لتماميّة مقدّماته، كيف و لو لم تكن مطلقة تُخرِج الآية من كلام الحكيم؟! مضافاً إلى أنّ إنكار الإطلاق في نظائر هذا المورد مستلزم لتعطيل جلّ من الاحكام بل كلّها إلّا ما شذّ و ندر موجب للخروج عن الدين، لأنّ مدارك غالب الأحكام إطلاقات لا تزيد عن هذا الإطلاق قوّةً [1].
و منها: أنّ وجوب السعى مشروط بالنداء و من المعلوم أنّ المراد منه ليس كلّ نداء و لو من قبل خلفاء الجور كمعاوية و يزيد لعنهم الله بل المراد منه نداء خاصّ و هو النّداء مع النّبيّ و الأئمّة عليهم السّلام، و قرينة أنّ المراد منه إرادة خصوص المعصوم أنّ الأمر بالسعى الدالّ على الوجوب لا يكون إلّا في زمانهم عليهم السّلام لأنّ الأصحاب لا يقولون بالوجوب تعيينًا حال الغيبة بل غايتهم القول بالوجوب التخييريّ.
__________________________________________________
1- قد مرّ منا آنفاً مساوقة الإطلاق مع العموم في شمول الأدلّة لكلّ فرد من أفراد التكليف بلا فرق في تحصيل رضى المولى و تحقيق غرضه، كما أنّ العموم لا يدلّ على كيفيّة حصول الوجوب و شرائطه، بل يدلّ على الإتيان به باستقرار الأفراد في الأزمنة و الأحوال، فكذلك المطلق طابق النعل بالنعل، فالآية و إن دلّت بإطلاقها على وجوب الإتيان بها وقت النّداء لكن لا تدلّ على كيفيّة وجوبها حسب الشرائط و الظروف و الأحوال، فهى بهذه الحيثيّة مهملة و لا فرق في هذا المقام بين العموم و الإطلاق حتّى لو قلنا بدلالة لفظ «إذا» على العموم، فتدبّر. (منه عُفي عن جرائمه).
                        صلاة الجمعة، ص: 70
و فيه [1] أنّ المراد بالنّداء هو دخول الوقت، فهو كناية عنه بشهادة الفهم العرفى، كما أنّ أمثال هذه الكنايات الواقعة في كلامهم أمارةً عن أوقات خاصّة كثيرةٌ جدّاً، و يدلّ على هذا أنّا نقطع أنّه لو لم يُؤَذِّن المؤذّن و لم ينادِ المنادي في زمن النّبيّ و الأئمّة عليهم السّلام نسياناً أو غفلةً أو عصياناً مع بنائهم عليهم السّلام على عقدها لما انتفى الوجوب، و هذه قرينة على عدم خصوصيّة في التعليق على النداء، و لذا ذهب جمع كثير إلى وجوب الأذان لصلاة الجمعة كفايةً كى يطّلع الناس على دخول الوقت فيسارعون إليها، هذا مضافاً إلى أنّه يجب الحضور إلى الجمعة لمن كان بَعُد عنها بفرسخَين، و من المعلوم أنّ مَن كان بعيداً عنها بهذا المقدار لا يتمكّن من السّعى عند النداء، بل لابدّ و أن يسعى إليها أوّل الصبيحة كى يصل إلى الجمعة عند الوقت، و لذا صرّح في الرواية بأنّها واجبة لمن كان إن صلّى الغداة في أهله يتمكّن من الحضور للجمعة، و بالجملة أنّ ما أجبنا هو الجواب الصحيح عن هذا الإشكال.
و لكنّ بعض الفقهاء المعاصرين [2] تصدّوا لجواب آخر: و هو أنّ النداء في الآية مطلق و الشارع جعل الملازمة بين وجوب السعى و بين طبيعة النداء أيّاً ما كان، و إنّما يكون نداء النبيّ و الإمام من أحد مصاديقه غاية الأمر أنّه لو تصدّي لإقامة الجمعة مَن لم يكن له أهليّةٌ لها كمن كان يقدّم على الإمام يكون نداؤه خارجاً عن إطلاق النداء للقطع بحرمة التقدّم على المعصوم بالضرورة من المذهب،
__________________________________________________
1- هذا خلاف الظهور و المتفاهم من النداء في الآية الشريفة، بل الأقرب عند دوران الأمر بين الوجوه إذا لم نقل بأنّ المراد منه هو خصوص الأذان كما نبّه عليه المؤلّف قدّس الله سرّه هو القيام بإقامة الصلاة في المدن و البلدان سواء كان في زمن الأئمّة عليهم السّلام أو غيره كزماننا هذا، و بيانه: هذا مضافاً إلى أنّه ... يؤيّد ما قوّيناه من الوجه المختار. (منه عفا الله عن جرائمه).
 [2]- هو الشيخ محمّد رضا الإصفهاني مدّ ظلّه.
                        صلاة الجمعة، ص: 71
لكنّه غير جيّد لأنّا لو التزمنا بإطلاق النداء لزم خروج أفراد كثيرة منه و لم يبق في الملازمة إلّا أفراد نادرة منه جدّاً [1]، مثلًا إذا نادى إلى الصلاة كاذب أو ناسٍ عن الجمعة أو غافلٌ أو كان النداء من قِبَل الفاسق أو الجائر أو لإقامة اخرى فيما دون الفرسخ سواء كان في زمان المعصوم أو غيبته فلا إشكال في عدم وجوب ترتيب الأثر على هذا النداء، و ينحصر وجوب ترتيب الأثر على نداء مَن كان له أهليّة للإقامة و هو المعصوم أو العدول على تقدير وجوبها التعيينيّ، و لا يخفى أنّ جعلَ الملازمة الواقعة في مقام الثبوت بين وجوب السعى و بين نداء من كان له أهليّة للإقامة مع التعبير عن الملازمة في مقام الإثبات بين وجوب السعى و بين مطلق النّداء الذي كانت سعته بهذا المقدار من المستهجن، غايته فلا مناص إلّا بأن يقال: إنّ الظاهر من الكلام هو نداء مَن كان له أهليّةٌ، و هذا القيد من قبيل القرائن المتّصلة العقليّة الّتي تمنع الكلام عن انعقاد ظهوره في الإطلاق، فعلى هذا لو خلّينا و أنفسنا لا يمكن استفادة وجوب السعى في زمن الغيبة عند إقامة من كان بصفات أئمّة الجماعة من نفس الآية، بل لابدّ و أن ينظر في دليل آخر و تشخيص أهليّته لذلك‏
__________________________________________________
1- لكنّ الإنصاف خروج هذه المصاديق موضوعاً لعدم كون هذه الموارد مراداً جدّيّاً من متكلّم عاديّ فكيف بالمولى الحكيم؟! فعلى هذا لا يبقى تحت هذا المفهوم إلّا ندائَين: أحدهما من الحاكم العادل، و الثاني من الجائر الفاسق، فالتّخصيص في غير محلّه، و مع ذلك يمكن إن يقال: انّ تعقيب الأمر بالسعى إلى ذكر الله يشعر بإقامة ذكر الله و إحياء الشعائر الإسلاميّة، و من البديهى أنّه لا يتحقّق إلّا في الحكومات الشرعيّة أو ظروف غير خاضعة للجبابرة و الظَّلَمة في علاقتهم بشريعة الوحى و أهل بيت النّبوّة صلوات الله عليهم أجمعين، فالآية من ابتداء الأمر غير مطلقة بالنسبة إلى نداء أهل الظلم و الفسقة كما أشار إليه المؤلّف قدّس الله سرّه. (منه عفا الله عن جرائمه).
                        صلاة الجمعة، ص: 72
كما أنّ الآية بمنطوقها لا تدلّ على أنّ المراد من النداء نداء من قبل المعصوم، بل المراد أنّ نداء المعصوم من مصاديق نداء من كان له أهليّة له للضرورة من المذهب على أنّ المعصوم يكون أهلًا له، و من ذلك يُعلم أنّ ما ذكره بعض المعاصرين [1] في رسالته و سمعت منه قدّس سرّه مشافهةً من دلالة الآية عقلًا على حرمة صلاة الجمعة في زمان الغيبة غير سديد.
بيان ذلك: أنّه قدّس سرّه استدلّ على حرمتها بأنّ المراد من النّداء في الآية حين نزولها هو خصوص النّداء من قبل النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم فلو نادى أحد للصلاة مع غيره لم يجب إجابته بل تحرم، فكما تحرم في حضوره تحرم مع غيبته لأنّها خلاف للكتاب.
وجه الفساد، أوّلًا: ما ذكرنا من عدم اختصاص النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم في كونه منادياً للصلاة. و ثانياً: أنّ حرمة نداء غيره مع حضوره إنّما هو بدليل آخر و هو حرمة المزاحمة مع النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم بالضرورة من المذهب. و أين هذا من دلالة الآية على حرمة إقامة غيره في زمان الحضور، فلذا لو لم يحضر النبيّ أو الإمام للجمعة لمصلحة يجب الحضور لغيره [2]، بل الآية تدلّ على وجوب السعى عند النداء إذا كان من قِبَل مَن كان له أهليّة له، و في زمان الحضور دلّ الدّليل عل حرمتها تقدّماً للمعصوم و ليس هذا الدليل في زمان الغيبة [3].
__________________________________________________
3- و في زمان الغيبة دلّ الدليل على حرمة التقدّم على المجتهد الجامع للشرائط الباسط اليد أو المنصوب من قِبله (منه عُفي عنه)*.*- هذا إذا صدق كون القيام بصلاة الجمعة تقدّماً على الإمام عليه السّلام أو المجتهد الجامع بأن تقام الصلاة بدون الإذن منهما و رضاهما و إلّا فلو أقامها أهل قرية من غير تعارض معهما بل كان في طريق المتابعة و الانقياد فلا يعدّ تقدّماً. (منه عُفي عن جرائمه)
 [1]- السيّد ميرزا هادي الخراساني رحمه الله.
 [2]- إذا علم رضاهما بإقامته (منه عفى عنه).
                        صلاة الجمعة، ص: 73
                        اختلاف الأصحاب في قضيّة القيام بإيجاد الحكومة الإسلاميّة (ت)

هذا كلّه على تقدير موضوعيّة النداء لوجوب السعى و قد عرفت ضعفه [1].
__________________________________________________
1- و الّذي ظهر لنا بعد التأمّل هو أنّ النّداء إنّما هو الإعلان و الإعلام للحضور و الجماعة سواءٌ كان من طريق الأذان أو من غيره؛ كما كان الدّأب في زمن النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم عند ما تحدثُ حادثة يلزم فيها حضور الجماعة و اجتماعهم عنده ينادي منادٍ من قِبَلِه صلّى الله عليه و آله و سلّم: الصلاة جامعة. فيحضر الناس عنده في المسجد فيصعد المنبر و يخطب و ينبّئهم بما أراد من التّنبيه في امورهم؛ فإذَن يكون المراد من النداء هو الإعلان من قِبَل من كان له أهليّة له، فالآية تدلّ فقط على وجوب السعى فيما إذا أقام الجمعة الإمام أو المنصوب من قِبَلِه خصوصاً، أو من أدلّة النّيابة و الخلافة العامّة عموماً كالمجتهد الجامع الباسط اليد في الحكومة الشّرعيّة الإسلاميّة، أو عند النهضة و القيام لهذه الحكومة. و أمّا وجوب الصلاة عند عدم إقامة الإمام أو الفقيه الباسط اليد لأجل غلبة حكومة الجور و الخلاف و عدم التّمكّن منها يستفاد من دليل آخر و هو الإطلاقات و النّصوص الصّريحة العامّة المؤذنة للوجوب، فلا مناص للمسلمين من قيامهم للعدل و إقامتهم الحكومة الشرعيّة كى يتمكّن الحاكم من إقامة القضاء و الحدود و الجمعة فيتمكّنون من الصلاة الواجبة المطلقة المشروط وجودها بإقامة الإمام أو نائبه لا وجوبها*. (منه عُفي عنه).**
*- اعلم أنّ ما أفاده- رضوان الله عليه- في هذه التّعليقة في أواخر حياته الشريفة الطيّبة يناقش ما قد سبق منه بالنّسبة إلى النّداء، و يؤيّد ما قوّيناه من إرادة القيام بإقامة الصلاة آنفاً و الأمر سهل إلّا أنّ دلالة الآية على إقامة الإمام أو المنصوب من قِبَلِه محلّ تأمّل بل منع، لعدم وجود أيّ إشارة إلى هذه النّكتة إلّا ما ذكرنا في التّعليقة من الغرض في إحياء الشعائر الإسلاميّة و ذكر الله تعالى، و هو كما يتحقّق من قِبَل الإمام عليه السّلام أو الفقيه الجامع لشرائط الحكومة فكذلك يتحقّق من قِبَل غيرهما إذا كان من الطائفة المحقّة و كان على الولاء؛ فالقول بدلالة الآية
                        صلاة الجمعة، ص: 74
__________________________________________________
على وجوب الإقامة إمّا من قِبَل الإمام أو الفقيه بالنيابة عنه غير موجّه و الله العالم. (منه عُفي عن جرائمه)
اختلاف الإصحاب في قضية القيام بإيجاد الحكومة الإسلاميّة (ت)
**- اعلم أنّ قضيّة القيام بإيجاد الحكومة الإسلاميّة لا يزال مطروحاً في الكتب بين الفحول و الأعلام و مورداً للنّقض و الإبرام فَمِن مثبت مبرمٍ قائلٍ بوجوبه من غير تعلّقه بأيّ شرطٍ و تهيئة أيّ ظرف و استعداد للمجتمع متّكئاً على أدلّة الوجوب بإقامة العدل و رفع الظلم و تحقيق المعروف و إمحاء المنكر من الآيات و الروايات و هى على إطلاقها المدّعي كثيرة متضافرة، و من منكر رادعٍ لا يري لإنجاز هذه المسألة أيّ مجال و موقعيّة في عصر الغيبة و يرفضها بأشدّ
الرّفض و النكير، بل لا يري الإقدام و القيام بها إلّا إقداماً على المهلكة و ارتكاباً للحرام و إهراقاً لدماء الأبرياء و زيادة في الفتنة و المصيبة و الشدائد، و هو يري أنّ القيام بهذه المسألة يختصّ بالإمام المعصوم عليه السّلام و هو من مناصبه الخاصّة لا يجوز لأحد التّعدّي عليها و التّجاوز لحدودها مستنداً إلى أدلّة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و رعاية شرائطها و شروطها كما رُوي عن المعصومين عليهم السّلام في الرّدع عن القيام و معارضة الحكومات الجائرة في زمن الغيبة، و ظاهر كلام المؤلِّف قدّس الله سرّه الميل إلى الوجوب و الإقدام مهما أمكن و عدم الوقوف و المماشاة مع أئمّة الكفر و الإلحاد، بل صرّح بأنّ المسلمين آثمون من هذه الجهة حتّى يصلوا إلى النّتيجة المطلوبة. لكنّ التحقيق في المسألة يقتضي بياناً أبسط حسب رعاية هذا الموجز من غير اختصار مخلّ و لا تطويل مملّ.
فنقول و الله العالم بحقائق الامور: لا شكّ أنّ القيام بالعدل و إمحاء الباطل من أهمّ الفرائض و آكدها المشار إليها في الكتاب و السنّة كما قال الله تعالى:
 (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير و يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر سورة آل عمران (3) الآية 104) و من أبرز مصاديقه القيام بانعقاد الحكومة الإسلاميّة حيث يكون القانون في المجتمع، و الذّي عليه المدار في تعامل المجتمع و الامّة هو القانون الإسلامى المشرَّع من ناحية الله تعالى، و هذا أمر واضح لا يعتريه الشّبهة و الرّيب، كما أنّ العقل حاكم بإنجازه بلا احتياج إلى دليل آخر، و بعبارة اخري: هى من القضايا التي قياساتها معها.
ولكنّ المطلب في هذا المجال هو حصول النتيجة و الظّفر بالمطلوب عقيب القيام و الحركة و
                        صلاة الجمعة، ص: 75
__________________________________________________
الوصول إلى الغاية و المقصد الأعلى، و للتأمّل في هذا المطلب مجال واسع حسب ما تقتضيه الحوادث و الوقايع الخارجيّة و القضايا التّاريخيّة و الآثار المرويّة عنهم عليهم السّلام. فمن البديهىّ أنّ الله تعالى علّق عالم التّشريع و التّربية على اختيار النّاس في أفعالهم و لم يجعلهم مجبولين على الجبر و العمل على وتيرة واحدة بحيث يكونوا مسلوبي الإرادة و الاختيار و لا على جرى الامور و المسائل بواسطة غلبة القوى السماويّة و العوامل الغيبيّة في كلّ شى‏ء و موطن و موقف، و هذا واضح، و من ناحية اخري فإنّ الناس بالنّسبة إلى مدارج الإيمان و آثاره و لوازمه من الإنفاق و بذل المال و النفس و التّشبّث و الصّبر في المصائب و الشّدائد و الأهوال ذوو مراتب مختلفة و درجات متفاوتة، فعلى هذا الذّي رأيناه في التاريخ و نشاهده عياناً و نشعر به بالوجدان هو عدم تحقّق هذه الفريضة الإلهيّة بعد زمن النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم من القيام بالوظيفة الشرعيّة و إثبات الخلافة لصاحبها المنصوب من قبل الله تعالى، بل القيام باغتصاب الحكومة من قِبَل الأراذل و السفلة و اعتزال أميرالمؤمنين عليه السّلام عن الناس و التزام بيته و تفرّق أصحابه عنه، فكيف يا ترى بالأجانب و سائر الأفراد إلّا قليل لا يتجاوزون الخمسة؟! و استمرار هذا الحال إلى خمس و عشرين سنة، فالسؤال الذّي يطرح نفسه هيهنا هو
مَنِ الآثم و العاصى في هذه الأوقات؟ و مَنِ المتمرّد قبال أوامر المولى؟ و من المسؤول عن عدم تحقّق الخلافة و الحكومة الشرعيّة عند صاحبها؟ هل هو سلمان و عمّار و أبوذرّ و مقداد، أم سائر الأفراد من المسلمين و الأصحاب؟
وإذا التزمنا أنّه يجب القيام أمام الحكومة الجائرة و مقاتلتها مهما أمكن و في أيّ لحظة و فرصة فأوّل مَن رفض هذه الوظيفة و لم يعمل بواجبه هو أميرالمؤمنين عليه السّلام (نعوذ بالله) حيث اكتفي بصرف البيان و النصيحة و لم يقم بشى‏ء عنيف من القتال و الجهاد و الضّرب و النّهب إلى غير ذلك حتّى أنّه منع أصحابه من القيام بأزيد من البيان و الدّلالة بالكلام، فهذا أمر لا يقبله ذو مسكنة كيف و هو إمام المؤمنين و يعسوب الدّين و قائد الغرّ المحجّلين و اسوة العارفين و من اقتدي به نجا و من تخلّف عنه هلك.
وهكذا بالنّسبة إلى الإمام المجتبى عليه السّلام حيث أمر أصحابه في مواجهة العدوّ بالصبر و الاستقامة و عدم القيام و الإقدام أمام الطاغية الملعون، و كذا كان أخيه الحسين عليه السّلام حيث عاش عشر سنوات مع هذا الطاغى اللعين و لم يقدم على شى‏ء، و كذا سائر الأئمّة حتّى زمن الغيبة لم يقوموا بهذه الفريضة أبداً مع نهيهم البليغ و رفضهم الشّديد عن الإقدام أمام خلفاء الجور كما يشهد به صريح الرّوايات عنهم و الأمر بالتّقية و إبراز الأسف و الألم الشّديد عند مشاهدتهم خلاف التّقيّة من أحد أصحابهم كهشام بن الحكم و المعلّى.
كل هذه المسائل تدلّ أشدّ الدّلالة و الوضوح على عدم الرّضا منهم عليهم السّلام بالقيام في هذه الظروف، بل وقع من بعضهم التصريح بأنّ القيام موجب لزيادة حزننا و ألَمنا و كراهيتنا. فعلى هذا نقطع بأنّ التمرّد و المخالفة عند أمر الإمام عليه السّلام بالقتال أمام الفسقة كأمر أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السّلام لمّا كان حراماً قطعاً، فكذلك التمرّد و المخالفة عند نهى الإمام عليه السّلام كقضيّة الإمام المجتبى مع معاوية لعنه الله تعالى، و كذلك قضيّة الإمام عليّ عليه السّلام في أثناء الحرب مع معاوية حيث أمر مالك بالكفّ عن القتال و رجوع العسكر عند غلبة مكر الشّياطين و خِدَع الفسقة و اغترار بعض أصحابه و التّضييق عليه بالكفّ عن القتال كان حراماً قطعاً.
وما نقل عن بعض الأعلام من أنّ هذه الرّوايات تدلّ على النهي منهم عليهم السّلام عند إعلان الجماعة و رفع رايات القيام باسم راية المهدى المنتظر عجّل الله فرجه، و لا تدلّ على حرمة القيام عند سائر الرايات و الإعلام من قِبَل الشيعة كلّ هذا ليس في محلّه، لأنّ فحوى الرّوايات آبية عن مثل هذا التوجيه و ما شابهه و هى صريحة في ما بيّناه بلا كلام.
وعلى أيّ حال فالمحصّل من صريح الآيات في وجوب إقامة العدل و رفع الباطل و الرّوايات في ذلك و من سائر الرّوايات في لزوم الصّبر و التثبّت و عدم الوقوع في المهلكة و شهادة التّاريخ في منهج الأئمّة المعصومين عليهم السّلام مع الطّغاة و الكفرة هو وجوب تحقيق الحقّ و
إمحاء الظلم بقدر الاستطاعة و الإمكان، و بحسب ما تسمح الظروف و الشرائط، فإنّ لإقامة العدل و إمحاء الظلم مراتب في الإنجاز كما حقّق في محلّه، فالقول بأنّ إقامة الحكومة الشّرعيّة ليست من وظائفنا ليس في محلّه كما أنّ إيجاب هذه المسألة في كلّ ظرف و مجال و لو بلغ ما بلغ غير موجّه و الله هو العالم بحقائق الامور. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 76
                        الإشكالات الواردة من جانب القائلين بعدم الوجوب و الجواب عنها

منها: أنّ الاستدلال بالآية دورىّ، لأنّ مشروعيّة الصلاة معلّقة على مشروعيّة
                        صلاة الجمعة، ص: 77
النداء، و مشروعيّة النداء متوقِّفة على مشروعيّة الجمعة للقطع بأنّها لو لم تكن مشروعة لم يصحّ النداء لها أيضاً، و فيه ما ذكرنا آنفاً من أنّ النداء كناية عن دخول الوقت فلا إشكال. [1]
و قد أجاب الشهيد الثّاني في رسالته بجواب آخر و حاصله: أنّ الأمر بالسعى معلّق على مطلق النداء للصلاة الصالح لجميع أفراده و خروج بعض الأفراد بدليل خارج و اشتراط بعض الشرائط فيه لا ينافي أصل الإطلاق، و كلّ ما يدلّ دليل على خروجه فالآية متناولة له و به يحصل المطلوب، و فيه ما ذكرناه آنفاً من أنّ المراد من النداء في الآية ليس النداء على الإطلاق يقيناً [2].
و قد أجاب في الحدائق بجواب آخر:
و هو أنّ المنادى للصلاة يوم الجمعة لم ينادِ لخصوص صلاة الجمعة لأنّ بعض المكلّفين كانت وظيفتهم الإتيان بأربع ركعات كالمريض و المجنون و المرأة و العبد و غيرهم، و بعضهم كانت وظيفتهم ركعتين لا غير كالمسافر، بل ينادى لمطلق الفريضة أيّما كانت، فعلى هذا ليس الأذان لخصوص صلاة الجمعة حتّى تكون مشروعيّته معلّقة على مشروعيّتها، و كأنّه قيل: إذا نودي يوم الجمعة لطبيعة الصلاة المختلفة أفرادها على حسب اختلاف أشخاص المكلّفين فاسعوا أيّها الحاضرون البالغون الرجال الأحرار إلى خصوص صلاة الجمعة، فأين الدَّور؟
__________________________________________________
 [1]- هذا إذا اريد من النّداء صرف دخول الوقت، و أمّا إذا اريد منه إلاعلان بإقامة صلاة الجمعة كما أفاده المؤلّف بالتّعليقة هذه فالإشكال بحاله، و أمّا على ما استفدنا و قرّرنا من أنّ الآية تدّل على صرف الوجوب بدون أيّ قيد و شرط فلا إطلاق في الآية كى يرد عليه الإشكال. (منه عُفي عن جرائمه)
 [2]- يمكن أن يلتزم بالإطلاق بالتقرير السابق منّا. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 78
و هذا الجواب جيّد جدّاً [1].
و منها: أنّ الأمر بالسعى على تقدير النداء المذكور ليس عامّاً بحيث يكون المنادى جميع المكلّفين للإجماع على أنّ الوجوب مشروط بشرائط خاصّة كالعدد و الجماعة و غيرهما، و حيثما لم تذكر الشرائط في الآية فالآية تكون مجملة بالنسبة إلى الدلالة على الوجوب المتنازع فيه.
و فيه: أنّه لا وجه لرفع اليد عن الإطلاق من هذه الجهة [2]، غاية الأمر أنّه كلّما ثبت قيد نأخذ به فنقيّد به الإطلاق كما هو الشأن في سائر الموارد.
و من الغريب تمسّك صاحب «الجواهر» رحمه الله بهذا الإشكال و ارتضاؤه به حيث قال: بل قد يقال لا يتمّ الاستدلال بها بناءً على إجمال العبارة و شرطيّة ما شكّ فيها إذ لم تثبت صلاة الجمعة إلّا مع المعصوم و نائبه، مع أنّ مبناه قدّس سرّه على خلاف ذلك‏
و منها: ما حُكى عن «المستند» و هو أنّ إرادة الأذان عند الزوال من النداء غير معلومة، لجواز أن يراد منه أذان الفجر الّذى هو أيضاً للصلاة يوم الجمعة، و فيه الخدشة الظاهرة من وجوه:
الأوّل: ما حُكى من إجماع المفسّرين على أنّ هذه الآية نزلت لصلاة الجمعة، بل كان ذلك متواتراً عندهم.
__________________________________________________
 [1]- و فيه نظر لظهور تخصيص النّداء بصلاة الجمعة لتخصيص الشّارع إيّاها بالنّداء من بين سائر الصلوات في الأيّام الاخَر فالنّداء لصلاة الجمعة لا لمطلق الصلاة. (منه عفى عن جرائمه)
 [2]- بل لرفع اليد عنه وجه موجّه و مجال واسع. (منه عفى عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 79
الثّاني: ما عقّبه بقوله تعالى وَذَرُوا الْبَيْعَ [1] لأنّه من المعلوم أنّ أهل المدينة ما كانوا يبايعون عند طلوع الفجر.
الثالث: قوله تعالى عقيبه فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ [2] حيث فُسِّر «ابتغاء الفضل» بطلب المعيشة، و من المعلوم أنّ التكسّب في صبيحة يوم الجمعة مكروهٌ كما دلّت عليه الرّوايات، بل دلّت الرّوايات على استحباب التهيّؤ لصلاة الجمعة و الدعاء بخلاف عصر يوم الجمعة.
الرابع: قوله تعالى عقيبه وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً [3] الخ. حيث إنّ نزول التجّار في أوّل طلوع الفجر و إعلامهم الناس بالطبل، فمع بُعده في نفسه قد دلّت التفاسير على أنّ ترك المصلّين للنّبيّ و الفضّ إلى التجّار إنّما كان في صلاة الجمعة.
و منها: أنّ المراد من «ذكر الله» هو رسول الله كما دلّت عليه رواياتٌ، أو المراد منه هو الخطبة، أو الخطبة و الصلاة معاً لا خصوص الصلاة، فعلى الأوّل فلا دلالة في الآية على وجوب السعى إلى الصلاة، و على الأخيرين فإنّ استماع الخطبة ليس بواجب إجماعاً، و إذَن لابدّ و أن يحمل الأمر بالسعى على الاستحباب فلا دلالة حينئذٍ على وجوب الخطبة و الصلاة كما لا يخفى.
و فيه: أنّ «الذّكر» إنّما هو بمعنى إخطار الشى‏ء بالبال، و هذا معنى جامع شاملٌ لجميع العبادات الّتي كانت مذكّرة لله تعالى و من ذلك يصحّ أن يقال: إنّ رسول الله و المعصومين حتّى الأولياء و العلماء ذِكر الله لأنّ التوجّه و النّظر إليهم‏
__________________________________________________
 [1]- سورة الجمعة (62) من الآية 9.
 [2]- سورة الجمعة (62) صدر الآية 10.
 [3]- سورة الجمعة (62) صدر الآية 11.
                        صلاة الجمعة، ص: 80
يوجب التوجّه إلى الله.
إذا عرفتَ هذا فقد علمتَ أنّ استعمال الذِّكر في الآية من باب استعمال الكلّي و إرادة بعض أفراده و هو الصلاة لأنّها ذكر الله، و قد ورد في القرآن [1] و في الرّواية «الصلاة قربان كلّ تقى» و يدّل على هذا اتّفاق جميع المفسّرين على أنّ المراد من الذكر في خصوص الآية هو صلاة الجمعة أو خطبتها أو هما معاً، و لم أدرِ كيف أصَرّ المخالفون بأنّ المراد منه رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم؟! مع وضوح أنّه لو قلنا بأنّه تعالى هو المراد من الآية لسقطت الآية عن البلاغة خصوصاً بعد تفريع قوله سبحانه فإذا قضيت الصلاة، الخ. بل لا يزال يزيدني تعجّباً ما حكي في «الجواهر» عن «كشف اللثام» من التعريض على القائلين بالوجوب حيث قال: إنّ الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم أظهر من إرادة الخطبة أو الصلاة في الآية [2].
و لا تُصغ إلى ما يدّعي من إجماع المفسّرين على إرادة أحديهما خصوصاً إذا كنت إماميّاً تعلم أنّه لا إجماع إلّا بقول المعصوم [3]، و من ذلك يعلم أنّه لا يحتاج في الجواب إلى ما أجاب عنه الحلبي قدّس سرّه من أنّ للقران ظهراً و بطناً و أنّ الصلاة هى من المعاني الظاهريّة للذكر و الرسول من المعاني الباطنيّة كما ورد في‏
__________________________________________________
 [1]- سورة طه (20) ذيل آيه 14.
 [2]- أقول: إنّ أمثال هذه الاستدلالات لعبٌ بالقرآن العظيم و إخراج عن الحكم الإلهى تحكّماً (منه عُفي عنه).
 [3]- فليعلم أنّنا قد عملنا رسالة مستوفاة في بطلان الإجماع و عدم حجيّته بتّاً فكيف بإجماع المفسّرين الّذى لا أساس له لا عقلًا و لا نقلًا. (منه عُفي عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 81
تفسير قوله تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [1] أنّ المراد من العدل هو رسول الله و من الإحسان هو أميرالمؤمنين و من الفحشاء و المنكر و البغى هو الخصوص الثلاثة فعلى هذا لم يكن إرادة الصلاة من الذكر منافِيَة لإرادة الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم.
أقول: قد ورد في الروايات المستفيضة أنّ القرآن يجرى مجري الشمس و القمر، فهذه معانٍ حقيقيّة ظاهريّة للقرآن كقوله اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [2] حيث فسّر بالإسلام و بالإيمان و بصراط عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، و لا إشكال في أنّ كلّها صراط مستقيم، فما ذهب إليه قدّس سرّه لعلّه فهم من هذه الامور معانٍ مختلفة مع ذهابه إلى عدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى، لكنّك عرفتَ أنّ اللفظ لم يستعمل في خصوصيّات هذه المعاني بل في جامعها.
و منها: أنّ الآية خطاب للمؤمنين و هو مختصّ للحاضرين، و إسراءُ الحُكم الثابت به إلى الغائبين الموجودين في زمان الغيبة يحتاج إلى التمسّك بذيل قاعدة الاشتراك في التكليف الثابت بالإجماع، فيما إذا لم نحتمل خصوصيّة لزمان الحضور في الخطاب، و أمّا فيما نحن فيه فلمّا كنّا مُحتملِين لذلك فلا إجماع للاشتراك.
و فيه: أنّ الحقّ هو شمول الخطاب للغائبين بل المعدومين مطلقاً، و بيان ذلك يحتاج إلى تمهيد مقدّمة، و هى أنّه ربّما قيل: بأنّ النزاع في شمول الخطاب للمعدومين و عدم شموله لهم عقلي، و الكلام إنّما هو في إمكان المخاطبة مع‏
__________________________________________________
 [1]- سورة النّحل (16) الآية 90.
 [2]- سورة الفاتحة (1) الآية 5.
                        صلاة الجمعة، ص: 82
المعدوم و استحالته، لكنّه ليس بسديد، لأنّ توجيه الخطاب الحقيقى إلى الحاضر في مجلس التخاطب غير الملتفت بالخطاب ممّا لا إشكال في قبحه فضلًا عن توجيهه إلى الغائب أو المعدوم، كما أنّه لا إشكال في توجيه الخطاب الإنشائى بالنسبة إلى المعدوم فضلًا عن الغائب. فالنّزاع إنّما هو في إمكان شمول أدوات الخطاب للمعدومين وضعاً، فمن يقول بأنّها وضعت للمخاطبة الحقيقيّة يذهب إلى الامتناع، و من يقول بوضعها للخطاب الإنشائى ذهب إلى شمولها لهم، و الأقوى أنّها وضعت للخطاب الإنشائى لأنّا نرى أنّ استعمالها للخطاب الإنشائى بأيّ داعٍ من الدّواعى كإظهار الحسرة و التلهّف و كذا إظهار الشعف و التيمان كقول الشاعر:
         أيا جَبَلَى نعمان بالله خليّا             نسيم الصّبا يخلصْ إلىَّ نسيمها [1]

و قوله أيضاً:
         أسِربَ القَطا هل مَن يُعير جناحه             لَعلِّي إلى مَن قد هويت أطيرُ [2]، [3]
 لم يكن مغايراً لاستعمالها فى الخطاب الحقيقى و لا يحتاج إلى إعمال مؤنة
__________________________________________________
 [1]- جامع الشواهد نقلًا عن المغني اللبيب، باب النّداء، و هو من أبيات لقيس بن الملوّح و هو مجنون ليلى العامريّة.
 [2]- جامع الشواهد نقلًا عن السيوطي، باب الموصولات، و هو من أبيات لقيس بن الملوّح و هو مجنون ليلى العامريّة.
 [3]- لا يخفي أنّ هذه الأمثله كلّها واردة فى الخطاب غير الحقيقى كالتلهّف و الشّعف و هكذا، و الكلام إنّما هو فى الخطاب الحقيقى الجدّي، و فى مثل هذا إن كانت قرينة على لحاظ معنى مشتركٍ عامّ شاملٍ للغائبين و الحاضرين بملاك واحد فالخطاب يشمل الغائبين و إلّا فلا، ففى ما نحن فيه لابدّ من إثبات هذه الخصوصيّة و القرينة و هى غير موجودة على حسب دعوى المدّعي. (منه عُفى عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 83
زائدة، و هذا أدلّ دليل على أنّ خصوصيّة التفهيم الخارجىّ و كذا سائر الدّواعى ليست ممّا هى دخيلة فى الموضوع له من اللفظ، فإذا خاطب الغائب أو المعدوم بداعى التفهيم فى ظرف الاطّلاع و الوجود لم يكن مجازاً، فإذا وضعت للخطاب الإنشائى فحال الموجودين فى زمن الغيبة مع حال الحاضرين فى المدينة فى زمان الحضور بل الحاضرين فى مجلس التخاطب على حدّ سواء، و على فرض تسليم اختصاصها بالمشافهين وضعاً نقول: لا إشكال فى عدم اختصاص الخطابات القرآنيّة بالحاضرين فى مجلس الوحى الموجودين فى المسجد و غيره، فيكون هذا قرينة على أنّها تستعمل مجازاً حتّى تشمل غيرهم، و ادّعاء استعمالها فى خصوص الموجودين فى زمان الحضور مجازاً بحيث لا تشمل الباقين مجازفةٌ.
                        كان رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم كالمرآة بالنسبة إلى تلؤلؤ أنوار الشّمس (ت)

                        فكلٌّ محلٌّ لتنزيل القرآن و تلقّيه (ت)

هذا كلّه على فرض أن يكون المخاطبة من الله مع المشافهين بلسان الرسول بحيث يكون صلّى الله عليه و آله و سلّم واسطة صرفة فى الحكاية، و أمّا على ما هو الحقّ من أنّها وردت على قلبه المبارك ثمّ بيّنها تدريجاً فلا ريب حينئذٍ من عدم وجود مخاطب حقيقة عند الوحى، فتشمل المعدومين و الغائبين بعين شمولها للحاضرين، فهذا الإشكال باطل من رأسه [1].
__________________________________________________
1- هذا الجواب متينٌ جيّدٌ بحسب القواعد لكنّ الّذى استفدنا و سمعنا من جنابه- رضوان الله عليه- عدّة مرّات فى هذا الموضوع هو أدقّ و أعمق و ألطف من هذا الكلام المذكور هيهنا و هو:
كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم كالمرآة بالنسبة إلى تلؤلؤ أنوار الشّمس (ت)
أنّ القرآن و إن كان مُنزّل على قلب رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فى زمن الرّسالة حتّى الوفاة إلّا أنّ النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم ليس فقط واسطة فى الإبلاغ و الإيصال إلى الناس و تبيين المفاهيم و الأحكام و النّصح و الوعيد و الإنذار بل هو كالمرآة بالنسبة إلى تلؤلؤ أنوار الشّمس و انعكاسها إلى الجوانب و الأطراف، فالمرآة من هذه النّاحية تكون آلة و وسيلة لإظهار
                        صلاة الجمعة، ص: 84
__________________________________________________
النّور و انتشاره إلى حولها و جوانبها لا أكثر. و الآيات القرآنيّة حاكية عن هذا المعني، فمنها: (لانذركم به و من بلغ).
ومنها: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏
ومنها: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنينَ خَصيما
ومنها: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذينَ أُوتُوا الْعِلْم.
ومنها: وَ الَّذينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْيانا
كلّ هذه الآيات تدلّ على أنّ القرآن نُزِّل إلى كلّ فرد من الحاضرين و الغائبين إلى يوم القيامة. فما قيل: إنّ هذا القرآن لا يكون حجّة لغير المشافهين بالخطاب و سقوط ظواهر الكتاب لغير المشافهين ففى غاية الضعف و البطلان، و لهذا نري بأنفسنا حين نقرأ القرآن كأنّنا نحن المخاطبون بالآيات الشريفة بدون أيّة واسطة، فكأنّ الله تعالى هو الّذى ألقي إلينا هذه الآيات و نحن الّذين تلقّيناها منه، و لهذا فإنّ قراءة القرآن توجب أثراً إيجابيّاً على النفس و روحانيّة مشهودةً، و كذلك ما قد يقال: إنّ قراءة أمثال هذه السور: قل هو الله احد ينبغى أن تكون بلسان الحكاية لا بلسان الخطاب، فهو خارج عن ميزان الوحى و التنزيل، ساقط من رأسه، و لَعمري ما أظنّ أن أكون مخطئاً فى أنّ هذه المسائل قد نشأت من عدم التدبّر فى الحقائق و المعارف الإسلاميّة و رفض جلّ المعارف الإلهيّة و معظم الدراسات الدينيّة كالتفسير و الفلسفة و العرفان و إبعادها عن دائرة التعليم و التّعلّم و الاكتفاء بالفقه و الاصول و الانعزال عمّا هو الأصل بالنسبة إليهما من الاسس المشيدة بالعرفان و الولاية، و اقتناص أنوار المعرفة من منبع الوحى و أهل بيت النّبوّة صلوات الله عليهم أجمعين.
فكلٌّ محلٌّ لتنزيل القرآن و تلقّيه (ت)
فما أبعد ما بين المسلكَين؟! كبُعد المشرقَين، حيث يقول أحدهم: بأنّ كلّ إنسان مخاطب بخطاب حقيقى و واقعى بالقرآن الكريم، فالنّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم كالمرآة و مسؤوليّته صرف البلاغ و الإبلاغ فكلٌّ محلّ لتنزيل القرآن و تلقّيه، و آخر يقول: بأنّ القرآن نُزِّل على الرّسول و لا دخل لنا به، و ظواهره حجّة بالنسبة إليه أو إلى الحاضرين وقت النزول و لا فائدة لنا فيه إلّا أن نأخذه بعنوان التبرّك فى المجالس، و فرق كبير فى الصلاة بين هذين المسلكَين، و كذا فى إحساس الروحانيّة و الحياة و النشاط العلويّ و عدم إدراك شى‏ء من هذه المعاني فى القسم الآخر، و يا للفارق بين قراءة القرآن بحيث يحسب القاريٌ نفسه هو المستمع و القاريٌ المُلقى هو الله عند القراءة كما تشير إلى هذا بعض الرّوايات، كالمرويّة عن الصادق عليه السّلام فى قراءته إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعين و بين من يقول: إنّه ليس حجّة بالنسبة إلينا لا ظواهره و لا إطلاقاته و لا و لا ... فهذا الطريق هو الطريق المُبعِد عن الله و التّقرب إليه، المؤدِّي إلى الحرمان من الفيوضات الرّبّانيّة و صيرورة الأعمال، صرف تحرّك الجوارح بلا روح و لا حياة بل أفعالًا جامدة متحجّرة جافةً لا حقيقة وراءها و الله من ورائهم محيط.
ولا يظنّ أحد أنّ مقصودنا من المخاطبين بالقرآن أنّه منافٍ لما ورد من أنّ القرآن نزل فى بيت الوحى و الولاية و أنّ الأئمّة عليهم السّلام هم أهل الذّكر كما اشير إليه فى القرآن و أنّ المسلم لا مناص له لمعرفة الكتاب و تبيّن حقائقه من الرجوع إليهم صلوات الله عليهم أجمعين، بل هذا حقّ و الحقّ وراؤه، بل المقصود أنّ الإنسان إذا يقرأ القرآن عليه أن يعلم أنّه هو المخاطب الحقيقى و لابدّ لفهم معاني الخطاب و حقائقه من الرجوع إلى أهل الذّكر، و هم أهل بيت الوحي سلام الله عليهم أجمعين؛ و كذلك ليس مقصودنا من لزوم القرآن على كلّ فرد فرد ما يقول به الجهّال و المنعزلين عن حقائق المعرفة و الإسلام من أنّ القرآن له مراتب من المعنى حسب إدراك كلّ أحد فما يفهمه من الآيات هو حجّة له و ليس له معنى ثابتٌ حقيقىٌ مرادٌ من الله تعالى، إذ من البديهى أنّ الالتزام بهذا المبنى مُوجِب لسقوط الآيات عن الحجّيّة بتّاً و إدراجها تحت كلام العبث و اللغو والهزل نعوذ بالله من الجهالة و الضلالة، فنسأل الله تعالى أن يوفّقنا للتعرّف حقّ المعرفة على شريعته و ما أنزل على النبيّ و ما بيّنه أئمّتنا و قادتنا و موالينا صلوات الله عليهم أجمعين، و أن يزيد فى فهمنا و إدراكنا و يثبّتنا على المنهج المرضىّ من أهل بيت محمّد صلّى الله عليه و آله و سلّم، إنّه خير موفِّق و معين آمين. (منه عُفى عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 85
                        وجه فساد ما ذهب إليه المحقِّق السبزوارى‏

و ممّا ذكرنا يعلم فساد ما ذهب إليه المحقّق السبزوارى قدّس سرّه حيث إنّه جعل الآية من مؤيّدات الوجوب التعيينيّ لأن أدلّته بملاحظة هذا الإشكال، و المحصّل فى الجواب إنكار اختصاص الخطاب بالمشافهين، و أمّا على تقدير التسليم و الاحتياج بقاعدة الاشتراك لا مدفع له بوجهٍ لأنّ القاعدة توجب سراية
                        صلاة الجمعة، ص: 86
الحُكم الثابت للمشافهين بجميع ما له من الشرائط و القيود، و لا تدلّ على نفي اشتراط حضور الإمام فى تكليف الحاضرين، فإذا احتملنا مدخليّة الحضور فى حكمٍ من الأحكام فكيف يمكن إثبات هذا الحكم لزمان الغيبة [1].
                        وجه فساد ما ذهب إليه صاحب الحدائق (ره)

و من هذا تعرف أيضاً فساد ما أجاب به صاحب «الحدائق» عن هذا الإشكال من أنّ الروايات المستفيضة دلّت بالمضامين المختلفة على أنّ حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة و من أنّ الإجماع المدّعى للاشتراك لم يكن فى خصوص مسألة مسألة حتّى نتوقّف فيما لا ينعقد الإجماع عليه، بل معقد الإجماع أمر واحد و هو اشتراك جميع المكلّفين إلى يوم القيامة فى جميع الأحكام الثابتة [2].
و منها: أنّ الآية تدلّ على وجوب السعى إلى الجمعة المنعقدة، و لا دلالة لها على وجوب عقد الجمعة، و قد جعله صاحب «الجواهر» من أقوى الإشكالات الواردة عليها.
و فيه ما مرّ كراراً من أنّ المراد بالنداء هو دخول الوقت أو الأذان لمطلق‏
__________________________________________________
1- لكنّ الإنصاف أنّ احتمال حضور الإمام و المعصوم باقٍ فى كِلا الاحتمالَين سواء قلنا بشمول الخطاب للغائبين أو باشتراك الأحكام، و القول بالشمول لا يدفع هذا الاحتمال. فلإثبات الوجوب مطلقاً حتّى فى غير زمن الحضور نحتاج إلى دليل آخر. اللهمّ إلّا أن نقول: إنّ هذا الاحتمال لا موقع له مع ثبوت الوجوب فى الآية، فأمثال هذه الاحتمالات تدفع بالأصل، فإنّ لهذه النكتة موقعاً للتأمّل و التدبّر. (منه عُفى عن جرائمه)
2- لا يخفي أنّه بملاحظة التّعليقة السّابقة منّا لا مجال للإيراد على ما أفاده المحقّق البحراني قدّس سرّه، لأنّه لو فرض أنّ الآية دالّة على ثبوت الوجوب إطلاقاً بمعونة دفع الاحتمال بالأصل فبضميمة هذا البيان، يثبت للغائبين حتّى بدون الضميمة أيضاً فتدبّر. (منه عُفى عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 87
الصلاة الواجبة فى ظهر يوم الجمعة، لا النداء لخصوص صلاة الجمعة، و سيأتي إن شاء الله تعالى ما يوضِّح لك الجواب على تقدير كون النداء بنفسه ممّا له مدخليّة فى وجوب السعى عند جواب القائلين بوجوب صلاة الجمعة اجتماعاً بعد عقدها.
و أمّا ما أجاب عنه بعض المعاصرين: من أنّه لا معنى لإيجاب مقدّمات شى‏ء أو بعض مقدّماته مع عدم وجوب ذلك الشى‏ء. فيه نظر واضح، لأنّ المستشكِل لم يكن بصدد استظهار وجوب السعى من دون وجوب الصلاة، بل كان بصدد وجوب الصلاة و السعى إليها عند النداء [1].
هذا تمام الكلام فى دلالة الآية و قد عرفت قوّتها و ضعف الإيرادات الواردة على الاستدلال بها، و من العجب العجاب ما ذهب إليه صاحب «الجواهر» قدّس سرّه تبعاً لبعضٍ من منع إطلاقٍ لهذه الآية فقال: إنّها وردت فى مقام بيان مجرّد التشريع كقوله تعالى وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ [2] و قد تبعه بعض من تأخّر عنه أيضاً على هذا المنع.
أقول: إنّه إذا لم يكن لهذه الآية الّتي أمر الله تعالى فيها المؤمنين بوجوب السعى بعد دخول الوقت ثمّ زجرهم عن البيع و الاشتغال بما ينافيها ثمّ رخّص لهم الاشتغال فى الامور الدنيويّة بعد أدائها إطلاقٌ للوجوب، فمن أين نجد إطلاقاً فى آيةٍ أو روايةٍ [3]؟! و من الغرائب أنّهم كانوا بصدد إثبات الإطلاق فى بعض المقامات‏
__________________________________________________
 [1]- وهذا المقدار من الوجوب مُسلَّم، ولكنّا ندّعى الوجوب فى غير مورد النداء بدليل آخر وهو الاطلاقات، فلا تنافى بين مدلوليهما (منه عُفى عنه).
 [2]- سورة البقرة (2) صدر الآية 43.
 [3]- الإطلاقات فى الروايات كثيرة فسنوضِّح إن شاء الله. (منه عُفى عن جرائمه)
                        صلاة الجمعة، ص: 88
بتمحّلاتٍ بعيدةٍ و تعسّفات غريبة و أنكروا إطلاق هذه الآية مع أنّه من أظهر موارده [1].
و ربّما استدلّ على وجوبها فى «الحدائق» بقوله تعالى: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [2] على ما فسّر الصلاة الوسطى بصلاة الظهر الشاملة لصلاة الجمعة، و بقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ [3] بناءً على أنّ المراد من الذِّكر هو صلاة الجمعة، و فيهما ما لا يخفى.
                        الدّليل الثّاني على القول المختار: صحيحة زرارة

الثّاني من الأدلّة: صحيحة زرارة:

Tidak ada komentar:

Posting Komentar