Pages

Selasa, 18 Oktober 2011

ma'rifatullah Allamah Thaba'thabai 160-226

                        معرفة الله، ج‏1، ص: 161
و صفاته، متجلٍّ و ظاهر بها.
و أمّا ما قيل من أن جبل قاف محيط بالعالم من كلّ جوانبه لعظمته، فإنّ هذا المعنى ظاهر في الحقيقة الإنسانيّة، لأنّ تلك الحقيقة كما مرّ بيانها، تشتمل على جميع حقائق العالم، و لأنّ الإنسان يمثّل أحديّة الجمع ظاهراً و باطناً، و هو منتخب كلّ العالم و خلاصته.
و كلّ من وصل إلى معرفة الحقيقة الإنسانيّة، اعتماداً على قاعدة أن مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ، [1] تيسّرت له رؤية الحقّ تعالى و معرفته، حيث إنّ: مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ؛ [2] و على هذا، فإنّ من وصل إلى جبل‏
__________________________________________________
1- جاء في تفسير «الميزان» ج 6، ص 182، في (بحث روائيّ) في ذيل الآية الشريفة يَا أيُّهَا الَّذِينَ ءَ امَنُوا عَلَيْكُمْ أنفُسَكُمْ، نقلًا عن «الغرر و الدُّرر» للآمديّ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ. و روي كلّ من الشيعة و السنّة ذلك أيضاً، و هو حديث مشهور. و قال بعض العلماء: هذا الحديث يُشير إلى التعليق بالمحال و مفاده استحالة معرفة النفس باستحالة الإحاطة العِلميّة بالله سبحانه؛ و هذا القول مرفوض أوّلًا لقول النبيّ صلى الله عليه و آله في رواية أخرى: أعْرَفُكُمْ بِنَفْسِهِ أعْرَفُكُمْ بِرَبِّهِ. و ثانياً أن هذا الحديث مُناقضٌ لقول الله تعالى: وَ لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأنسَاهُمْ أنفُسَهُمْ.
وقد أفاض العلّامة في بحث مفصّل حول هذا الحديث و استشهد بكثير من الروايات حول ذلك في ص 186.
هذا و قد ورد الحديث المذكور كذلك في «مرصاد العباد» ص: 3، 174، 185، 413، و 535، طبعة بنگاه ترجمه و نشر كتاب.
2- جاء في كتاب «أحاديث المثنويّ» ص 62، و 63، الطبعة الثانية:
         چون مرا ديدي خدا را ديده‏يي             گرد كعبة صدق بر گرديده‏يي‏


مقتبساً معناه من الحديث القائل: مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ. ( «البخاريّ» ج 4، ص 135؛ «صحيح مسلم» ج 7، ص 54؛ «كنوز الحقائق» ص 125؛ مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ، فَإنَّ الشَّيْطانَ لَا يُتَرَاءَى بِي. ( «الجامع الصغير» ج 2، ص 170).
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 162
قاف، فقد وصل إلى العنقاء. شعر:
         گرنه آن حسن در تجلّى بود             آن أنا الحقّ كه گفت: سُبحاني [1]
             كه تواند به غير او گفتن             لَيْسَ في جُبَّتي [2] كه مي‏خواني [3]

__________________________________________________
1- قال السمعانيّ في كتاب «رَوح الأرواح في شرح أسماء الملك الفتّاح» ص 129 و 132: «كان بايزيد يصيح: سُبحاني ما أعظمَ شأني. و هو القائل: سُبحاني سُبحاني».
وقال علاء الدولة السمنانيّ في «العروة لأهل الخلوة و الجلوة» ص 94: «لكن اعلم أنّه إذا انتهى التجلّي الصوريّ و الذي لا يرى بعده تجلٍّ آخر، فإنّه سيرى ختامه على صورته و سيكون مصدراً للفناء لاهجاً بلسانه عبارة: أنا الحقّ، و سبحاني دون إرادته».
ويقول الشيخ نجم الدين الرازيّ في كتاب «العشق و العقل» ص 89: «و إذا خرج الجسم من بيضة الوجود، صرخ قائلًا: سبحاني ما أعظم شأني؛ بينما لا تزال قدمه داخل البيضة».
2- قال سعيد الدين الفرغانيّ في كتاب «مشارق الدراريّ» ص 634: «إلّا إذا كان كالشخص الذي يصل بكمال التخلّق و التحقّق بالأسماء الإلهيّة إلى مقام الجمع الوجوديّ و يغرق في بحره اللجّيّ.
حينئذٍ سيصرخ بلسان الجمع الإلهيّ قائلين: أنا الحقّ و سبحاني و ليس في الجنّة سوى الله.
وقال في «السيرة الحلبيّة» ج 1، ص 290: «و من ثمّ ذكر القاضي عياض في «الشفاء»: أن مَن ادّعى حلول الباري في أحد الأشخاص كان كافراً بإجماع المسلمين. و قول بعض العارفين و هو أبويزيد البسطاميّ: سبحاني ما أعظم شأني، و قوله: إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا فاعبدني، و قوله: و أنا ربيّ الأعلى، و قوله: أنا الحقّ و هو أنا و أنا هو؛ ليس من دعوى الحلول في شي‏ء».
3- يقول: «لو لا وجود ذلك الجمال المتجلّي، لما قال من قال أنا الحقّ، أو سبحاني.
من يجرؤ غيره على قول (العبارة التي تردّدها): ليس في جبّتي؟».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 163
         هر چه هستى است در تو موجود است             خويشتن را مگر نمي‏داني [1]

                        الجنّة و النار مظهران موجودان في جميع العوالم الإلهيّة

و اعلم، أن الجنّة و النار، إنّما هي مظاهر في جميع العوالم الإلهيّة، و لا ريب في كونها من الأعيان التي هي صور علميّة في العلم الإلهيّ، و يكثر وجودها في العالم الروحانيّ أكثر منه في الوجود الجسمانيّ كذلك. و أن إخراج آدم و حواء من الجنّة، إنّما هو إشارة إلى ذلك، و للنار كذلك وجود في هذا العالم الروحانيّ، ذلك أن العالم الروحانيّ مثال لما هو موجود في علمه، و الأحاديث التي تدلّ على وجودهما كثيرة، و قد أشار الرسول عليه الصلاة و السلام إلى مسألة إثبات وجودهما في عالم الدنيا بقوله، الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ الكَافِرِ. [2] و كذا في الآية الشريفة: وَ أن جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُ بِالْكَافِرِينَ. [3]
                        أدلّة إثبات وجود الجنّة و النار في عوالم ما بعد عالم الدنيا

و في مكان آخر، أشار كذلك إلى إثبات وجودهما في البرزخ المثاليّ قائلًا: القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ. [4] و هو
__________________________________________________
1- يقول: «أن كلّ ما هو موجود من وجود يكمن فيك أنت؛ عجباً، ألا تعرف‏نفسك؟».
2- أورد صاحب «مرصاد العباد» الجزء الأوّل من هذه الرواية في ص 126؛ و قال في ص 598 في معرض توضيحه: «ورد هذا الحديث في «تَرْك الإطناب» ص 76؛ و ورد في شرح «الشهاب» بالفارسيّة ص 75؛ و «أحاديث مثنوي» ص 11.
3- الآية 49، من السورة 9: التوبة.
4- ذكر الملّا صدرا هذه الرواية في تفسيره لسورة الطارق، ص 32، طبعة انتشارات بيدار، قائلًا: وَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى البَرْزَخِ قَوْلُهُ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرانِ. و قد أورد المعلّق في تعليقته المصادر التالية: «الترمذيّ» ج 4، ص 640»، الباب 26، كتاب صفة القيامة.
/                        معرفة الله، ج‏1، ص: 164
__________________________________________________
/ وكذا في «بحار الأنوار» ج 6، ص 205، الطبعة الحروفيّة؛ و «سفينة البحار» ج 2، ص 395، الطبعة الحجريّة؛ و كذلك في نفس مُجلّد «البحار» هذا في باب أحوال البرزخ و القبر، ص 218، حديث 13، نقلًا عن «الأمالى» فيما كتب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمّد بن أبي بكر: يَا عِبادَ اللهِ! ثمّ يقول بعد سطرين أو ثلاث-: وَ القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ.
وجاء في «أحاديث المثنويّ» ص 140، برقم 433 البيت التالى على لسان مولانا (محمّد الروميّ):
         گورها يكسان به پيش چشم ما             روضه و حفره به پيش انبيا


يقول: «أن القبور كلّها تبدو لنا (نحن البشر العاديّون) واحدة و متشابهة و لا فرق بينها، لكنّها بنظر الأنبياء إمّا أن تكون روضة غنّاء أو حفرة دهماء».
وقيل: «أن هذا إشارة إلى الحديث القائل:
إنَّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ. ( «الجامع الصغير» ج 1، ص 62»).
وأيضاً قال الملّا صدرا في «تفسير سورة السجدة» ص 89، منشورات بيدار:
وقد انتهى الكلام إلى ما عجز عن دركه جمهور الأنام؛ اللهمّ اجْعَل هذه الكلمات محروسة عن ملاحظة الناقصينَ، و اسْتُرها عن أعين المغرورين، و اجْعَل لأصحاب القلوب الصافية نصيباً وافراً من دركها، و رغبة تامّة في حفظها ثمّ في صونها عن الأغيار، ليكون مستقرُّ هذه المعاني صدور الأحرار التي هي قبور الأسرار لتكون في روضة من رياض الجِنان، و لا تجْعَلها في بطون الأشرار كَيْلا يكون في حفرة من حُفر النيران، و هم الظاهريّون الذين زيّنوا ظواهرهم بالنقوش المزخرفة و الأقوال المزيّنة المليحة الحلوة كالأطعمة و الحلاوات، و أهملوا بواطنهم بل أحشَوها بالنفاق و الجهل و الاستكبار عن الحقّ و الحقائق كبطون الفجّار و قبور الكفّار.
         همچو گور كافران، بيرون حُلَل             و اندرون قهر خدا عزّ و جلّ‏


يقول: «كقبور الكفّار التي تزيّنها الحلل و البرد من الخارج، إلّا أن داخلها ملي‏ء بغضب الله و سخطه عزّ و جلّ».
اللهمّ اجْعَل قبرَنا روضة من رياض الجنان و لا تجْعَلها حُفرة من حفر النيران».- انتهى كلام الملّا صدرا.
وأورد هذا الحديث كذلك الغزّاليّ في كتاب «المضنون به على غير أهله» ص 79، في هامش ج 2 من «الإنسان الكامل» للجيليّ، الطبعة الاولى.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 165
موجود كذلك في العالم الإنسانيّ، الذي هو منتخب الجميع، ذلك أن مرتبة الروح و القلب و الكمالات الخاصّة بهما، هي النعيم عينه. و أمّا مقام النفس و الهدى و متعلّقاتهما، فهي الجحيم عينه. و آخر مراتب مظاهرهما هي الدار الآخرة، التي هي عالم الجزاء، و قد تطرّقت الأحاديث و القرآن الكريم إلى الكلام عن هذا العالم في مواضع كثيرة.
و يقول الإمام محمّد الغزّاليّ في «المظنّون به على غير أهله» [1]: قال أبو عليّ و هو من عظماء الفلاسفة: يمكن القول أن الحقّ جلّ شأنه قد أعطي هذه القوّة للنفس الفلكيّة، بحيث أن ما موجود في عالم المواليد السفليّة من أشخاص و أقوال و أعمال و أخلاق و حركات و سكنات، و الصور المناسبة لكلٍّ من تلك الرموز و أسمائها الواردة في الشريعة السمحاء، موجودة بأجمعها في تلك النفس الفلكيّة، إذ أن النفس الإنسانيّة بعد قطع اتّصالها بالبدن العنصريّ تتّصل ببدن آخر يليق بذلك العالم، و تُشاهَد عياناً صور الأعمال و الأخلاق و الأوصاف و الأقوال التي صدرت منها في هذا العالم. [2]
__________________________________________________
1- لم نعثر في كلتا الطبعتَيْن اللتين طُبِعَتَا على ما جاء في هامش «الإنسان الكامل» للجيليّ.
2- لقد اعتبرنا مثل هذا الاحتمال ضعيفاً كما ذكرنا في «معرفة المعاد» من سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة و أثبتنا المعاد الجسمانيّ العنصريّ على أحسن وجه.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 166
ذلك ما أخبر به المخبر الصادق، و هو الرسول الأمين صلى الله عليه و آله و سلّم، من حور و قصور و رضوان و أثمار و أنهار، و أخبر في مقابل ذلك عن الأفاعي و العقارب و النار و مالك، و لمّا كان ذلك لا يخالف العقل، و قد كان المخبر به هو المخبر الصادق، فلا ريب أن ذلك هو ما هو كائن حقّاً. و هذا لِمَن يُرِيد إدراك هذا المعنى بطريق العقل، و إلّا فإنّ أصحاب الصفاء و النقاء و أهل القلوب يشاهدون بعين البصيرة كلّ ما قاله و أخبر عنه النبيّ، و على هذا، فإنّ قاعدة: مُوتُوا قَبْلَ أن تَمُوتُوا [1]، تدلّ على أن ما يكون بعد الموت الطبيعيّ، يمكن مشاهدته بالموت الاختياريّ بعين اليقين، و إزالة ما في داخلهم من شكّ.
         زينهار اي جان من صد زينهار             نيك كن پيوسته دست از بد بدار
             زانكه هر چه اينجا كنى از نيك و بد             مونست خواهد شدن اندر لحد [2]

__________________________________________________
1- «مرصاد العباد» ص 359 و 364 و 386؛ و «العروة» للسمنانيّ ص 87؛ و قال في «أحاديث المثنويّ» ص 116:
         اى خنك آنرا كه پيش از مرگ مُرد             يعنى او از اصل اين رَز بوى برد


يقول: «طوبي لمن مات قبل الموت، فهو الذي عرف بحقّ أصل ذلك السرّ المكنون».
إشارة إلى الحديث القائل: مُوتُوا قَبْلَ أن تَمُوتُوا، و الذي تناقلته الصوفيّة.
ولم يعدّه مؤلّف «اللؤلؤ ال‏مرصوع» حديثاً، نقلًا عن ابن حجر. و جاء في «حدائق الحقائق» ص 479، الطبعة الثالثة: بمقتضى مُوتُوا قَبْلَ أن تَمُوتُوا.
2- يقول:
          «حذار يا نفسي كوني على حذر             اعملي المعروف و اجتنبي الشرر
             إنّ ما تصنعي من خير هنا             سيكون أنيساً لك داخل القبر»


                        معرفة الله، ج‏1، ص: 167
حيث أن القَبْرُ صَنْدُوقُ العَمَلِ. [1]
و أمّا الأعراف، فهي جمع عُرف، يطلق على المكان المرتفع الذي يُشرف على جوانبه. و تلك هي مرتبة السابقين، حيث يقول تعالى:
السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، اولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. [2]
و هم الكاملون الذين وصلوا إلى مقام جمع الجمع، و هو مقام البقاء بالله، حيث يرون الحقّ تعالى متجلّياً في كلّ شي‏ء و الصفة التي يعدّ ذلك الشي‏ء مظهراً لها، و هذا المقام هو الإشراف على الجوانب. إذ يمكنه رؤية كلّ شي‏ء كما هو، و يعلمون أنّ:
وَ على الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَّا بِسِيمَاهُمْ. [3]
         ما طبيبانيم و شاگردان حقّ             بحر قُلزم ديد ما را فَانفَلَقْ [4]

__________________________________________________
1- «الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه‏السلام» الطبعة الحجريّة:
         يَا مَنْ بِدُنْيَاهُ اشْتَغَلْ             قَدْ غَرَّهُ طُولُ الأمَلْ‏
             المَوْتُ يَأتِي بَغْتَةً             وَ القَبْرُ صَنْدُوقُ العَمَلْ‏


وقد ورد ذلك أيضاً في الطبعة المنقّحة و المصحّحة لعبد العزيز الكرم في ص 105. و أورد عبدالعزيز سيّد الأهل الأبيات التالية في «ديوان الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه‏السلام»، ص 113:
         غَرَّ جَهُوَلًا أمَلُهْ             يَموتُ مَنْ جَا أجَلُهْ‏
             وَ مَنْ دَنَا مِنْ حَتْفِهِ             لَمْ تُغْنِ عَنْهُ حِيَلُهْ‏
             وَ مَا بَقَاءُ آخِرٍ             قَدْ غَابَ عَنْهُ أوَّلُهْ؟
             وَ المَرْءُ لَا يَصْحَبُهُ             في القَبْرِ إلَّا عَمَلُهْ‏


2- الآيتان 10 و 11، من السورة 56: الواقعة.
3- بعض من الآية 46، من السورة 7: الأعراف.
4- يقول: «ألا نحن الأطبّاء و للحقّ تلاميذ؛ لمّا رآنا البحر ماج و انفلقْ».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 168
         آن طبيبانِ طبيعت ديگرند             كه به دل از راه نبضى بنگرند
             ما به دل بى واسطه خوش بنگريم             كز فراست ما به عالى منظريم [1]

و بعد أن أشار إلى بعض من العوالم الغيبيّة، ذكر في مكان آخر:
         كدام است آن جهان كو نيست پيدا             كه يك روزش بود يك سال اينجا؟ [2]

                        العوالم الخمسة: اللاهوت، الجبروت، الملكوت، الملك و الناسوت‏

و اعلم أن العوالم الكلّيّة هي خمسة:
الأوّل: عالم الذات، و هو ما يطلقون عليه باللاهوت و الهويّة الغيبيّة، و الغيب المجهول، و غيب الغيوب، و عين الجمع، و حقيقة الحقائق، و مقام أو أدنى، و غاية الغايات، و نهاية النهايات، و الأحديّة.
الثاني: عالم الصفات، و هو ما يطلقون عليه بالجبروت، و برزخ البرازخ، و البرزخيّة الاولى، و مجمع البحرين، و قاب قوسين، و محيط الأعيان، و الوحدانيّة، و العماء.
الثالث: عالم الملكوت، و يسمّونه كذلك عالم الأرواح، و عالم الأفعال، و عالم الأمر، و عالم الربوبيّة، و عالم الغيب و الباطن.
الرابع: عالم المُلك، و يطلقون عليه كذلك عالم الشهادة، و العالم الظاهر، و عالم الآثار، و الخلق، و المحسوس.
الخامس: عالم الناسوت، و يطلقون عليه كذلك الكون الجامع، و العلّة الغائيّة، و آخر التنزّلات، و مَجْلَى الكلّ.
__________________________________________________
1- يقول: «فطبيب يفحص القلب بجسّ للنبض؛ ذاك طبٌّ يتعامل بالأهَق‏
إنّما نحن أطبّاء بغير واسطة؛ طبّنا ليس كطبّ من سَبَق».
2- يقول:
                   «أين ذاك العالم يا صاح قل لي‏
 أتزعم أن يوماً فيه قدِّر بسنة؟»


                        معرفة الله، ج‏1، ص: 169
فالعوالم الثلاثة من هذه العوالم الخمسة هي ضمن عالم الغيب، لأنّها خارجة عن عالم الإدراك و الحواسّ. و أمّا العالمان الآخران فهما ضمن عالم الشهادة، لأنّهما محسوسان بالحواسّ.
يقول الشيخ: أين هو ذلك العالم غير المحسوس؟ اي أنّه غير محسوس و غائب عن الحواسّ، حيث أن يوماً في ذلك العالم، يعادل سنة من هذا العالم.
و هذا العالم إشارة إلى البرزخ المثاليّ، و هو الحدّ الفاصل بين الغيب و الشهادة، و هو جامع لأحكام العالمَين، الظاهر و الباطن، بحسب البرزخيّة. و أمّا مسألة الزمان و المكان و الطول، و القصر في الشهر و السنة في هذا العالم الجسمانيّ، فهي مقيّدة بالكثافة، و كلمّا قلّت الكثافة، قلّ في مقابل ذلك التقيّد و اعتبار البعد بين المبدأ و المعاد، و الأزل و الأبد، و أضحت مسألة ظهور العلم و انكشاف المعلومات و الحقائق هامشيّة قليلة الأهمّيّة.
و لهذا صار يوم واحد في عالم البرزخ يعادل عاماً واحداً في عالمنا هذا، و يوم واحد في عالم الربوبيّة، هو بألف عامّ في هذا العالم أن يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَألْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ. و أمّا اليوم الواحد في عالم الالوهيّة، فهو مساوٍ لخمسين ألف سنة في هذا العالم تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَ الرُّوحُ إليه في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ. [1] شعر:
         پيش ما صد سال و يك ساعت يكى است             كه دراز و كوته از ما منفكى است [2]

__________________________________________________
1- الآية 4، من السورة 70: المعارج.
2- يقول: «أن مائة سنة و ساعة واحدة سواء لدينا، لأنّ الطول و القصر منفكّان عنّا».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 170
         آن دراز و كوتهى در جسمها است             آن دراز و كوته اندر جان كجاست‏
             از ره و منزل ز كوتاه و دراز             دل چه داند كوست مست و دلنواز
             آن دراز و كوته اوصاف تن است             رفتن ارواح، ديگر رفتن است [1]

بما أن في ذات الأحديّة لا وجود للتعيّن و التقيّد- لأنّ الكثرات الاعتباريّة عنده معدومة- فإنّ تقدّم الذات الأحديّة على الذات الوحدانيّة التي هي منشأ التعيّنات و النسب، يُعبّر عنه بالسنة السرمديّة، و جاء في بعض النسخ «كان يوماً منه بخمسين يوماً من هذا العالم».
و ذلك العالم هو إشارة إلى عالم الالوهيّة، و المراد بالخمسين، هي خمسون ألف عام، في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ. [2]
و قد أشار إلى عوالم غير مدركة بالحواسّ، و ليس كلّ شخص هو سابح في هذه الأجواء، و لأجل التأكيد على تصديق المستمع يقول:
همين نبود جهان آخر كه ديدى‏
نه ما لَا تُبْصِرونْ آخر شنيدى؟ [3] أي أن عالم الشهادة و المحسوس الذي أمامك ليس هو كلّ شي‏ء، بل هنالك عوالم أخرى كثيرة لا تدركها الحواسّ، على الرغم من أنّه، اي عالم الشهادة و المحسوس، ينحصر عموماً في العوالم الثلاثة التي مرّ ذكرها،
__________________________________________________
1- يقول: «إن كان الطول و العرض في الأجسام؛ فأين هما في الأرواح؟
أسير عن الدنيا و ما أنا ذاكرٌ لها بسلام أن أحداثها حُمسُ.
إنّما الأطوال و الأعراض من جنس البدن، فإذا ما وَلّت الأرواح كانت في دَمس».
2- قسم من الآية 4، من السورة 70: المعارج.
3- يقول: «لم يك ما رأيت بعالم الآخرة، أما سمعتَ نداء ما لا تُبصرون؟».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 171
فهو يقول: ألم تسمع كلام الخالق: وَ مَا لَا تُبْصِرُونَ؟ اي تلك العوالم التي لا ترى بالباصرة. و في كلام البارئ جاء القَسَم بهذين العالَمَيْن بقوله: فَلأ اقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ، وَ مَا لَا تُبْصِرُونَ، [1] و هما عالم الظاهر، و عالم الباطن، أو الغيب و الشهادة، و اللذان يشتملان على العوالم الخمسة المذكورة، التي تمّ شرحها آنفاً. و عالم اللاهوت هو أصل كلّ تلك العوالم، و نسبة هذا العالم إلى تلك العوالم، كحَبّة الرمل إلى الصحراء، أو قطرة الماء إلى البحر.
                         «جابلقا» مجمع البحرين للُالوهيّة و الإمكان؛ و «جابلسا» تعيّن النشأة

و لأنّ النشأة الإنسانيّة، و شأن جامعيّة كمالها، يقتضيان العلم بكلّ مراتب الموجودات، و الاطّلاع على كلّ المسمّيات بحكم وَ عَلَّمَ ءَ ادَمَ الأسْمَآءَ كُلَّهَا [2] يقول:
         بيا بنما كه جابُلقا كدام است             جهان شهر جابُلسا كدام است [3]

جاء في القصص و الروايات التأريخيّة، أن جابلقا، هي مدينة كبيرة جدّاً في الشرق، و جابلسا أيضاً، كبيرة جدّاً و تقع في الغرب، و بالمقابل من جابلقا، و قد علّق أهل التأويل في هذه المسألة بما يكفي، ولكن خطر ببالي معنيين على سبيل الإشارة و هما:
الأوّل: جابلقا هي العالم المثاليّ، و التي تقع في الجانب الشرقيّ للأرواح، و هي البرزخ بين الغيب و الشهادة، و تشتمل على صور العالم، فهي بلا شكّ، مدينة كبيرة، و واسعة جدّاً. و أمّا جابلسا، فهي عالم المثال‏
__________________________________________________
1- الآيتان 38 و 39، من السورة 69: الحاقّة.
2- صدر الآية 31، من السورة 2: البقرة.
3- يقول:
          «خبّر بجابلقا لعلّك ناطق             و أرني حاضرة جابلسا لعلّك صادق»


                        معرفة الله، ج‏1، ص: 172
و عالم البرزخ، و هي مستقرّ الأرواح بعد مفارقتها دار الدنيا، و مكان صور كلّ ما ارتُكِبَ من الأعمال، و الأفعال، و الأخلاق، الحسن منها و السيّئ المكتسبة في الحياة الدنيا- كما هو وارد في الأحاديث و الآيات-، و يقع هذا البرزخ في الجانب الغربيّ من الأجسام، و هي مدينة عظيمة السعة، و تقع قبالة جابلقا.
و هنا يكون أهل مدينة جابلقا، أكثر لطافةً و نقاءً، ذلك لأنّ أهل مدينة جابلسا، و بسبب أعمالهم و أخلاقهم الرديئة التي اكتسبوها في الدنيا، قد صُوّروا بصور مظلمة.
و معظم الخلق على هذا التصوّر، بأنّ هذين البرزخين هما شي‏ء واحد، ولكن يجب العلم، بأنّ البرزخ الذي يستقبل الأرواح بعد مفارقتها للحياة الدنيا، هو غير البرزخ الكائن بين الأرواح المجرّدة و الأجسام؛ هذا لأنّ مراتب تنزّلات الوجود و معارجه دوريّة، على اعتبار أن اتّصال النقطة الاولى بالنقطة الأخيرة غير ممكن، إلّا في حالة الحركة الدورانيّة؛ و البرزخ الذي هو كائن قبل النشأة الدنيويّة، هو في مراتب تنزّلاتها، و يشكّل النقطة الاولى بالنسبة إلى هذه النشأة، و أمّا البرزخ الذي يأتي بعد النشأة الدنيويّة، فهو من مراتب الأوج، و عليه، فهو يعتبر النقطة الأخيرة بالنسبة إلى النشأة الدنيويّة.
و المسألة الأخرى هي أن الصور التي تلحق بالأرواح، هي صور الأعمال و نتائج الأفعال و الأخلاق و الملكات التي حصلت في النشأة الدنيويّة، على عكس صور البرزخ الأوّل.
فكلّ واحد منهما، هو غير الآخر، ولكنّهما يشتركان في كونهما عالمين روحانيّين، و لكلّ منهما جوهر نورانيّ غير مادّيّ، و يحويان على مثال صور العالم.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 173
و يروي الشيخ داود القيصريّ بقوله: قال الشيخ محيي الدين الأعرابيّ قدّس سرّه في «الفتوحات»، أن البرزخ الأخير، هو غير البرزخ الأوّل. و قد أطلق على الأوّل اسم (الغيب الإمكانيّ)، و على الأخير ب- (الغيب المحاليّ)، و ذلك لأنّ كلّ صورة في البرزخ الأوّل، يمكن لها أن تظهر في الشهادة أيضاً، و أمّا الصور في البرزخ الأخير، فهي ممتنعة عن الرجوع للشهادة، اللهمّ إلّا في الآخرة.
و كثير هم أهل المكاشفة الذين ظهرت لهم صور البرزخ الأوّل، و الذين كانوا على دراية بآت الزمان، ولكن بالمقابل، يندر أن يطّلع أحد منهم على أحوال الموتى.
و أمّا المعنى الثاني، فهو: أن مدينة جابلقا، هي مرتبة إلهيّة، و هي مجمع البحرين بالنسبة للوجوب و الإمكان، حيث تكمن فيها صور أعيان جميع الأشياء، ابتداءً من المراتب الكلّيّة و الجزئيّة؛ و اللطائف و القبائح و الأعمال و الأفعال و الحركات و السكنات، و محيطة بما كانَ و ما يكونُ، و هي بالمشرق، حيث تَلِي مرتبة الذات و لا توجد فاصلة بينهما، و كلّ شموس الأسماء و الصفات و الأعيان و أقمارها و نجومها قد بزغت و تلألأ نورها من المشرق.
و أمّا مدينة (جابلسا)، فهي لسان حال النشأة الإنسانيّة، و هي مجلى جميع حقائق الأسماء الإلهيّة، و الحقائق الكونيّة. فما يطلع من مشرق الذات، يغرب في مغرب التعيُّن الإنسانيّ و يختفي في صورته. شعر:
         با مغربى مغارب اسرار گشته‏ايم             بى مغربى مشارق انوار گشته‏ايم [1]

و هذان السوادان الأعظمان في موازاة بعضهما، و خلقهما مع بعض‏
__________________________________________________
1- يقول: «طويت مغارب الأسرار مع المغربيّ، و بدونه طوينا مشارق الأنوار».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 174
لا يعنى النهاية، لأنّ كلّ عالم يحوي المشرق و المغرب معاً، بل أن كلّ مرتبة و كلّ فرد من الموجودات، يمتلك هذه الميزة، و هو يقول:
         مشارق با مغارب هم بينديش             چو اين عالم ندارد از يكى بيش [1]

و اعلم أن عالم الالوهيّة بالقياس إلى عالم الربوبيّة، هو المشرق الذي يفيض من نوره على عالم الربوبيّة، و هكذا، عالم الربوبيّة بالقياس إلى البرزخ المثاليّ، و البرزخ المثاليّ بالقياس إلى عالم الشهادة، كلٌّ يفيض من نوره على من هو دونه، و كذلك فإنّ كلّ عالم من العوالم، و كلّ مرتبة من المراتب، و كلّ فرد من الأفراد هو مشرق، قد سطعت منه شمس من الأسماء الإلهيّة، و من جهة أخرى، فهو مغرب كَمَنَ في تعيّنه نور ذلك الاسم. و أن القلب الإنسانيّ، و بحسب كمال المظهريّة، له مائة مشرق، بل مئات الآلاف من المشارق التي تسطع منها نجوم الأسماء الإلهيّة، و هكذا، و في إزاء ذلك، فإنّ كلّا منها هو مغرب. و أن عجائب و غرائب القلب الإنسانيّ لا تظهر إلّا لعيان أهل الصفاء و السالكين إلى الله.
شعر:
         عالم دل را نشانى ديگر است             برّ و بحر و كار و شأنى ديگر است‏
             صد هزاران آسمان و آفتاب             مشتريّ و تير و زهره ماهتاب [2]

__________________________________________________
1- يقول: «طالع المشارق و المغارب، إذ ليس لهذا العالم أكثر من مشرق واحد و مغرب واحد».
2- يقول: «أن للقلب لدنياً و فكر؛ غير ما نعهد من برّ و بحر.
ألف علياء و مثلها من سماء؛ من عطارد و زحل و من قمر».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 175
         هر يكى تابنده‏تر از ديگرى             نور هر يك در گذشته از ثَرى‏
             هر يكى را برج ديگر منزل است             اين كسى داند كه از اهل دل است [1]

                        جمع المشارق و المغارب في القرآن إشارة لعدم انحصار العوالم‏

و يحثّ الشيخ على التأمّل و التفكّر في المشارق و المغارب، كما ورد في القرآن الكريم: فَلآ اقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَ الْمَغَارِبِ، [2] فالمشارق و المغارب جمع، و في هذا العالم المحسوس، ليس إلّا مشرق واحد، و مغرب واحد، و كلّ منهما في جهة معاكسة.
و أصبح واضحاً الآن، بأنّ العالم لا ينحصر في عالم الظاهر هذا، فهناك عوالم أخرى لطيفة و غير محسوسة، بل تلك العوالم و السماء و الكواكب هي أصل العوالم، لأنّها المؤثّرة و هذه المتأثّرة.
         آسمانها است در ولايت جان             كار فرماى آسمان جهان [3]

فأكثر الخلائق عن هذه الحقيقة غافلون و محرومون من معرفة الأسرار و التجلّيات الإلهيّة، و بحكم انعدام الاستعداد الفطريّ لديهم، فلا حظّ لهم في الإصغاء و الفهم، و هو يقول:
         بيان مِثْلَهُنَّ ز ابن عبّاس             شنو پس خويشتن را نيك بشناس [4]

__________________________________________________
1- يقول: «كلّ جرم أنور من صاحبه؛ ذاك نورٌ صادر عن ثري البرّ.
قد يكون الأمر صعباً بعض شي‏ء؛ إنّما يعقل ذاك الأمر حرّ».
2- صدر الآية 40، من السورة 70: المعارج.
3- يقول: «السماوات خاضعة لولاية الروح؛ فهو الآمر الناهي في سماء العالم».
4- يقول:
          «اسمع من ابن عبّاس بيان (مثْلهنّ)             و اعرف الأنفس جيّداً دون بطر أو وَهن»


                        معرفة الله، ج‏1، ص: 176
يقول سلطان المفسّرين عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما:
لَوْ ذَكَرْتُ تَفْسيرَ قَوْلِ اللهِ تعالى: «اللهُ الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَ مِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ»، [1] لَرَجَمُونِي أوْ قَالُوا: إنَّهُ كَافِرٌ.
لأنّ الشيخ قد قال: بأنّك لم تسمع بغير كلمة عالم، و لا علم لك عن هذه العوالم التي مرّ ذكرها، و بأنّ العالم غير منحصر بالمحسوسات، و أن هناك عوالم لطيفة كثيرة غير هذه، استشهاداً على ذلك يقول شعره «بيان مثلهنّ» اي استمع جيّداً إلى ما قاله ابن عبّاس في شرح الآية مِثْلَهُنَّ بأنّه لو فسّر هذه الآية لقُتل، و اعرف نفسك جيّداً، فإنّك لم تعرف حقيقة الأمر بعد، و إذا كشف عارف و محقّق ملهم الحجاب عن بعض أسرار الوجود، لهبّ الخلائق إلى الطعن و المجابهة، بل قد يغالى بعضهم إلى حد تكفيره، و استباحة دمه، بحجّة الدفاع عن حرمة الدين بزعمهم.
                        إخراج بايزيد من مدينة بسطام اثنتي عشرة مرّة بتهمة الإلحاد

يروى أن السلطان بايزيد البسطاميّ قدّس سرّه قد اخرج من بسطام بتهمة الإلحاد و الزندقة إثنتي عشرة مرّة، و كان في كلّ مرّة يبعّد عن بسطام يقول: هنيئاً لمدينة ملحدها بايزيد. و أمّا الآن، فالجميع متيّم و عاشق لقبر ذلك الجليل، و عند ما كان على قيد الحياة الظاهريّة، لم يكن الناس على و فاقٍ و علاقة معه، ولكن عند ما التحقت روحه بالعالم العُلويّ، و أصبح قبره كومة تراب و حجر فإنّ الناس من جهة أوساخ غفلتهم و جهلهم لهم ما يربطهم مع الحجر و الحَمأ المسنون فقد و لِهوا بقبره.
إذا كنت منصفاً، تمعّن في هذه الآية الكريمة التي يقول فيها ذو الجلال و العزّة جلّ شأنه و عظم سلطانه:
__________________________________________________
1- صدر الآية 12، من السورة 65: الطلاق.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 177
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ. [1]
شعر:
         ديده اين شاهان ز عامه خوف جان             كين گُرُه كورند و شاهان بى نشان‏
             انبيا را گفته قومِ راه گم             از سَفَه: إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ [2]
             زرّ خالص را و زرگر را خطر             باشد از قلّاب خاين بيشتر [3]

لأنّ وجود العالم هو ظلٌّ للوجود الحقيقيّ، و أن توهّم الغيريّة الحقيقيّة لوجود عالم الخيال، توهّم باطل، و كلّ من خامرته فكرة الغيريّة، كان ضحيّة الغفلة، يقول:
         تو در خوابيّ و اين ديدن خيال است             هر آنچه ديده‏اى از وى مثال است [4]

أي كما أن الفرد تتراءى له في النوم صور ليس لها وجود في أرض الواقع، ولكنّه يعتقد بوجودها، و لا يدرك بأنّها صور خياليّة ليس إلّا،
__________________________________________________
1- الآية 30، من السورة 36: يس.
2- مقطع من الآية 18، من السورة 36: يس.
3- يقول: «لقد عهد هؤلاء الملوك في عامّة الناس الخوف و الحرص على أنفسهم؛ أن هؤلإ الناس عمي و الملوك ضائعون لا عنوان لهم.
وقال الضالّون للأنبياء سفهاً: إنّا تطيّرنا بكم.
فالخوف كلّ الخوف على الذهب و الصائغ من الخونة و مصائدهم لا من شئ آخر».
4- يقول: «أنت غاطّ في النوم و هذه الرؤية خيال، و كلّ ما رأيته ليس إلّا مثالًا من الحقيقة».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 178
و أنّها غير موجودة بالحقيقة، و أنت الذي تتوهّم بأنّ العالم هو وجود حقيقيّ، و لا تدري بأنّ العالم غير الذي ترى، فإنّك في غفلة، و وهم باطل. و بالحقيقة، فكلّ ما ترى هو صورة و مثال لوجود الحقّ تعالى، تيسّرت من خلال مرآة العيان، و أن لا وجود لغير الحقّ تعالى. شعر:
         اين نقشها كه هست، سراسر نمايش است             اندر نظر چو صورت بسيار آمده‏
             عالم، مثال ذات و ظلال صفات اوست             نقش دوئى چو صورت پندار آمده [1]

                        سيتّضح في الحشر أن كلّ ما سوى الحقّ تعالى سراب‏

يوم القيامة، يظهر كلّ شي‏ء مخفيّ على حقيقته بحكم الآية الشريفة يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآئِرُ، [2] و يقول:
         به صبح حشر چون گردى تو بيدار             بدانى كآن همه وهم است و پندار [3]

و بحكم أن النَّاسُ نِيَامٌ [4] يقول: إنّما يقظتك هي نوم، و الصحو في نوم‏
__________________________________________________
1- يقول: «أن هذه النقوش و الرسوم ما هي إلّا تمثيل و هو يبدو في النظر صوراً كثيرة.
وأن العالَم مثال ذاته و ظلال صفاته، و ما الثنائيّة إلّا كالصورة المتخيَّلة».
2- الآية 9، من السورة 86: الطارق.
3- يقول:
          «إذا ما استيقظ المرء من القبر و جال             سيعلم أنّما ما قد مضى كان خيال»


4- «شرح منازل السائرين» ص 34، باب اليقظة، انتشارات بيدار: كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: النَّاسُ نِيَامٌ؛ و «مرصاد العباد» ص 468، التعليقة 7: النَّاسُ نِيَامٌ فإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا. و في ص 660، يقول في توضيحه «و هي الرواية المذكورة في «زهر الآداب» و المنسوبة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلّم، و المذكورة كذلك في «شرح التعريف» للإمام عليّ عليه السلام. راجع: «أحاديث مثنوى» ص 81. و قد ذُكر في موضعين، في كتاب «الإنسان الكامل» لعزيز الدين النسفيّ: في ص 426 و 271؛ و كذلك في «أحاديث مثنوي» في موضعين: الأوّل في ص 81، رقم 222:
         اين جهان وهم است، اندر ظنّ مايست             گر رود در خواب دستى باك نيست‏
             يقول: «إنّما عالمنا وهم و خيال             كلّ ما فيه مباد و زوال»


وهو ما يناسب مضمون هذه الرواية: النَّاسُ نِيَامٌ فَإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا. و التي وردت في «زهر الآداب» ج 1، ص 60، طبعة مصر، منسوبةً إلى الرسول الكريم صلى الله عليه و آله؛ و في «شرح التعريف» ج 3، ص 98 منسوبةً إلى مولى المتّقين عليّ عليه السلام.
والثاني في ص 141، رقم 438:
         تا برآيد ناگهان صبح اجل             وا رهد از ظلمت ظنّ و دغل‏


يقول: «فإذا ما جاءكم صبح الأجل زالت الظُّلمة عنكم و الضلل»
وهي أيضاً، تناسب فحوى الرواية النَّاسُ نِيَامٌ فَإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا، حيث ورد شرحها في ذيل الرقم 222».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 179
الغفلة هذا يكون بالموت فَإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا، و الحشر هو بمعنى الجمع، (حشَرْتُهُمْ اي: جَمَعْتُهُمْ)، و المراد بهذا الحشر هو الموت الإراديّ، حيث أن مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ؛ [1] اي أنّك ستستيقظ من غفلتك عند صباح‏
ج‏
__________________________________________________
1- يقول صدر المتألّهين في «تفسير سورة السجدة» ص 87 و 88، انتشارات بيدار، في تفسير عبارة: لآ اقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (الآية 1، من السورة 75: القيامة):
 «كما أن الافتراق بين روح الإنسان و جسده هو عبارة عن موت هذا العالم الصغير و قيامته الصغرى؛ طبقاً للحديث الشريف للرسول صلى الله عليه و آله: من مات فقد قامت قيامته».
وفي «إحياء العلوم» ج 4، ص 423، طبعة دار الكتب العربيّة، عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه و آله حيث قال: مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ».
وكذلك رواه حجّة الإسلام الغزّاليّ في كتابه «المضنون على غير أهله» في ص 79، و على هامش الجزء الثاني من كتاب «الإنسان الكامل» للشيخ عبدالكريم الجيليّ (الطبعة الاولى للمطبعة الأزهريّة المصريّة، عام 1316 ه-).
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 180
المحشر، و هو الموت الإراديّ، و تزول التعيّنات و الكثرة و تجتمع أسباب الفرقة و التشتّت التي تورث الغفلة و التخيّلات الفاسدة كلّها، و يظهر التوحيد. ولكن اعلم أن الوجود كلٌّ واحد، ولكن بسبب كثرة المظاهر تعدّد، و تصوّرك الغيريّة، و اعتبارك إيّاها حقيقة أكيدة، ما هو إلّا وهم و سراب، و أن لا وجود إلّا للحقّ تعالى.
و باعتبار أن التعيّنات و الكثرة، يعبّر عنها بالليل، من جهة ظلمة عدميّتها، فقد جرى إطلاق تعبير الصبح على الموت، باعتباره فناء التعيّن، و ذلك لأنّ البرزخ قد توسّط ليل الكثرة و نهار الوحدة.
و حسب تعبير المتصوّفة، أن الولوج في الحياة الطيّبة القلبيّة بعد الموت الإراديّ، هو ما يعبّر عنه بالقيامة الوسطى، كما جاء في الآية الكريمة:
أوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأحْيَيْنَاهُ وَ جَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ في النَّاسِ [1]، اي مَيْتًا بِالجَهْلِ، فَأحْيَيْناهُ بِالعِلْمِ وَ المعارف.
و لأنّ الحشر، هو اجتماع المتفرقات الذي يظهر بعد محو الكثرات، و يقول:
         چو برخيزد خيال چشم أحول             زمين و آسمان گردد مبدّل [2]

و في صبح الحشر، الذي يمثّل وصول السالك إلى مقام التوحيد، و حيث يذوب الكونان في نظره بنور الوحدانيّة، وَ لَا يَبْقَى إلَّا الْحَيّ الْقَيُّومِ، فإنّ أوهام الأحول التي تصوّر له وجوداً مع وجود الحقّ تعالى ستزول مع زوال وهم الغيريّة، فيعلم يقيناً أن كلّ الوجود هو الحقّ تعالى،
__________________________________________________
1- الآية 122، من السورة 6: الأنعام.
2- يقول: «فلمّا أن توارى عن العين الحَوَل علمتْ أنّه حقّ ما هو بالهَزَل»
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 181
و أن وجود الموجودات ما هو إلّا وجود أجوف، و خيال و وهم و ظنّ، يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَ السَّمَاوَاتُ وَ بَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. [1]
يومئذ ستكون هناك أرض و سماوات، ولكن غير هاتين اللتين نرى الآن، لأنّ الحلم الذي رآه في نوم الغفلة، و في ليل العمر، و ظنّ أنّه الغير، طلع عليه صبح الحشر، و تبيّن أنّه وهم و خيال أحول ليس إلّا. شعر:
         بوديم يكى، دو مى نموديم             نابود شد آن نمود در بود
             چون سايه به آفتاب پيوست             از ظلمت بودِ خود بياسود
             چون سوخته شد تمام هيزم             پيدا نشود از آن سپس دود [2]

إن في ظهور نور تجلّي الوحدة، توارى ظلمة الكثرة، و يقول بهذا الصدد:
         چو خورشيد جهان بنمايدت چهر             نماند نور ناهيد و مه و مهر [3]

إن تجلّي نور شمس الذات الإلهيّة في مرآة قلب السالك إلى الله، اللاهث وراء الحقّ، هذا النور قد طرد أنوار الزُّهرة و القمر و الشمس، ورمى بهنّ في هوّة العدم الحالكة. حيث يمّحي كلّ وجود و نور؛ كما في قوله تعالى: إ ذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَ إذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ. [4] و لأنّ هذه‏
__________________________________________________
1- الآية 48، من السورة 14: إبراهيم.
2- يقول: «كنّا واحداً، لكنّا كُنّا نبدو اثنين، فتلاشى و انمحى ذلك البَداء الكينونة و التكوّن.
ولمّا التحق الظلُّ بالشمس تخلَّصَ و ارتاح من ظُلمة كينونته.
وإذا احترق الحطبُ جميعه لن تَرى له بعد ذلك دخان متصاعد».
3- يقول: «لو ظَهرت لكَ الشمس و طلعت ما أبقتْ للزُّهرة نوراً و لا للقمر ضياءً».
4- الآيتان 1 و 2، من السورة 81: التكوير.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 182
القيامة عند السالك إلى الله، هي واقعة، لا محالة، و هي صورة للقيامة الكبرى، فإنّه إذا ظهرت علاماتها ساطعة، تلاشت أنوار الوجود الخياليّ المجازيّ للكائنات، و ذابت في وهج إشعاع نور ذات الله المطلقة، و بالظهور المطلق للحقّ تعالى، تقوم القيامة، و يفنى كلّ وجود غير وجوده المقدّس، و ما كان آجلًا عند غيره، أصبح عاجلًا عنده. شعر:
         هر كه گويد كو قيامت اى صنم             خويشتن بنما قيامت نك منم‏
             اين قيامت زان قيامت كى كم است             آن قيامت زخم و اين چون مرهم است [1]

كما أن قيام الساعة، التي هي مصداق لاسم القهّار و المعيد، هي ظهور الفناء في الوجود، إذ: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ؛ [2] يقول:
         فتد يك تاب از آن بر سنگ خاره             شود چون پشم رنگين پاره پاره [3]

أي أن الحجر قد تفتّت من و ميض نور الذات الإلهيّة المتجلّية، و قد ركع أمام هيبة النور الإلهيّ و إشعاع التجلّي القدسيّ حجر الصوّان حتى أضحى كالعهن المنفوش و المتلاشي: وَ تَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ. [4]
__________________________________________________
1- يقول: «و إذا سأل أحدهم: أيّان يوم القيامة يا صنم؟ انظُرْ إلى نفسك و تأمّلها فها أنا ذا القيامة.
فهذه القيامة لا تقلّ عن تلك شيئاً، و إذا كانت تلك القيامة جرح فهذه القيامة هي البلسم و الدواء الناجع».
2- الآية 26، من السورة 55: الرحمن.
3- يقول:
          «إن يسقط النور على العروش             تكن جميعها عهناً منفوش»


4- الآية 5، من السورة 101: القارعة.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 183
         صارَ دَكَّاً مِنْهُ وَانْشَقَّ الجَبَلْ             هَلْ رَأيْتُمْ مِنْ جَبَلْ رَقْصَ الجَمَلْ؟!

                        الترغيب في المكاشفات و التجلّيات و السير في العوالم اللطيفة

و ذلك أن تحصيل الكمالات الحقيقيّة، و المعارف اليقينيّة، و هي هدف الوجود، غير متيسّر إلّا في هذه النشأة، يقول:
         بدان اكنون كه كردن مى توانى             چو نتوانى چه سود آنگه كه دانى [1]

إن الشيخ في هذه الأبيات، يحثّ على السموّ إلى المراتب القلبيّة، و المكاشفات، و المشاهدات، و التجلّيات، و الفناء، و التحليق، و العروج إلى الأفلاك، و العوالم اللطيفة. فقد ذكر هنا مقدّمة يمكنها أن تكون وسيلة للطالب الصادق الذي يودّ الحصول على تلك المعاني، و تزيد في فهمه و إدراكه لما هو واقع، و هي:
اعلم أن الإنسان، و بسبب الشموليّة التي تشكّل أصل الفطرة فيه، يمكن لحقائق الامور بعد التنقية و التجلية أن تنكشف له، و أن يتوصّل إلى العروج و السير و الطيران في الأفلاك و العوالم الملكوتيّة و الجبروتيّة اللطيفة، و أن يسبح في بحر تجلّيات الآثار و الأفعال و الأسماء و الصفات و الذات، ليرى بعين البصيرة، و يمتّع ناظريه بجمال ذي الجلال الوهّاج، فيفنى الوجود المجازيّ و التعيّن للسالك في فيض نور تجلّيات الذات الأحديّة، و بعد أن يفنى في الله تعالى و يذوب فيه، يعود و يخلد به جلّ جلاله، يرى الحقّ و يعرفه حقّ معرفته، و يتمّ المراد من خلق الكون، و هوالمعرفة. شعر:
__________________________________________________
1- يقول: «فاسْعَ ما استطعتَ و لا تكُ لاهياً، إذ ما الفائدة من العلم حين تفقد الاستطاعة؟».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 184
         اگر دمى بگُذارى هواى نا اهلى             ببينى آنچه نبيّ ديد و آنچه ديد وليّ [1]

                        ضرورة إرشاد الاستاذ الكامل للسير في العوالم الربوبيّة

و الحصول على هذه المعاني متوقّف على عدة أسباب، هي:
الأوّل: طلب الإرشاد في سلوك طريق الحقّ، كما هو واجب أرباب الطريقة، و الوصول إلى الكمالات المعنويّة، و التي ذُكرت بصورة إجماليّة، يمكن لهذا الكامل، و بإذنٍ إلهيّ، إرشاد طلّاب الحقّ، و هذا الكامل بدوره، يكون مأذوناً من قبل كاملٍ آخر، و هكذا، [2] حتّى تنتهي بخاتم الأنبياء
__________________________________________________
1- يقول: «إذا تركتَ الانحراف و هَجرتَ سبيل الجَنف زمناً، لتمكّنتَ من رؤية ما قد رآه أيّ نبيّ و وليّ».
2- هناك من الأدلّة و الشواهد على وجوب اتّباع المرشد الكامل في السير إلى العوالم الربّانيّة، بحيث لا يسع المجال هنا لذكرها. ولكن مسألة مراعاة التسلسل في اتّباع هذا المرشد مُعنعناً (الواحد تلو الآخر حتى نصل إلى رسول الله)، لا دليل عليها، لا ثبوتاً و لا إثباتاً، على الرغم من أهمّيّة هذه المسألة عند المتصوّفة، إذ يعتبرونها من أساسيّات السلوك، و مع هذا، فلا يستند قولهم إلى أساس رصين، أو قاعدة متينة. و خير نموذج و شاهد، هو العرفان و السلوك لآية الحقّ و الحقيقة، و سند القرآن و السنّة: آية الله الآخوند الملّا حسين قلي الدَّرْجَزينيّ الشَّونديّ الهَمَدانيّ، أعلى الله درجاته السامية، و الذي أخذ العرفان عن استاذه آية الله السيّد على الشوشتريّ، و هذا عن النسّاج، و الله أعلم عمّن أخذ هذا الأخير العرفان.
ينقل الفاضل جناب الحاجّ السيّد محمّد حسن الطباطبائيّ القاضي أدام الله ظلّه، عن والده المرحوم آية الله القاضي الكبير ما يلي: سألت أبي ذات يوم: عمّن أخذت العرفان؟ فأجاب: عن المرحوم السيّد أحمد الكربلائيّ الطهرانيّ. فقلت: و هو، عمّن أخذه؟ فقال: عن المرحوم الآخوند الملّا حسين قلي الهمدانيّ. فقلت: و هذا، عمّن أخذه؟ فقال: عن السيّد على الشوشتريّ. فقلت: و هذا، عمّن أخذه؟ فقال: عن النسّاج. فتابعت: و هذا، عمّن؟ فأجابني بغضب: و ما أدراني؟! أتريد أن تسطّر لي سلسلة؟!
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 185
صلوات الله و سلامه عليه و آله.
شعر:
         راه دور است و پر آفت اى پسر             راهرو را مى ببايد راهبر
             گر تو بى رهبر فرود آيى به راه             گر همه شيرى، فرو افتى به چاه‏
             كور هرگز كى تواند رفت راست؟             بى عصاكش كور را رفتن خطاست‏
             گر تو گوئى نيست پيرى آشكار             تو طلب كن تا بيابى صد هزار
             زانكه گر پيرى نباشد در جهان             نه زمين در جاى ماند نه مكان‏
             گر نباشد در جهان قطب زمان             كى تواند گشت بى قطب آسمان [1]

__________________________________________________
1- يقول: «أن الطريق طويل و ملي‏ء بالمهالك أيّها الصبي، فاتّخِذ لكَ دليلًا.
ولو سِرتَ في ظُلمة ذلك الطريق دون دليل، فإنّكَ لا محالة ستقع في الحفرة و إن كنت أسداً هصوراً.
أنّي للأعمى أن يسير بدقّة و استقامة؟ أن سير الأعمى دون أحد يمسك عصاه و يهديه لهو الهلاك المبين و الاشتباه المهلك.
فإن زعمت أن ليس هناك من شيخ و مرشد، فابحثْ و ستجد مائة ألف شيخ و مرشد.
ولولا الدليل في هذا العالَم لما كانت هناك أرضٌ مَدحيّة و لا مكان مُقام.
ولولا وجود قطب للزمان في الكون و عالمنا هذا لما تمكّنت السماء أو الأفلاك من التحرّك و الدوران».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 186
         گر ترا درد است پير آيد پديد             قفل در دست را پديد آيد كليد [1]

و كما أنّنا فوّضنا أمرنا إلى شيخ كهذا، فعلينا أن ندفن إرادتنا في إرادته، و نكون له كَالمَيِّتِ في يَدَيِ الغَسَّالِ، و أن نتوجّه إلى الحقّ تعالى كما يأمرنا هذا الشيخ، و أن نعوّد أنفسنا صدق الأقوال و الأفعال، و الإعراض عن الأهواء و اللذّات النفسانيّة، و أن نُزَكِّي النفس من رذائل الأخلاق، و نقائص الأعمال، و ترويض البدن على الطاعات و العبادات على حسب ما تأمرنا به السنّة المطهّرة لخاتم الرسل صلوات الله و سلامه عليه و على آله، و أن نتجنّب الإفراط و التفريط، و أن نولّي الوجه عمّا يشغلنا عن الحقّ تعالى، و أن نجعل شعارنا قلّة الكلام و المنام، و الانشغال بالذكر على الدوام، و الاقتصاد بالطعام، و أن لا نحيد قيد أنملة عن أمر الشيخ.
و بتهيئة هذه الأسباب، تضي‏ء مرآة قلب السالك، التي هي البلّورة المسحورة بنور القدس و الطهارة، و تُصَفَّى من أدران الطبيعة.
و أنّه بقطع رابطته بهذا العالم السفليّ الحالك المظلم، تحلّق روحه في العالم العُلويّ، و تعرج فوق السماوات، و فوق العرش، و ترتبط مع الملائكة و الروحانيّات، و تتوهّج الأنوار الإلهيّة في قلبه الطاهر، فيحظى برؤية السرّ، سرّ لقاء الله، الذي هو غاية المقاصد، و نهاية المرام.
شعر:
         چون تو ديدى پرتو آن آفتاب             تو نماندى باز شد آبى به آب [2]

__________________________________________________
1- يقول: «إن طرأ عليك الألم بسبب المرشد، فاعلم أن مفتاح قفل ألَمِكَ قد وُجِد».
2- يقول: «و ما إن رأيتَ ضوء الشمس حتى تزلزلتْ أركانكَ و اختلطت أعضاؤك».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 187
         قطره بودى گم شدى در بحر راز             مى نيابى اين زمان آن قطره باز
             گر چه گم گشتن نه كار هر كسى است             در فنا گم گشتگان چون من بسى است [1]

                        ينبغي اللجوء إلى السلوك و سبيل العرفان مادامت الفرصة موجودة

يقول الشيخ: اعلم حيث إنّك الآن تقدر على الفعل، اي اليوم و قد تهيّأت لك أسباب السير و السلوك و العمر الثمين، اعلم بأنّ الإنسان يمكنه أن يستحصل هذه الكمالات، بل إنّه مخلوق لهذه الغاية.
إذاً، هيّئ هذه الأسباب التي يتوقّف عليها حصول الكمالات، و تحرّك نحو الهدف الذي من أجله خلق الكون، فعند ما يدبّ الوهن في البدن بعد القوّة، هذه القوّة التي هي وسيلة نيل هذا المطلوب، فستتقاعس عن السلوك و التريّض، و تضيع منك هذه الفرصة، و عندها، فانّ علمك بيُسر تحصيل هذه الكمالات التي لم تكتسب منها شيئاً لن يعود عليك إلّا بالحسرة و الندامة. شعر:
         بود در اوّل همه بى حاصلى             كودكى و بى دلى و غافلى‏
             باز در اوسط همه بيگانگى             وز جوانى شعبة ديوانگى [2]

__________________________________________________
1- يقول: «كنت قطرة فتُهتَ في بحر الأسرار، و لن تعثر على تلك القطرة في هذا الزمان أبداً.
أن الضياع و الفَناء و إن لم يكن دَيدن كلّ أحد، لكنّ هناك في عالم الفناء الكثير من‏أمثالى».
2- يقول: «في البدء كان العَبَثُ هو كلّ شي‏ء: الطفولة و الطيش و الغفلة.
وفي وسط الأمر كانت الغُربة و الضياع، و كان الجنون الذي هو من صفات الشباب.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 188
         باز در آخر كه پيرى بود كار             تن خرف درمانده و جان گشته زار
             چون ز اوّل تا به آخر غافليست             حاصل ما لاجرم بى حاصلى است [1]

و يمكن لهذه المقولة «إذا كنت لا تقدر فما فائدة أن تعلم» أن تحمل هذا المعنى، و هو أن الروح الإنسانيّة لمّا تفارق البدن، فلا تعد هناك وسيلة لتحصيل الكمال، و تتيقّن أن ما كان مطلوباً منها، لم يحصل، وراح يستغرق في التمنّي: فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إنَّا مُوقِنُونَ، [2] عندها لا تنفع هذه المعرفة، بل تزيد من ندمه، و هو عذاب مضاعف.
و بما أن منشأ هذه المشاهدات و المكاشفات التي مرّ ذكرها، هي القلب الإنسانيّ، يقول في هذا الشأن:
         چه مى گويم حديث عالم دل             ترا اى سر نشيب و پاى در گل [3]

ما الذي أقوله لك عن حديث عالَم القلب، و هو العروج إلى العوالم اللطيفة، و مشاهدة الأنوار و التجلّيات الإلهيّة، و أنت تنزل إلى قعر الهاوية، من أعالى مراتب الكمالات القلبيّة و الروحيّة، إلى أسفل السافلين، و قد غاصت قدما السير و السلوك في وحْل اللذّات الجسمانيّة، و الشهوات‏
__________________________________________________
1- يقول: «و في النهاية، لما لاح الشيبُ و بَدت الشيخوخة، صار البدن خَرِفاً و مخبولًا، فتألّمت الروح.
ولأنّ الغفلة و الإهمال كانتا الصفتَيْن البارزتَيْن من أوّل العُمر إلى آخره، فإنّنا لم نحصد إلّا العبث و الضياع».
2- الآية 12، من السورة 32: السجدة.
3- يقول «فأين أنت و حديث القلب يا مسكين، يا مَن شمخت برأسك لكنّ رجليك في الطين».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 189
النفسانيّة، و أضحى الهارب مطلوباً، و المطلوب هارباً، و تحمّل النفس عناء الركض وراء المال و الجاه، و تبقى محروماً عن إدراك الكمالات المعنويّة، التي هي اللذّة الحقيقيّة الباقية. شعر:
         اهل دل شو يا كه بندة اهل دل             ورنه همچون خر فرومانى به گل‏
             هر كه را دل نيست او بى بهره است             در جهان از بينوائى شهره است‏
             رو به اسفل دارد او چون گاو و خر             نيستش كارى بجز از خواب و خور
             حقّ همى گويد كه ايشان في المثل             همچو گاوند و چو خر بل هُم أضَلّ [1]

                        مَن لا يبحث عن نفسه هو أكثر الخلائق خسراناً

و لأنّ الهدف من إيجاد العالم، هو المعرفة، و لا يقدر على تحصيل المعرفة الحقيقيّة إلّا الإنسان الكامل، فإنّ العالم مخلوق للإنسان. و لهذا قال الشاعر:
         جهان آنِ تو و تو مانده عاجز             ز تو محروم تر كس ديد هرگز؟ [2]

__________________________________________________
1- يقول: «كُنْ من أصحاب القلوب العاشقة أو كن عبداً لهم، و إلّا فإنّكَ ستبقى كالحمار المُتوغّل في الوحل.
إن من لا يتعامل بالحبّ و العشق فلا خَلاق له (مِن الحياة) و سيكون أشهر من نار على عَلَم في البؤس و الشقاء.
إن شخصاً كهذا ينكّس رأسه دوماً إلى الأسفل كالبقر و الحمير، و لا عمل يُلهيه أو شغل يشغله إلّا النوم و الأكل.
فالحقّ تعالى قد شَبَّهَ أمثال هؤلاء قائلًا: اولئكَ كالأنعامِ بَلْ هُم أضَلّ».
2- يقول: «لك الدنيا و أنت فيها عاجز
فهل رأى الدهر مثلك خسرانا؟»
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 190
فالعالم هو لك، و من أجلك وجد، و الوجود كلّه أداة طيّعة في يدك، و أنت بدورك خلقت من أجل المعرفة، ففي الحديث القدسيّ يَا بْنَ آدَمَ! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ كُلَّهَا لأجْلِكَ وَ خَلَقْتُكَ لأجْلِي. [1] أمّا أنت فغارق في ملذّات‏
__________________________________________________
1- «الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسية» للشيخ الحرّ العامليّ، ص 361، طبعة النجف الأشرف: قال [أي الحافظ رجب البرسيّ‏]:
وجاء في الأحاديث القدسيّات: أن اللهَ يَقُولُ: عَبْدِي! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ لأجْلِكَ وَ خَلَقْتُكَ لأجْلِي؛ وَهَبْتُكَ الدُّنْيَا بِالإحْسَانِ وَ الآخِرَةَ بِالإيمَانِ.
وجاء في تفسير «حدائق الحقائق» تأليف معين الدين الفَراهيّ الهَرويّ المشهور بالمَولى مسكين، ص 378 و 379، الطبعة الثالثة، ما يلي:
 «لطيفة جليلة: لمّا غَلَّقت زُليخا الأبواب، لاحظ يوسف أنّها قد زيّنت نفسها و تبرّجت على أفضل ما يكون. فسلمّ عليها ثمّ دار بوجهه نحو الحائط فرأى صورته و صورة زُليخا مُنعكسة على ذلك الحائط. فرفع رأسه و دار ببصره نحو السقف. فرأى صورتيهما منقوشة على السقف كذلك. فنكّس رأسه إلى الأرض فلاحت له الصورة نفسها على الأرض! فتحيّر في الأمر. فكذلك، أيّها الدرويش! فإنّ مجموع أطباق السماوات و الأرضين من سقف فلك الأطلس إلى سطح الأرض المسدّسة الشكل مبنيّة على محبّة جلاله الأقدس جلّ و علا. و كان غرض زليخا من تصميم البناء على تلك الشاكلة و تصوير القصر على تلك الهيئة، أن لا يرى يوسف عند دخوله عليها إلّا صورتها مُنعكسة في أطراف القصر و جوانبه، و لا يشاهد إلّا جمالها هي وحدها فتدخل سلسلة العشق و المحبّة في دائرة و حلقة مسدودة. و كذا الهدف من خَلق كلّ تلك الأجرام العُلويّة و الأجسام السفليّة، و هو توجّه هذه الحفنة من التراب إلى جناب الأقدس تعالى؛ يَا بْنَ آدَمَ! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ كُلَّهَا لَكَ وَ خَلَقْتُكَ لأجْلي. و مهما أخفوا وجوده بالحُلل و الخِلَع فإنّهم جميعاً شربوا من كأس شهوده و أصبحوا مرآة جمال مظهر ذاته و صفاته، حتى لا يجد العارف غير حُسن محبوبه و جماله، أنّي نظر و إلى أيّ جانب أبصر؛ كما يقول الفقير إليك:
                  گر گشائى ديدة دل، حسن او بينى همه‏
 ور ببندى ديدة بدبين، نكو بينى همه‏


/                        معرفة الله، ج‏1، ص: 191
__________________________________________________
/
          آفتابى را كه اندر روزن دل تافته است             با همه ذرّات عالم روبرو بينى همه‏
             ناظر حقّ باش در مرآت ذرّات وجود             تا در اين آئينه‏ها ديدار او بينى همه‏
             عكس روى است آنكه مى تابد ز آئينه نه روى             آينه بردار تا خود جمله رو بينى همه‏
             يك سر مو گر شود از عالم وحدت پديد             هر دو عالم كمتر از يك تار مو بينى همه‏
             از گلستان معانى يك گلت نآمد بدست             بس كه در گلزار صورت رنگ و بو بينى همه‏
             بادة وحدت به هر ظرفى نمى گنجد معين             نيست اين زان مى كه در خمّ و سبو بينى همه»


يقول: «لو فتحتَ بصيرتك لرأيتَ في كلّ شي‏ء حُسنه و جماله، و لو أغلقتَ عين التشاؤم لرأيت الأشياء كلّها جميلة و حسنة.
وسترى أن ضوء الشمس المُتألّق في أعماق القلب لا يختلف عن باقي الذرّات في العالَم.
كُن ناظراً للحقّ في مرآة ذرّات الوجود، حتى يتسنّى لك رؤية صورته و مُحيّاه في هذه المرايا.
إن ما تراه في المرأة إنّما هي صورة مُنعكسة و ليس الوجه نفسه، فأزِل المرأة لترى وجهه في كلّ شي‏ء.
إن ظهرَ لكَ عالَم الوحدة و لو بقدر شعرة واحدة، لرأيت كِلا العالمَيْن و كأنّهما لا يتجاوزان شعرة واحدة.
ما حصلتَ إلى الآن حتى على زَهرة واحدة من بستان المعاني، و ذلك لأنّك ترى الجميع في بستان الصورة ذاك على هيئة لون و رائحة. أن صهباء الوحدة لا يحويها كلّ ظرف و لا يسعها كلّ إناء، إذ أن هذه الصهباء ليست كالتي عهدتَ محفوظة في الأزوار و الدِّنان».
وافتتح الشيخ محيي الدين بن عربي في «الفتوحات المكّيّة» ص 123، الباب 333، القسم الثالث، الطبعة القديمة، بما يلي:
فِي مَعْرِفَةِ مَنْزِلِ «خَلَقْتُ الأشْيَاءَ مِنْ أجْلِكَ وَ خَلَقْتُكَ مِنْ أجْلِي؛ فَلَا تَهْتِكْ مَا خَلَقْتُ مِنْ أجْلِي فِيمَا خَلَقْتُ مِنْ أجْلِكَ».
وقال في طبعة 1395 ه-، الجزء السابع و العشرون، باب الستّون، ص 358: وَ أنْزَلَ في التَّوْرَاة: «يَا بْنَ آدَمَ! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ مِنْ أجْلِكَ وَ خَلَقْتُكَ مِنْ أجْلي».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 192
لطبيعة، مشغول عن تحصيل المعرفة التي من أجلها خُلقت، مُتّبع هوى النفس الأمّارة بالسوء، أفلا تستطيع أن تترك اللذّات الفانية أيّاماً قلائل و تغنم الكمالات الأزليّة من فيض المعرفة الإلهيّة، و تنجو بنفسك من الحرمان الأبديّ؟
فبسبب دناءة الهمّة، و عدم الانقياد، جعلت من نفسك الأكثر شقاءً، و الأتعس حظّاً من بين كلّ الموجودات. أن بقيّة المخلوقات، لا يسمون لأعلى ممّا خلقوا لأجله، فهم لا يرون كمالًا غير الذي هم فيه، و بسبب عدم الأهليّة، فليس عليهم بلوغ الكمال كما هو مطلوب من الإنسان، أمّا أنت، فتعرف كلّ هذا، و لأجل هذا كانت خلقتك، فلا تكن عبداً للذات البهيميّة، و الشهوات النفسانيّة، و تتخلّف عن مقصود العالمين.
شعر:
         اين چه نادانى است يك دم با خود اي             سود مى خواهى از اين سودا برآى [1]

__________________________________________________
1- يقول:
          «ما هذا الجهل اصحَ و تدبّر             أتُريد منفعة؟ خذ من ذا و أدبِرْ»


                        معرفة الله، ج‏1، ص: 193
         گنج عالم دارى و كَدّ مى كنى             خود كه كرد آنچه تو با خود مى كنى؟
             پادشاهى، از چه مى گردى گدا؟             گنجها دارى، چرائى بينوا؟ [1]

و لأنّه لا راحة من اللذّات الشهوانيّة، و الأطماع النفسانيّة، يقول:
         چو محبوسان به يك منزل نشسته             بدست عجز، پاى خويش بسته [2]

فهو كالسجين المكبّل الرِّجلَينِ، جالس، لا يقوى على الخروج، و قد حُصِر في منزل التقليد و الطبيعة و الأهواء النفسانيّة لا يتجاوزه، و قد قيّد بِيَدِ العجز قَدَمي السير و السلوك عنده، و لا مهرب له للخلاص من هذه القيود، من شدّة الكآبة، و بسبب برودة التقليد و هوى النفس التي تركت أثرها فيه، و أصبح كالميّت، لا يمتلك حرارة الشوق و لا ذوق العشق. شعر:
         زنده شو اين مردگى از خود ببر             گرم شو افسردگى از خود ببر
             آتشى از عشق او در دل فروز             خرمن تقليد را يكسر بسوز [3]

                        طريق معرفة الله يتمثل فى تخطّي عبادة النفس‏

و لأنّ برودة الطبع و الهوى غالبة على أمزجة النساء، فهو يقول:
__________________________________________________
1- يقول:
          «تملك الدنيا و تُجهد نفسك             من ذا قد فعل الذي عليه تصرْ
             أنت سلطان، لماذا تكتدى؟             تملك الكنز، علامَ تسهرْ؟»


2- يقول: «كما المسجون الذي جلس في منزل من المنازل و قد قيّد بالعجز قدميه».
3- يقول: «إحيَ و أزِلْ عنكَ هذا الياس و التهالُك، و انشَط و تفاعل، و اهجُر الكآبة و الهَمّ.
اشعلْ في قلبك شعلة من نيران حبّه، و احرِق أكداس و رُكام التقليد برمتها».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 194
         نشستى چون زنان در كوى إدبار             نمى دارى ز جهل خويشتن عار [1]

فكنت كالنساء، أدرت ظهرك للمعرفة، و اتجهت لمقتضيات الطبيعة و هوي النفس، و سلكتَ سبيل الشقاء و الإدبار، و اغتررت بمباهج الدنيا و ظاهرها البرّاق، و لم ترفع قَدَماً في طريق نيل الكمال المعنويّ، و لم تخجل من جهلك. شعر:
         تا به كى همچون زنان اين راه و رسم و رنگ و بو؟             راه مردان گير و با صاحبدلان دمساز شو
             چون زغن تا چند باشى بستة مردار تن             در هواى سير جان يك لحظه در پرواز شو [2]

و حيث أن حصول الكمالات، مقرون بمخالفة النفس و هواها، يقول:
         دليران جهان آغشته در خون             تو سر پوشيده ننهى پاى بيرون [3]

أي أن طالبي قرب المولي عزّ و جلّ، و هم سالكو الدرب بما يملكون من شجاعة خارقة، في صراع دائم مع النفس الأمّارة بالسوء، حيث يقول الحديث الشريف: أعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ التي بَيْنَ جَنْبَيْكَ، [4]
__________________________________________________
1- يقول: «جلستَ- كفعل النساء- في درب الإدبار، و ما أدراك أن في ذلك عارُ».
2- يقول:
                   «حتى مَ كالنسوة تبغي السُّبلا
 خُذ سبيلًا للرجال الكُمّلا
 كالحَدَأة لا تبرح المُستَنقَعا طِرْ لحظة و اطلب لنفسكَ النفعا»


3- يقول: «فالأشاوس في العالم مخضّبون بدمائهم، في حين أنّك متخفٍّ لا تجرؤ على الخطو خارج منزلك».
4- نُقِلَ هذا الحديث في «بحار الأنوار» ج 15، ص 40، في الجزء الثاني المتعلّق بالأخلاق، طبعة الكمبانيّ، نقلًا عن «عُدّة الداعي». و أوردها كذلك المرحوم آية الله بحر العلوم في الرسالة المنسوبة إليه، ص 94. و ذكرتها أنا الحقير في رسالة «لبّ اللباب» و هي مجموعة دروس و تقريرات الاستاذ العلّامة، ص 73. و جاء ذكره أيضاً في «حدائق الحقائق» ص 711.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 195
التي هي عدوّة الدين، فهم لا يكفّون عن محاربتها باستمرار، يقول الحديث القدسيّ: أ وْحَى اللهُ تعالى إلى موسى عليه السلام: أن أرَدْتَ رِضَائِي فَخَالِفْ نَفْسَكَ؛ إنِّي لَمْ أخْلُقْ خَلْقاً يُنَازِعُنِي غَيْرَهَا، هؤلاء هم راسخو الأقدام، انبروا إلى مخالفتها و مجادلتها، و لم يركنوا إلى مكرها لحظة واحدة، فقلوبهم كلمى من غضبها و قهرها، أمّا أنت، فقد وضعت حجاب التقليد على وجهك، و أقمت في دار الطبع و الهوى كالحريم، و لم تتقدّم في طريق الطلب، و لم تنج بنفسك من مستنقع الطبيعة هذا. شعر:
         نفس دون را زير دستى تا به كى؟             شو مسلمان، بت پرستى تا به كى؟
             همچو يوسف خوش برآ از قعر چاه             تا شوى در مصر عزّت پادشاه [1]

                        مقولة «عليكم بدين العجائز» تعني الأمر بالانقياد المحض لا النهي‏

و لأنّ التقليد في طريق معرفة الله، الذي هو أساس جميع العقائد الدينيّة، غير مستحسن، فهو يقول:
         چه كردى فهم از اين دين العجايز             كه بر خود جهل مى دارى تو جايز؟ [2]

__________________________________________________
1- يقول: «إلى متى ترزح نفسك في الحضيض؟ كُن مسلماً، فحتّي مَ عبادتك الأصنام؟
كُن كيوسف؛ أخرج بنفسكَ من غيابة الجبّ، حتى تصبح العزيز في مصر».
         2- يقول:
          «ما الذي استوعبتَ من دين العجائز
 فقبلتَ الجهل حكماً ما بجائز؟» ج‏


                        معرفة الله، ج‏1، ص: 196
و يشير إلى الحديث الشريف: وَ عَلَيْكُمْ بِدِينِ العَجَائِزِ، [1] اي ماذا
__________________________________________________
1- قال صاحب ديوان «أحاديث مثنوي» ص 225 و 226 برقم 742، الطبعة الثانية:
                  هم در اوّل عجز خود را او بديد
 مرده شد دين عجائز برگزيد

 يقول: «لقد رأي عَجزه في البداية فمات و سار على دين العجائز».
وهو إشارة إلى الحديث المذكور: عليكم بدين العجائز. ( «إحياء العلوم» ج 3، ص 57؛ و اعتبره مؤلّف «اللؤلؤ المرصوع» ص 51 موضوعاً مستقلّا. راجع «اتحاف السادة المتّقين» ج 7، ص 376، ففيه بحث مفيد حول هذا الحديث و شواهد على صحّته).
وذكر آية الله الحاجّ الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء رحمه الله في كتاب «الفردوس الأعلى» ص 224، الطبعة الثالثة، ما يلي: و لعلّ هذا المراد من الكلمة المأثورة: «عليكم بدين العجائز». و قال آية الله السيّد محمّد على القاضي الشهيد رحمه الله معلّقاً على ذلك بقوله:
 «مُراد شيخنا الإمام دام ظلّه من كون تلك الكلمة مأثورة، هو كونها مأثورة عن بعض السلف، لا أنّها مأثورة بهذه العبارة عن أحد المعصومين عليهم السلام؛ لأنّها ليست من المأثورات عن النبيّ أو أهل بيته عليهم الصلاة و السلام، و لم يروها أحد من المحدّثين بطرق أصحابنا الإماميّة أو بطرق أهل السنّة في الجوامع الحديثيّة عنهم صلوات الله عليهم كما حقّقنا ذلك تفصيلًا في بعض مجاميعنا.
وقال الحافظ أبوالفضل محمّد بن طاهر بن أحمد المقدسيّ في كتابه: «تذكرة الموضوعات» ص 40، ط 2، مصر، سنة 1354 ه-: عليكم بدين العجائز. ليس له أصل من رواية صحيحة و لا سقيمة إلّا لمحمّد بن عبدالرحمن البيلمانيّ بغير هذه العبارة له نسخة، كان يُتَّهم».
وذهب جماعة من العلماء كالشيخ البهائيّ و تلميذه الفاضل الجواد و الفاضل المازندرانيّ إلى أن تلك الكلمة من كلام سفيان الثوريّ من متصوّفة العامّة.
وقال القوشجيّ في «شرح التجريد»: أن عمرو بن عبيدة لمّا أثبت منزلة بين الكفر و الإيمان، فقالت عجوزة: قال الله تعالى: هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَ مِنكُم مُّؤْمِنٌ، فلم يجعل الله من عباده إلّا الكافر و المؤمن؛ فقال سفيان: عليكم بدين العجائز!. و قال المحقّق القمّيّ قدّس سرّه صاحب «القوانين»: المذكور في الألسنة و المستفاد من كلام المحقّق البهائيّ قدّس سرّه في حاشية «الزبدة» أن هذا هو حكاية دولابها و كفّ اليد عن تحريكها لإظهار اعتقادها بوجود الصانع المحرِّك للأفلاك، المدبِّر للعالم.
وحكى سيّد الحكماء السيد الداماد قدّس سرّه في «الرواشح السماويّة» ص 202، ط طهران، عن بعض العلماء أن عليكم بدين العجائز من الموضوعات. و عن كتاب «البدر المنير»: أنّه لا أصل له بهذا اللفظ.
ولكن روى الديلميّ مرفوعاً: إذا كان في آخر الزمان و اختلفت الأهواء، فَعَلَيْكُمْ بِدِينِ أهْلِ البَادِيَةِ وَ النِّسَاءِ! قِفُوا على ظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ وَ إيَّاكُمْ وَ التَّعَمُّقَ إلى المَعانِي الدَّقِيقَةِ! اي فَإنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَفْهَمَهَا- انتهى.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 197
استنبطت من هذا الحديث حتى تبيح لنفسك الجهل، و لا تسعى و تجتهد و تكدح في طريق المعرفة الإلهيّة؟ إلّا اللهمّ، إذا اعتقدت بأنّ التفكّر في معرفة الله ممنوعة، و أن هدف النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله من هذا الحديث هو كما أن لا قدرة للعجائز على التفكّر و الاستدلال، فكونوا أنتم أيضاً كذلك. اي أن لا تسعوا في طلب المعرفة اليقينيّة، و اكتفوا بمجرّد التقليد، و بهذا الاستنباط العقيم، قد سرى الخذلان و الجهل إلى نفسك، و لم تسع في طريق الطلب؟
و اعلم، أن حقيقة مضمون هذا الحديث الشريف، هو أنّه يجب علينا و في جميع الأحكام الشرعيّة، بدءاً من الأوامر، حتى النواهي التي تشكّل هيكل الدين، أن نتقيّد بتنفيذها، كما تفعل العجائز، و أن لا نشرك العقل أو هوى النفس فيها. و أن لا نفسّر الامور على خلاف ظاهرها، إلّا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، لأنّ تأويل الأحكام الشرعيّة ليس مرجعها العقل وحده، و ليس معنى ذلك ترك التفكّر في معرفة الله، و الكفّ عن الطلب، و القبوع في بيت التقليد المحض مثلما تفعل العجائز. شعر:
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 198
         آن دلى كو هست خالى از طلب             دائماً بادا پر از رنج و تعب‏
             آن سرى كو را هواى دوست نيست             زو مجو مغزى كه او جز پوست نيست‏
             جان كه جويايت نباشد كو به كو             مرده بى جان بود جانش مگو
             جان ندارد هر كه جوياى تو نيست             دل ندارد هر كه شيداى تو نيست [1]

فالمراد من الحديث، هو ليس الاقتصار على التقليد، و يقول هنا:
         زنان چون ناقصات عقل و دينند             چرا مردان ره ايشان گزينند؟ [2]
 ففي الحديث الشريف للرسول الأكرم صلى الله عليه و آله: هُنَّ نَاقِصَاتُ العَقْلِ وَ الدِّينِ. [3]
__________________________________________________
1- يقول: «أن القلب الفارغ من الطلب و البحث ملي‏ء دائماً بالمتاعب و اللغوب.
ولا تبحث عن المخّ في الرأس الذي لا يشغله هوى الصديق و الرفيق، فليس ذلك الرأس سوى قشراً و حسب.
إن النفس التي لا تقطع الجبال و الوديان بحثاً عنك، ليست نفساً بل مجرّد جسد بلا روح.
إن مَن لا يبحث عنك و لا يطلبك لا يملك روحاً على الإطلاق، و لا قلب لِمَن لا يُتَيَّمُ بك».
2- يقول: «أن النساء ناقصات العقل و الدين، فَلِمَ يختار الرجال طريقهنّ و نهجهنّ؟».
3- و جاء في «نهج البلاغة» في الرسالة 14، من باب الرسائل، و طبعة مصر، مطبعة عيس البابيّ الحلبيّ، شرح الشيخ محمّد عبده، ج 2، ص 15:
وَ لَا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأذىً وَ أن شَتَمْنَ أعْرَاضَكُمْ وَ سَبَبْنَ امَرَاءَكُمْ! فَإنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ القُوَى وَ الأنْفُسِ وَ العُقُولِ. أن كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالكَفِّ عَنْهُنَّ وَ إنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ.
وذُكر في «فروع الكافي» ج 1، ص 338، في كتاب الجهاد، الطبعة الحجريّة، بلفظ فَإنَّهُنَّ ضِعَافُ القُوَى وَ الأنْفُسِ وَ العُقُولِ، في رواية مفصّلة و التي ذكر السيّد الرضيّ‏
موجزاً لها في «نهج البلاغة»، عن حديث مالك بن أعين أنّه قال: حَرَّضَ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ النَّاسَ بِصِفِّينَ فَقَالَ: أن اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ دَلَّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ ألِيمٍ- إلى آخر وصيّته و تحريضه على الجهاد.
وجاء في «شرح نهج البلاغة» للخوئيّ، ج 18، ص 166، أنّه جاء لفظ: فَإنَّهُنَّ ضِعَافُ القوى وَ الأنْفُسِ وَ العُقُولِ في كلتا الروايتين ل- «الكافي» و نصر بن مزاحم، إلّا أن تلك اللفظة وردت في رواية الطبريّ بشكل: فَإنَّهُنَّ ضِعَافُ القُوَى وَ الأنْفُسِ دون ذكر كلمة وَ العُقُولِ.
وجاء في الخطبة (78) من «نهج البلاغة»: و من خطبة له عليه السلام بعد حرب الجمل في ذمّ النساء:
مَعَاشِرَ النَّاسِ! أن النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الإيمَانِ، نَوَاقِصُ الحُظُوظِ، نَوَاقِصُ العُقُولِ؛ فَأمَّا نُقْصَانُ إيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ في أيَّامِ حَيْضِهِنَّ، وَ أمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوارِيثُهِنَّ عَلَى الأنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ، وَ أمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الوَاحِدِ؛ فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وَ كُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ على حَذَرٍ، وَ لَا تُطِيعُوهُنَّ في المَعْرُوفِ حتى لَا يَطْمَعْنَ في المُنْكَرِ.
وأورد هذه الخطبة في «نهج البلاغة» ج 1، ص 129، طبعة مصر بتعليق الشيخ محمّد عبده؛ و كذا في «سفينة البحار» ج 2، ص 587، مادة نَسَأ، في (كج نط 53) ج 23، طبعة الكمبانيّ، الباب 59، ص 53. و ذكر ذلك أيضاً الآقا جمال الدين الخونساريّ في شرح «غرر الحكم و درر الكلم» للآمديّ، ج 6، ص 2811 و 2812 برقم 9877.
وقال الملّا مسكين في «حدائق الحقائق» ص 438، الطبعة الثالثة: «و قد اعتبر كيد النساء عظيماً لأنّ المرأة من مصائد الشيطان و حَبائِله: النِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطانِ. و ناقصات العقول نَاقِصَاتُ العُقُولِ وَ الدِّينِ، و مع هذا نجد كثيراً من الرجال مع كمال عقولهم و تمام نباهتهم يقعون أسرى في شِراك النساء و كيدهنّ و مكرهنّ».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 199
كما أن المقصود ب- عَلَيْكُمْ بِدِينِ العَجَائِزِ، ليس أن تكونوا في الدين‏
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 200
تابعي العجائز، بسبب أنّهن ناقصات دين، كما أخبر الرسول صلى الله عليه و آله عنهنّ، فلهذا يكون المراد منه، الانقياد للأوامر، و ترك النواهي، و عدم التأويل على حسب الأهواء النفسانيّة، تماماً كما تفعل العجائز.
و كلّ ما لا يدركه عقلك، دع حقيقة تأويله، و اعترف بقصورك، فإنّ كمال النبوّة أعلى من أن يبلغ أيّ فرد حقائق أحكامها الشامخة. شعر:
         چشم تو ادراك غيب آموخته             چشمهاى ديگران بر دوخته‏
             آن يكى ماهى همى بيند عيان             و آن يكى تاريك مى بيند جهان‏
             سالها گر ظنّ دوَد با پاى خويش             نگذرد زاشكاف بينى هاى خويش [1]

                        مادام السالك لم يتخطّ كلّ شي‏ء، فإنّه لن يصل إلى مراده‏

كما ذُكر آنفاً، فإنّ النساء ناقصات دين، و من غير المناسب، تقليد الرجال لطريقتهن، و لا أن يضربوا حولهم حجاب التقليد، و هو الآن يقول:
         اگر مردى برون آى و نظر كن             هر آنچ آيد به پيشت زان گذر كن [2]
 أي إذا كنت رجلًا، فاعلم أن التواري وراء جدار التقليد و الطبع هو من صفات النساء و طباعهنّ، و ليس من طباعك، فتهيّأ للسفر إلى عالم‏
__________________________________________________
1- يقول: «اغشيت عين الرجال و أنت وحدك من بينهم باصرٌ و حَصيف.
فعينٌ ترى البدر كلّ حين، و أخرى لا ترى العالَم إلّا ظلاماً و عُتمة.
ولو سعى الظنُّ سنين راكضاً على قدمَيه، لم يُبصر أبعد من أنفه».
2- يقول: «إن كنت رجلًا فاخرج و انظر، و تجاوز كلّ ما يعترضك».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 201
المعنى و القرب من المولى جلّ و علا، و أخرج نفسك من حالة التقليد و الطبع و هوى النفس التي تولّد السكون و الياس، و تقدّم في طريق طلب منازل الدنيا و العقبى، و اطلب من الحقّ تعالى أن يشغلك، و تخلّ عن كلّ شي‏ء، و لا تتوقّف عند مرتبة أو منزلة من المنازل، حيث يقول متجرّد و النهج، و عشّاق الحقيقة: أن همّة السالك، في طريق الطلب، من العلوّ بحيث إذا عُرضت عليه كلّ المقامات و المراتب، نظر إليها بازدراء، و وجّه جلّ اهتمامه إلى المطلوب الحقيقيّ. شعر:
         زانكه گر جائى نظر خواهى فكند             در كنار خويش سر خواهى فكند
             چيست زو بهتر، بگو اى هيچ كس             تا بر او دلشاد باشى يك نفس؟
             من نه شاهى خواهم و نه خسروى             آنچه مى خواهم من از تو هم توئى‏
             مرگ جان بادا دل درويش را             گر گزيند بر تو هرگز خويش را [1]

__________________________________________________
1- يقول: «إذا التَفَتَّ أو نَظرتَ هنا و هناك (و أنت في طريقك نحو الحقّ)، فإنّك ستظلّ مكانك و تركد في محلّك دون حراك.
مَن ذا أفضل و أغلى منه حتى تسرَّ قلبك به و تبحث عنه باستمرار؟ قل! بالتأكيد لا يوجد أحد (أفضل و أغلى منه).
أنا لا أطلب أن أكون مَلكاً أو سلطاناً، أبداً، أن ما اريده منك هو أنت نفسك.
إن الدرويش (و السالك إلى الله) يتمنّى موت نفسه على أن يفضّلها عليك أو يرجّحها في مقابلك».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 202
إن اللهَ لَا يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ. [1]
لأنّ الانشغال بالأسباب، و الالتفات لغير المطلوب، يورث البعد و الحرمان، يقول هنا:
مياسا يك زمان اندر مراحل‏
مشو موقوف همراه رواحل [2] فالشوق و العشق للسالك الطالب و الصادق، يجب أن يكون من السمو بحيث لا يتوقّف العبد عند أيّة منزلة من المنازل في مسيره الذي يقطعه إلى الحقّ تعالى، و أن لا يريح النفس عند أيّة منزلة من هذه المنازل، و لا يتوقّف مع من توقّف من القوافل، إلّا مع مربّيه، و هو الشيخ الكامل، الذي لا يتيسّر بدونه سلوك الطريق، و أن يهيم و يحنّ للقاء المحبوب، فلا قرار له و لا راحة، و لا في قافلة يرغب و لا رفيق، و لا عن وداع يبحث و لا دليل. شعر:
         پا برهنه مى روم در خار و سنگ             زانكه من حيرانم و بى خويش و دنگ‏
             تو مبين اين گامها را بر زمين             زانكه بر دل مى رود عاشق يقين‏
             يك دمِ هجران برِ عاشق چو سال             وصلِ سالى متّصل، پيشش خيال [3]

__________________________________________________
1- صدر الآية 48، من السورة 4: النساء.
2- يقول: «لا تقفنّ في منزل دونه منازلُ، و لا تكن موقوفاً في صفّ الرواحل».
3- يقول: «أسير فوق الحصى و الأشواك، أنا حَيران بدونك تائه دون مُعين.
أنتَ المُبين لخَطونا فوق التراب، كلّ مَن يعشق وجهك واثقٌ غير ظَنين.
كلّ لحظة هَجر تعدل لدى العاشق سنيناً، و وصال لعامٍ عنده كالخيال».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 203
و كطالب الحقّ الذي يمضي على خُطى النبيّ، يقول:
         خليل آسا برو حقّ را طلب كن             شبى را روز و روزى را به شب كن [1]
 فكن كإبراهيم الخليل عليه السلام، الذي حرّر نفسه من إنَّا وَجَدْنَآ ءَ ابَآءَنَا، [2] و في سبيل طلب الحقّ و ذكره صل الليل بالنهار، و النهار بالليل. اي لا تغفل، و لا ترقد جفونك عن طلب الحقّ لحظة واحدة. شعر:
         مرد بايد كز طلب وز انتظار             هر زمان صد جان كند بر وى نثار
             نى زمانى از طلب ساكن شود             نى دمى آسودنش ممكن شود
             گر فرو استد زمانى از طلب             مرتدى باشد در اين ره بى ادب [3]
 فإنّ حجاب النور كحجاب الظلمة، مانع من الوصول، فيقول:
         ستاره با مه و خورشيد اكبر             بود حسّ و خيال و عقل انور [4]

لأنّ الترغيب و التشويق، جعل الطالب السالك صادقاً، يقول، يجب أن نخطو خطوات أكبر من التقليد، و نمضي إلى مصاحبة الأنبياء عليهم السلام، في سلوك الطريق إلى الله، لينال كلٌّ حظّه- و حسب استعداده الفطريّ- من مكاشفات الأنبياء، و ذلك بحسن المصاحبة.
و بفضل العناية الإلهيّة التي تحيط بالأنبياء عليهم السلام، و الأنفاس‏
__________________________________________________
1- يقول: «كن كالخليل و ابتغ الحقّ، وصِلْ في بحثك الليل بالنهار».
2- مقطع من الآية 23، من السورة 43: الزخرف.
3- يقول: «على المرء أن يُضحّيَ نفسه مائة مرّة من أجل الوصول إلى طَلبه و نيل مراده.
وعليه أن لا يستكنّ لحظة واحدة عن الطلب و لا يستقرّ عن الهدف.
وإن توقّفَ لحظة عن ذلك صار أشبه ما يكون بالمُرتَدّ و قليل الأدب».
4- يقول: «كانت الشمس و القمر و النجم لا محال، عقلًا منيراً و حسّاً و خيال».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 204
القدسيّة التي يحوون، فقد جُعِل ظاهرهم عين باطنهم، ففي حين يبذل الأولياء أقصى سعيهم و اجتهادهم، ليروا فيض الولاية بعين البصيرة، يرى الأنبياء هذا الفيض جليّاً و بامّ أعينهم، و بيان حالاتهم و مكاشفتهم هو فوق فهمنا و إدراكنا. و في بيان مقامات و مكاشفات و تجلّيات السالكين و المكاشفين، و هم أولياء الله، في متابعتهم الأنبياء عليهم السلام، التي تحصل عن طريق الرياضة و السلوك، فإنّه يورد مقدمة، لتيسير فهم المعاني التي يشير إليها الشيخ في هذه الأبيات حول طريقة كلّ نبيّ، و يقول:
                        شرائط و آداب سلوك الطريق إلى الله تعالى‏

اعلم، أن الولاية الخاصّة هي كمال القرب إلى الحقّ تعالى، لدرجة أن تمّحي الثنائيّة بينهما، و يذوب الوليّ في الحقّ تعالى بعد فناء ال- «أنا» فيه، و هذا لا يتمّ بغير التصفية، و ذلك عن طريق ترويض النفس على المجاهدات، و التجرّد من العلائق و الكدورات البشريّة و العوائق الجسمانيّة، و التوجّه نحو الحقّ تعالى، و التزام الخلوة، و المواظبة على الذِّكر و الطاعة و العزيمة و الانقطاع و التبتّل عن الخلق.
و الأنبياء عليهم السلام بحكم قدسيّتهم و نزاهتهم، و فائق العناية الإلهيّة التي تحيط بهم، فإنّهم في مسألة الإرشاد، لا يحتاجون أحداً غير الحقّ تعالى، إن استثنينا توسّط الملائكة في بعض الأحيان. و أمّا اتّفاق أصحاب الطريقة، فهو أن باقي أصناف الأولياء، عدا المجذوبين منهم لا يمكنهم الوصول للهدف الحقيقيّ، و هو مقام الولاية، بدون إرشاد صاحب الكمال الذي يتولّى إرشادهم. شعر:
         پير، ما لابدّ به راه آمد ترا             در همه كارى پناه آمد ترا [1]

__________________________________________________
1- يقول: «أيّها الشيخ! لقد جاءك ما لابدّ منه و لا مفرّ، و هو ملاقيك في كلّ أعمالك».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 205
         اى خنك آن مرده كز خود رسته شد             در وجود زنده‏اى پيوسته شد
             هر كه شد در ظلّ صاحب دولتي             نَبوَدش در راه، هرگز حاجتي [1]
 الإنسان هو عصارة جميع المراتب، فإذا عمل بطريقة التصفية كما ينبغي و نوّر قلبه- الذي هو بالحقيقة البرزخ الجامع للوجوب و الإمكان- بالذِّكر و التوجّه الكلّيّ للمبدأ، و رفع الموانع عن الطريق إلى نور القدس، فإنّه سيحصل على الصفاء التامّ، و ينعكس كلّ موجود فيه، و تنكشف صور كلّ الأشياء، من مادّيّات و مجرّدات، في قلبه، و بهذا الصفاء و الانسجام الذي ابتدع مع عالم المعاني، تتجسّم المجرّدات له، و هي التي ليس لها صور حسّيّة في العالم الجسمانيّ، و تتشكّل بأشكال محسوسة، على حسب النسبة الموجودة بينها و بين تلك الصورة، فعلي سبيل المثال، كان جبرئيل عليه السلام يظهر بصورة دحيّة، و غير ذلك من الصور، للرسول الأمين صلى الله عليه و آله و سلّم و حتى البارئ جلّ و علا، أحياناً، يظهر له في عالم المثال، متلبّساً بلباس المظاهر الحسّيّة، و هو ما يطلق عليه اصطلاحاً، التأنيس، و هو عبارة عن تجلّي الحقّ تعالى على صورة المظاهر الحسّيّة، لغرض تأنيس المريد المؤيّد، بالتزكية و التصفية، و هو بداية تجلّيات القلوب.
__________________________________________________
1- يقول: «فيا أيّها السعيد! أن ذلك الميّت الذي تحرّر من (قيود) نفسه، قد التحقَ بالوجود الحيّ.
فمَن استظلَّ بظلّ صاحب الحكومة و السلطان لم يَحْتَجْ إلى شي‏ء خلال سيره في ذلك الطريق».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 206
                        أنواع التجلّيات: آثاريّة، أفعاليّة، صفاتيّة، و ذاتيّة

و الآن اعلم، أن التجلّي، و هو ظهور الحقّ تعالى في بصيرة قلب السالك الطاهر، بشكل عامّ على أربعة أنواع و هي: الآثاريّ، الأفعاليّ، الصفاتيّ، و الذاتيّ.
التجلّي الآثاريّ: و هو أن يرى الحقّ تعالى على صورة الجسمانيّات، الذي هو عالم الشهادة، من البسائط العلويّة و السفليّة، و المركّبات، على أيّة صورة كانت، و حين الرؤية، يتيقّن بأنّه الحقّ، و التجلّي الآثاريّ، و التجلّي الآثاريّ الصوريّ (أي المشاهدة على صورة إنسان)، هما أتمّ و أعلى من باقي التجلّيات.
التجلّي الأفعاليّ: هو أن يتجلى الحقّ تعالى على صفة من الصفات الفعليّة، و هي الصفات الربوبيّة. و تجلّيات الأفعال، غالباً ما تتمثّل بالأنوار المتلوّنة، اي أن الحقّ تعالى يُرى على هيئة نورٍ أخضر، أو أزرق، أو أحمر، أو أصفر، أو أبيض.
التجلّي الصفاتيّ: و هو تجلّي الحقّ تعالى على هيئة الصفات السبع الذاتيّة و هي الحياة و العلم و القدرة و الإرادة و السمع و البصر و الكلام، و أحياناً، في هذا النوع، يكون التجلّي على هيئة نور أسود، اي يتمثّل الحقّ تعالى بصورة نور أسود.
التجلّي الذاتيّ: و ذلك بأن يفنى السالك فناءً مطلقاً، و لا يعد للعلم أو الشعور أو الإدراك وجود قطعاً. و التجلّيات المذكورة تتفاوت بحسب صفاء و أوقات المتجلّى عليه.
فإذا رأى الحقّ تعالى مظهراً له، فهو التجلّي الكامل، و أمّا إذا أصبح هو انعكاساً للحقّ تعالى، اي يرى الحقّ في نفسه، فهذا أتمّ و أكمل، لأنّ التحقيق يثبت هذا. و في جميع مراتب التجلّيات المذكورة للحقّ تعالى، فإنّ رؤية الحقّ جلّ و علا أو تجسّد الحقّ فيه، هو طريق التصفية الحقيقيّ.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 207
و سماع موسى عليه السلام لنداء إنِّي أنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، [1] و كذلك الحديثان الشريفان رَأيْتُ رَبِّي في أحْسَنِ صُورَةٍ، [2] ومَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ [3] شواهد قاطعة على جواز حدوث التجلّيات.
                        بقاء السالك ببقاء الحقّ، بعد فنائه في التجلّي الذاتيّ‏

و حالة البقاء بالله تكون على حسب الكاملين الواصلين، و ذلك بعد فناء السالك في التجلّي الذاتيّ، يخلد ببقاء الحقّ و خلوده، حيث يرى نفسه مطلقاً، بلا تعيّن جسمانيّ أو روحانيّ، و قد أحاط علمه بكلّ ذرّة من الكائنات، و اتّصف بكلّ الصفات الإلهيّة، و إنّه القائم المدبّر لهذا العالم، و لا يرى شيئاً غير نفسه، و هذا هو المقصود من كمال التوحيد العيانيّ.
         آن كه سُبحانى همى گفت آن زمان             اين معانى گشته بود او را عيان‏
             هم ازين رو گفت آن بحر صفا             نيست اندر جُبّه‏ام الّا خدا
             آن أنا الحقّ گفت اين معنى نمود             گر به صورت پيش تو دعوى نمود [4]

__________________________________________________
1- ذيل الآية 30، من السورة 28: القصص.
2- وورد في هامش «الإنسان الكامل» لعبد الكريم الجيليّ، ج 2، ص 61، ط 1316، المطبعة الأزهريّة المصريّة، على «المضنون به على غير أهله» تصنيف الغزّاليّ أنّه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: رَأيْتُ رَبِّي في أحْسَنِ صورَةٍ.
3- قد مرّ ذكر مصدر هذا الحديث في هذا الكتاب.
4- يقول: «أن الذي قال كلمة «سُبحاني» في ما قبل، إنّما كانت هذه المعاني قد تجلّت له في الحقيقة بالكامل.
وكذا قوله «ليس في جُبّتي إلّا الله سبحانه».
وهو الذي أشار إلى هذا المعنى بقوله: أنا الحقّ، و إن بدا لك في الظاهر غير ذلك».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 208
         ليسَ في الدّارَين آن كو گفته است             دُرّ اين معنى چه نيكو سفته است‏
             چون نماند از توئى با تو اثر             بى گمان يابى از اين معنى خبر [1]
 و ما كتبه سلطانا العالم، و الواصلان الموقنان، الشيخ أبومحمّد روزبهان، و الشيخ شمس الدين محمّد الديلميّ قدّس سرّهما عن الوقائع التي عاشاها حكايات عن هذه المراتب التي مرّ ذكرها.
و كذلك في مراحل التصفية، يعرج السالكون معراجاً روحانيّاً بالبدن المثاليّ أو بدونه، حيث يري السالك في كلّ سماء و على حسب الحالة، أرواح الأنبياء و الأولياء و الملائكة، و يحلّق في السماء، إلى العرش و إلى ما
__________________________________________________
1- يقول: «و ما أروعَ ما نظّمَ دُرَر هذا المعنى، ذاك الذي قال «ليس في الدارَيْن...».
فإذا لم يَبقَ لل- (أنا) فيكَ أيّ أثر أو بقيّة، فإنّكَ لا جَرَمَ ستحصل على هذا المعنى و ستصل إليه».
سبق أن ذكرنا في هذا الكتاب أن بايزيد البسطاميّ هو قائل عبارة سُبحاني ما أعظمَ شأني. و هنا نكرّر أنّ: الشيخ نجم الدين الرازيّ قال في كتاب «العشق و العقل» ص 89: «و إذا خرج الجسم من بيضة الوجود، صرخ قائلًا: سُبحاني ما أعظمَ شأني؛ بينما لا تزال قدَمه داخل البيضة».
وقال مصحّح الكتاب في تعليقه ص 113: «هذه العبارة قالها بايزيد البسطاميّ ( «كشف المحجوب» ص 327، طبعة جوكوفسكي، لينينغراد، سنة 1926 م).
وقد مازج العراقيّ في «اللمعات» بين عبارة بايزيد البسطاميّ و كلامه هو قائلًا: «فتارةً يُلبَس العاشقُ حُلّة البهاء و الكمال و يُزَيَّنُ بأنواع زينة الحُسن و الجمال، حتى إذا نظر إلى نفسه رأي المعشوق بالألوان المختلفة؛ بل يرى في نفسه المعشوق بكماله و تمامه؛ حينها سيقول: سُبحاني ما أعظمَ شأني؛ مَن مِثلي و هل في الدَّارَيْن غيري؟» ( «أشعّة اللمعات» للجامي، ص 54 و 55، الطبعة الحجريّة)».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 209
فوق العرش، و كيفيّة و كمّيّة مكشوفات الأولياء كما ينبغي، هي فوق البيان، و بعيدة عن إدراك العقول و إحاطتها.
         فَثَمَّ وَرَاءُ العَقْلِ عِلْمٌ يَدِقُّ             عَنْ مَدَارِكِ غَايَاتِ العُقُولِ السَّلِيمَةِ [1] ج [1]
             عقل اينجا ساكت آمد يا مضلّ             زانكه دل با اوست با خود نيست دل [2]
 بعد تمهيد المقدّمة نشرع في شرح البيت، و نقول: «ستاره با مه و خورشيد اكبر» اي لأنّ السالك المسافر، انطلق نحو الله، فيجب أن يرجِّح ذلك على جميع مراتب التنزّلات لكي يصل إلى المرحلة المطلقة، و ليصل النقطة الأخيرة من الدائرة بالاولى. و بما أن رحلته إلى عالم المثال المتجسّد بالملكوت و الربوبيّة، فهناك يشاهد القوى الروحانيّة المتمثّلة بصور المثل و على حسب صفاء السالك. و حيث قال عن إبراهيم الخليل عليه السلام: «خليل آسا برو حقّ را طلب كن» [3] تعبيراً عما جاء في الآية الكريمة:
وَ كَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ‏
__________________________________________________
1- البيت 675 من تائيّة ابن الفارض الكبرى. و أمّا في النسختَيْن المطبوعتَين لدى الحقير، الاولى في 1372 ه-، دار العلم، و الثانية في 1382 ه-، دار صادر بيروت، فقد وردَتْ لفظة «النقل» بدل «العقل»: فثَمّ وراء النَّقل. و هذا أنسب مضموناً، خلافاً للبيت الذي وردَتْ فيه لفظة «العقل»، ذلك أن الشيخ ابن الفارض يقول في البيت الذي يسبق هذا البيت:
                  وَ لَا تَكُ مِمَّن طَيَّشَتْهُ دُرُوسُهُ‏
 بِحَيثُ اسْتَقَلَّتْ عَقْلَهُ وَ اسْتَقَرَّتِ‏


أي، بحيث صارت العلوم المنقولة هدفهم الأساس ففقدوا بذلك عقولهم و قضوا باقي عمرهم بالترّهات و القيل و القال و لم يرجعوا إلى ألبابهم فيجدوا لأنفسهم مخرجاً.
2- يقول: «لقد سكت العقل هنا، يا مُضلّ، و توقّفَ، لأنّ القلب معه هو (أي مع المعشوق) و ليس مع صاحب القلب».
3- يقول: «اذهبْ و اطلب الحقّ كما فعل الخليل».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 210
الْمُوقِنِينَ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَ اكَوْكَبًا- إلى آخر الآية. [1]
يقول الشيخ: إذا شوهِدَتْ شمس أكبر من النجم و القمر و الشمس الكبيرة، فاعلم أن هذه الكواكب هي الصورة المتمثّلة للحسّ المشترك، و هو القوّة الاولى من القوى الباطنة، و القمر الذي هو قوّة الخيال، و هي القوّة الثانية من القوى الباطنة، و استفاضة النور من العقل هي بمثابة القمر نسبة إلى الشمس، فالشمس هي الصورة المتمثّلة بالعقل، و النسبة بينهما واضحة. فالقوّة العاقلة هي سبب تنوّر ظلمة الجهل في الوجود الإنسانيّ بنور العلم.
                        على السالك أن يعبر التجلّيات الحسّيّة و الخياليّة و العقليّة

و للسالك عند مشاهدته هذه الصور المثاليّة حالتان: الاولى، هي أنّه أثناء المشاهدة، يدرك أنّها الشمس و القمر و النجم، و هي تحتاج إلى تفسير، اي أن رسمها السابق يتمثّل في خياله، فيدرك المعنى الذي يتمثّل في هذه الصورة.
و الحالة الثانية، هي أنّه حين المشاهدة يدرك بأنّ هذا النجم أو الشمس أو القمر هو الحقّ تعالى، و هو في هذه الحالة يكون واقعاً تحت تأثير التجلّيات الآثاريّة.
و لمّا كانت الآيات الكريمة تشير إلى المعنى الأوّل فقد عبّر عنه بالبيت التالى:
         بگردان زان همه اي راهرو             روي هميشه لا احبُّ الأفلين گوي [2]
 و معنى ذلك أنّه يجب غضّ النظر عن كلّ ما نراه من مراتب الحجاب‏
__________________________________________________
- الآيتان 75 و 76، من السورة 6: الأنعام.
2- يقول: «اجتنب أيّها السالك عن كلّ شي‏ء، فليكن «لا احبّ الآفلين» لك قولًا تردّده».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 211
النورانيّ و ذلك في السير إلى الله، كما غضضنا النظر عن الحجب المظلمة. و لمتابعة سيّدنا إبراهيم عليه السلام، يجب أن لا نلتفت إلى صور الحواسّ و العقل، و أن نتوجّه إلى الواحد المطلق، و لا يجب علينا التقيّد بأيّة مرتبة من مراتب التعيّنات، لأنّ كلّ ما هو قيد التعيّن هو وجه من وجوه الكفر الذي يواجهه السالك في طريقه، و يجب الإعراض عن كلّ شي‏ء، و ذلك طبقا للآية لآ احِبُّ الأفِلِينَ، لأنّ صورة الظواهر للأسماء الإلهيّة تؤول للُافول و الانقراض، و إذا لم تخرج عن نطاق المحسوس و المعقول كما في حالة إبراهيم عليه السلام، فلا يمكن الحصول على مشاهدة نور الأنوار، و التي انمحت فيها كلّ الأنوار المحسوسة و المعقولة و ذابت، و لن تخرج عن شرك الأغيار و تتخلّص منه ما لم تصل إلى مرتبة الإطلاق و الوحدة الحقيقيّة. و لن تحصل المعرفة التامّة و المطلوبة و ستبقى محجوبة عن الحقّ. شعر:
         بت پرستى چون بمانى در صور             بگذر از صورت برو معنى نگر
             هر كه او در ره به چيزى ماند باز             شد بتش آن چيز، گو با بت بساز [1]
 و لأنّ مشاهدة الذات المطلقة في مراتب تجلّيات الأسماء و الصفات، هي أسهل، فقد قال:
__________________________________________________
1- يقول: «إن تُؤمِن بالصور دون المعاني فأنتَ وثنيّ؛ اترك الصور و التماثيل و التَزِم المعنى.
ومَن باتَ يتأمّل شيئاً في طريقه و لم يبرحه فإنّ ذلك الشي‏ء بالتأكيد سيؤول إلى صنم له و معبود يُقدّسه؛ فقُل لشخص كهذا: ابقَ أذن مع صنمك و اعتنق مذهبه».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 212
         و يا چون موسى عمران در اين راه             برو تا بشنوى إنّي أنا الله [1]
 و معنى ذلك أن عليك السير و السلوك في طريق الله كما فعل إبراهيم الخليل عليه السلام، و عليك اجتياز المظاهر و التوجّه إلى عالم الإطلاق، أو كما قالت الحكمة: الطُّرُقُ إلى اللهِ بِعَدَدِ أنْفَاسِ الخَلَائِقِ، [2] و سِرْ كما سار موسى بن عمران عليه السلام في طريق الحقّ حتى ترى و تُشاهد تجلّي الحقّ في الصور الحيّة إذ نُودِيَ مِن شَاطِي‏ءِ الْوَادِ الأيْمَنِ في الْبُقْعَةِ الْمُبَاركَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أن يَا موسى إنِّي أنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. [3]
و بناءً على المقدّمة التي ذكرت لبيان التجلّي، تبيّن أن هذا التجلّي الذي تأثّر به موسى عليه السلام هو من نوع التجلّيات الآثاريّة. شعر:
بشنود إنّي أنا الله چون كليم از هر درخت‏
هر كه او بر طور دل از بهر ميقات آمدست‏آيت حسن تو خواند جان ما از هر ورق‏حال عارف برتر از كشف و كرامات آمدست [4]
                        التجلّي الذاتيّ للحقّ محال مادام وجود السالك باقياً

و لأنّ مشاهدة الذات المطلقة محال، على الرغم من وجود الوجود المجازيّ، و تعيّن السالك، فقد قال:
__________________________________________________
1- يقول: «فكن كموسى و اسلك طريقه، و امضِ قُدُماً حتى تسمع إنّي أنا الله».
2- و على أيّة حال فإنّ هذا ليس بحديث، بل حكمة لبعض الحكماء.
3- مقطع من الآية 30، من السورة 28: القصص.
4- يقول: «سيسمع كلّ مَن اعتلى طور الفؤاد من أجل الميقات نداء: إنّي أنا الله، كما سمعها موسى كليم الله.
إن أرواحنا تقرأ آية حُسنك و جمالك في كلّ ورق، و أن حالَ العارف و حالته هي أكرم من جميع الكرامات».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 213
         ترا تا كوه هستى پيش باقى است             جواب لفظ أرْني، لَنْ تَراني است [1]
 فلأنّ الوجود الوهميّ للسالك هو الحجاب الوحيد الموجود بين الحقّ و السالك، فهو تعالى يقول: مادام جبل وجودك باقياً و كنت ناظراً إلى نفسك، فإنّ الحقّ تعالى محتجب بستار الأسماء و الصفات، و مع وجود هذه الحجب النورانيّة، فلا يمكن رؤيته حقيقةً. و طبيعيّ أن الرائيّ و المرئيّ ملحوظان في الرؤية، و لا وجود للغير أصلًا في الانكشاف الذاتيّ، إذ وَ لَا يَرَى اللهَ إلَّا اللهُ.
و لأنّ موسى عليه السلام رأى جلالة الحقّ في ملابس الأسماء و الصفات، فلا جرم أنّه دُعِي بالكليم، و لا ريب في وجود الغيريّة في المكالمة و كان شوق موسى عليه السلام أكبر من أن يقنع بالتجلّيات الأسمائيّة، فقال: رَبِّ أرِنِي أنظُرْ إلَيْكَ، [2] اي أنا محتجب عنك بحجاب (الأنا) مادامت (الأنا) عندك باقية.
         گفتم به هواى مهر رويت             شد جان و دلم چو ذرّه شيدا
             بردار ز رخ نقاب عزّت             بى پرده به ما جمال بنما [3]

__________________________________________________
1- يقول: «مادام جبل وجودك باقياً، فسيكون جواب أرني: لن تراني».
2- مقطع من الآية 143، من السورة 7: الأعراف: وَ لَمَّا جَآءَ موسى لِمِيقَاتِنَا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أرِنِي أنظُرْ إلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلكِن انظُرْ إلى الْجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ موسى صَعِقًا فَلَمَّآ أفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وَ أنَا أوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.
3- يقول: «قلتُ: لقد أصبحت روحي و قلبي يعشقانك من أجل الجمال المُستَقرّ على محيّاك.
فارفَعْ عن محيّاك خِمار العزّة، و اظهَر لنا دون حجاب أو خِمار».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 214
         گفتند اگر تو مرد عشقي             بشنو سخن درست از ما
             هستى تو پردة رخ ماست             از پردة خود به كلّ برون آي‏
             از هستى خود چو نيست گشتي             از جمله حجابها گذشتي [1]
 و قد ورد في بعض النسخ، «صَداى لفظ أرني، لن تراني است» و قد ذُكرت كلمة «صدا» (/ الصوت) لتناسب كلمة «كوه» (/ الجبل)، فيكون المعنى، هو لأنّ الصوت هو صدى نداء صاحب الصوت، و اقترن صوت كلمة «أرِنِي» في الرؤية بوجود موسى عليه السلام، فوقع الصدى دون الرؤية، و هو «لَن تَرَانِي».
         وَ جانِبْ جَنابَ الوَصْلِ هَيْهاتَ لَمْ‏يَكُنْ             وَ هَا أنْتَ حَيّ، أن تَكُنْ صَادِقاً مُتِ‏
             هُوَ الحُبُّ أن لَمْ تَقْضِ لَمْ تَقْضِ مَأرَباً             مِنَ الحُبِّ فَاخْتَرْ ذَاكَ أوْ خَلِّ خُلَّتي [2]

                        إذا زال جبل وجودك، فليس بينك و بين الحقّ من فاصلة

و ذلك لأنّ حجابك من الحقّ هو وجودك هذا، و إلّا فبحكم وَ نحن أقْرَبُ إليه مِنكُمْ، [3] فإنّ الحقّ أقرب إليك منك، فقد قال الشاعر:
         حقيقت كهربا، ذات تو كاه است             اگر كوه توئى نبود چه راه است؟ [4]

__________________________________________________
1- يقول: «قالوا: إن كنتَ عاشقاً حقّاً فاستمع إلى حديث الحقّ من أفواهنا.
إن وجودك هو خِمار محيّانا، فانسلخْ تماماً من ذلك الحجاب.
فإذا انسلختَ من وجودك فاعلم أنّك قد اجتزتَ كلّ الحُجُب».
2- هذان هما البيتان 101 و 102 من «نظم السلوك» لابن الفارض، ص 93، طبعة دار العلم، سنة 1372 ه- و طبعة صادر، سنة 1382 ه- ص 56.
3- صدر الآية 85، من السورة 56: الواقعة.
4- يقول: «أن الكهرباء هي الحقيقة و ما ذاتُكَ إلّا تِبناً، و لو لم يكن جبل ال- (أنتَ) موجوداً، لما كان أمامك من طريق».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 215
أي أن الحقيقة، و هي عين المراد، مثل المغناطيس، و ذاتك و وجودك هو المجذوب، و الجذب يكون من قبل الحقّ تعالى، أمّا انجذابك إليه فهو أمر في غاية البساطة، ولكن تعيّنك هو المانع و السدّ في طريق وصولك إلى المطلق، و إذا لم يكن لل- (الأنا) وجود، فلا حواجز في الطريق إلى الله.
شعر:
         قرب، نى بالا و پستى رفتن است             قرب حقّ از هستى خود رستن است‏
             خويش را بگذار و بى خود شو درآ             اندرون بزم وصل جانفزا
             نيستى از خويش عين وصل اوست             بگذر از هستى، دلت گر وصل جوست [1]

و لأنّ اندراس و اندثار وجود السالك عياناً و شهوداً، لا يتيسّر إلّا بالتجلّي الإلهيّ، فهو يقول:
         تجلّى گر رسد بر كوه هستي             شود چون خاك ره، هستى ز پستي [2]

__________________________________________________
1- يقول: «أن قرب الحقّ هو في تحرّرك من وجودك و القرب ليس في نزولك و صعودك.
ولن ترى الله بجسمك ما حييت، فاهجرْ أذن الجسم و هاجر فذاكم هو وجودك.
إن انسلاخك من الذات هو عين وصالك به، فاجتز الوجود إن كان قلبك يخفق للوصال».
2- يقول: «لو تجلّى الله لجبل الوجود لصار من ضحالته هباءً منثوراً».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 216
أي إذا أشرقتْ شمس التجلّي بنورها على جبل وجود السالك، أضحت ظلمة وجوده بحقارة التراب و صارت المحو المطلق، لأنّه بتجلّي ذات الحقّ فَناء المظاهر و الكثرات.
 (شعر):
         هر كه شد جوياى ديدار خدا             چون خدا آمد شود جوينده لا
             گر چه آن وصلت بقا اندر بقاست             ليك اوّل آن بقا اندر فناست‏
             سايهاى كُه بود جوياى نور             نيست گردد چون كند نورش ظهور
             هالك آمد پيش وجهش هست و نيست             هستى اندر نيستى خود طرفه ايست [1]
 و يشير معنى هذا البيت إلى تتمّة تلك الآية الكريمة التي تقول: قَالَ رَبِّ أرِنِي أنظُرْ إلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَ لَكِنِ انظُرْ إلى الْجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ موسى صَعِقًا.
و هذا هو التجلّي الذاتيّ الذي ذكرناه آنفاً في المقدّمة.
__________________________________________________
1- يقول: «مَن أراد البحث عن الله سبحانه، سيكون لا شي‏ء بمجرّد مجي‏ء الله تعالى و ظهوره.
فمع أن وصالك ذاك هو البقاء بعينه، إلّا أن ذلك البقاء كان فَناءً أوّل الأمر.
إن الظِّلال تبحث عن النور، و عند ظهور النور، فإنّها ستتلاشى.
لقد هلك أمام وجهه الوجود و العدم، و إنّه لمن الطريف أن يوجد الوجود داخل العدم».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 217
و حقيقة الكلام: أن امنية موسى عليه السلام كانت تكمن في مشاهدة الذات الأحديّة، و ذلك في عالم المعنى، و أمّا الجبل الذي بدا لموسى عليه السلام و تجلّي الحقّ تعالى له، فقد كان في الحقيقة وجود موسى عليه السلام الذي تمثّل في هيئة ذلك الجبل، و أمّا رؤية موسى عليه السلام للجبل فكان من نتيجة ذلك، أن خرّ صعقاً بعد أن دكّ الجبل، لأنّ التجلّي الذاتيّ، يقتضي فَناء و انعدام المظاهر.
و على هذا، يجب القول إنّه لم يتيسّر لموسى عليه السلام و الذين معه رؤية ذات الحقّ، فيكون حكم لَن تَرَانِي مطلقاً، و تتيسّر مشاهدة الحقّ عند تنزّل الذات إلى مراتب الأسماء و الصفات، حيث تجلّى لموسى على هيئة شجرة في الوادي الأيمن، و تكلّم معه من وراء ستار الأسماء و الصفات:
وَ لَمَّا جَآءَ موسى لِمِيقَاتِنَا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ. [1]
تبيّن لنا من هذا الكلام، بأنّ الذين قالوا لا يمكن رؤية الله كانوا مصيبين من جهة، و ذلك باعتبار الذات.
و أمّا الذين قالوا بإمكان رؤيته تعالى فهم مصيبون كذلك، و ذلك باعتبار الأسماء و الصفات.
من چو او را ديده و ناديده‏ام‏
در ميان اين و آن شوريده‏ام [2] لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ. [3]
فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَ لَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ
__________________________________________________
1- صدر الآية 143، من السورة 7: الأعراف.
2- يقول: «لقد تُهتُ بين هذا الأمر و ذاك لأنّني أراهُ و لا أراه في الوقت نفسه».
3- صدر الآية 103، من السورة 6: الأنعام.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 218
رَبِّهِ أحَدًا. [1]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إلى رَبِّها نَاظِرَةٌ. [2]
                        السلوك و الرياضات هي من أجل الاستعداد للجذبات الإلهيّة

و اعلم أن السلوك و الرياضة و التصفية، إنّما تكون باستعداد الأفراد للانجذاب الإلهيّ، و ليس لأحد أن يصل إلى الله بعملٍ ما.
و لهذا فقد قال:
         گدايى گردد از يك جذبه شاهي             به يك لحظه دهد كوهى به كاهي [3]
 أي أن جَذْبَةٌ مِنْ جَذَبَاتِ الحَقِّ تُوَازِي عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ [4] فيُمسي الدليل‏
__________________________________________________
1- ذيل الآية 110، من السورة 18: الكهف.
2- الآيتان 22 و 23، من السورة 75: القيامة.
3- يقول:
          «بجذبة مليك صار المسكين             سلطانا فاستبدل الجبل العظيم تِبْنا»


4- و ذكر الشيخ نجم الدين الرازيّ هذه العبارة في «مرصاد العباد» مستشهداً بها في أربعة مواضع. ثلاثة منها في ص 212 و 225 و 511 دون أن ينسبها إلى أحد، و في الموضع الرابع ص 369، نسبها إلى النبيّ، حيث قال: وَ قَالَ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‏] وَ سَلَّمَ: جَذْبَةٌ مِنْ جَذَبَاتِ الحَقِّ تُوَازِي عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ.
وأورد الشيخ نفسه هذا الكلام في رسالة «العشق و العقل» ص 64 دون أن ينسبه لأحد، و قال المُعلّق على هذا الكتاب في ص 109:
 «أن هذا الكلام هو من حديث أبي القاسم إبراهيم بن محمّد النصرآباديّ و هو من كبار الصوفيّة في القرن الرابع (و المتوفّي سنة 372 ه-).
وقد أورد الجاميّ هذه العبارة مع اختلاف طفيف، في ترجمة حال إبراهيم أدهم، حيث قال: جَذْبَةٌ مِنْ جَذَبَاتِ الحَقِّ تُرْبِي عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ. و ذكر أبوسعيد أبوالخير هذه العبارة مع ذكره ل- «كما قال الشيخ». ( «أسرار التوحيد» ص 247، طبعة طهران). و قال مولانا جلال الدين الأبيات التالية في «المثنوي»:
                                    اين چنين سيرى است مستثنى ز جنس‏
 كآن فزود از اجتهاد جنّ و انس‏
 اين چنين جذبي است نى هر جذب عامّ‏
 كه نهادش فضل أحمد و السّلام‏


يقول: «أن هذا سير مُستثناً من الجنس، و هو سير يفوق اجتهاد الجنّ و الإنس.
وهذا الجذب ليس جذباً عامّاً، إذ أساسه فضل أحمد و السلام».
 (نقلًا عن كتاب «فيه ما فيه» تصحيح فروزانفر)».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 219
سالكاً، و فقيراً إلى الله، و يصبح بتقيّده و محجوبيّته ببركة هذه الجذبة، سلطان العزّ، و هو الوصول الحقيقيّ الذي يندرج ضمن الفَناء في التجلّي الذاتيّ، فيستبدل القشّة بالجبل في لحظة واحدة، غير آبه لوزن الجبل. و يرتقي مرتبة المحبوب، بعد أن كان محبّاً، دون منازعة الغير، و يسعد برؤية المطلوب الحقيقيّ، بعين فَبِي يُبْصِرُ.
         وَ في سَكْرَةٍ مِنْهَا وَ لَوْ عُمْرَ سَاعَةٍ             تَرَي الدَّهْرَ عَبْداً طَائِعاً وَ لَكَ الحُكْمُ [1]

شعر:
         در اين دريا فكن خود را مگر درّى به دست آري             كزين درياى بى پايان گهر بسيار برخيزد
             و گر موجيت بربايد چه دولت مر ترا زان به             كه عالم پيش حكم تو چه خدمتكار برخيزد [2]

__________________________________________________
1- «ديوان ابن الفارض» ص 140 إلى 143، طبعة بيروت، 1382 ه-، القصيدة الميميّة و التي مطلعها:
         شَرِبْنَا على ذِكْرِ الحَبِيبِ مُدَامَةً             سَكِرْنَا بِهَا مِنْ قَبْلِ أن يُخْلَقَ الكَرْمُ‏


والبيت المذكور في المتن هو البيت التاسع و الثلاثون من تلك القصيدة.
2- يقول: «اقذفْ بنفسك في هذا البحر لعلّك تحصل على دُرّة، فهذا البحر الواسع و اللا محدود يحوي الكثير من الجواهر و الدرر.
وإذا صادفتكَ موجة فأيّ سلطان و دولة لك أعظم من ذلك، لأنّ العالَم كلّه سيكون خادماً لك و مطيعاً لأمرك».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 220
                        معراج الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ليلة المعراج‏

و لأنّ الحصول على مراتب الكمالات في العالَمَينِ، و الوصول إلى أعلى مقامات اليقين، لا يتمّ إلّا بالسير على خطى خاتم الأنبياء عليه الصلاة و السلام، فقد قال:
          برو اندر پى خواجه به أسري             تفرّج كن همه آيات كبري [1]

يقول: إذهب و اتبع «الخواجة» و هو سيّد المرسلين صلى الله عليه و آله- فهو السيّد الحقيقيّ، و الآخرون عبيده و المتبرّكون بذاته الشريفة- يقول: اذهب إلى الإسراء، و الإسراء هو السير في الليل.
و هي إشارة للآية الكريمة التي تتحدّث عن المعراج:
سُبْحَانَ الذي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الأقْصَا الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَ ايَاتِنَآ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. [2]
و قصّة معراج المصطفى صلى الله عليه و آله مشهورة، و عروجه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثابتة في هذه الآية، و من هناك عروجه إلى السماوات كما في الحديث لَمَّا عُرِجَ بِي إلى السَّمَاءِ، و منها إلى باقي الأفلاك و إلى الجنّة و العرش و ما فوق العرش.
فالمعنى هو، أن تتخلّص أنت أيضاً من كلّ القيود الصوريّة و المعنويّة حتى تنال شرف و بركة متابعة سيّد الأنام صلى الله عليه و آله في عروجه إلى الأفلاك و العرش و ما فوق العرش، و ترى بامّ عينيك الظهور الإلهيّ و التجلّيات الجماليّة و الجلاليّة و الفَناء في الله و البقاء فيه، و تحقّق علم اليقين و عين اليقين، لا بل حقّ اليقين.
__________________________________________________
1- يقول: «قم و اتبع الخواجة (السيّد) في إسرائه و انظر هناك إلى جميع الآيات الكبري».
2- الآية 1، من السورة 17: الإسراء.
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 221
و من الأبيات السابقة و اللاحقة التي ذكرها الشيخ، يتوضّح بأنّ مراتب ولاية الأنبياء عليهم السلام لا ينالها إلّا الأولياء، و ذلك بحسن متابعة الأولياء للأنبياء.
اعلم، أن للمعراج أسباباً: بعضها من جانب الحقّ تعالى، و هي عنايته و جذبته؛ و أخرى من جانب الخلق، و هي التوجّه التامّ نحو الحقّ تعالى. و بما أن الإنسان مدنيّ الطبع، و مركّب القوى، له اختلاط بالبشر نهاراً، و ليس له أن ينقطع الانقطاع الذي يهيّئ له العروج المطلوب، إلّا أن يعتزل الناس اعتزالًا كلّيّاً.
و في الحديث الشريف: «إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي؛ وَ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً- و في روايةٍ أخرى: مِائَةَ مَرَّةٍ» [1] مصداق لقولنا بأنّ‏
__________________________________________________
1- «منازل السائرين» ص 105، منشورات بيدار: وَ لِهَذَا قَالَ [رَسُولُ اللهِ‏] صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي؛ وَ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً. و جاء في التعليق على ذلك ما يلي:
 «روي حسين بن سعيد في كتاب «الزهد» باب التوبة، ص 73 عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق أنّه قال: ... وَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَتُوبُ إلى اللهِ في كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ. و أخرج الترمذيّ حديثاً عن الرسول الكريم صلى الله عليه و آله في كتاب «التفسير» ج 5، ص 283 الباب 48، أنّه قال: إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً. كما أخرج ابن ماجة في كتاب «الأدب» باب الإستغفار، ج 2، ص 1254، أنّه قال: إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وَ أتُوبُ إليه في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً.
وأخرج البخاريّ كذلك في كتاب «الدعوات» ج 8، ص 83، أنّه قال: وَ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وَ أتُوبُ [إلَيْهِ خ‏] في اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً. و روي ذلك أحمد أيضاً في «المسند» ج 2، ص 282، و أخرجه مسلم في كتاب «الذِّكر» باب الاستغفار، ج 4، ص 2075 بلفظ: إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي؛ وَ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ.
ويقول صاحب «مرصاد العباد» ص 257: كما أن الخواجة (و يقصد النبيّ عليه الصلاة) كان لا يزال يستغفر و يتوب و هو في مقام الكمال و العزّ لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَ مَا تَأخَّرَ، قائلًا: إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي؛ وَ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً. و ذكر ذلك أيضاً في ص 326 و 624 يقول في تعليق له: هذا الحديث موجود في كتاب «كشف المحجوب» للهجويريّ، و «صحيح مسلم» و «صحيح البخاريّ».
وذكر السمعانيّ الحديث أعلاه في «روح الأرواح» ص 412 بلفظ عبارة: إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي، و قال نجيب مائل الهرويّ، ص 679، معلّقاً على ذلك بقوله: «حديث نبويّ. و استشهد ابن الأثير بهذا الحديث في «النهاية» 3/ 403 ذيل مادّة (غين)، حيث قال: الغين: الغيم. أراد ما يَغشاهُ مِن السهو الذي لا يخْلو منه البشر. لأنّ قلبَه أبداً كان مشغولًا بالله تعالى، فإنْ عَرض له وقتاً ما عارضٌ بشريّ يَشغلُه من امور الامّة و الملّة و مَصالِحها، عَدَّ ذلك ذنباً و تقصيراً فيَفزَع إلى الاستغفار. و ورد ذلك أيضاً في «مختار الصحاح» ذيل مادّة (غين)؛ و في «الاصول العشرة» ص 88؛ و «اللوائح» المنسوب إلى عين القضاة، ص 126. و نظّم الشاعر مولانا المولويّ في «أحاديث مثنوي» برقم 425 البيت التالى:
                  همچو پيغمبر ز گفتن وز نثار
 توبه آرم روز من هفتاد بار

 يقول: «سأتوب و أستغفر (ربّي) سبعين مرّة في اليوم و أسلك مسلك النبيّ صلى الله عليه و آله قولًا و نثراً».
وقال: يشير هذا البيت إلى الحديث: وَ اللهِ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وَ أتُوبُ إليه في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً، و هو مذكور في «البخاريّ» و «مسند أحمد» و «الجامع الصغير» مع اختلاف طفيف».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 222
الخلاص التامّ لابن آدم من الحجب البشريّة متعذّر. و لأنّ هذه الحجب و الموانع الصوريّة، مرفوعة في الليل، فتظهر هذه الحالات و المشاهدات أكثر ما تظهر للكاملين في الليل، كما جاء في الآية الكريمة:
سُبْحَانَ الذي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا. و في قصّة إبراهيم عليه السلام فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ إشارة لهذا المعنى.
شعر:
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 223
         مي‏رهند ارواح هر شب زين قفس             فارغان، نى حاكم و محكوم كس‏
             رفته در صحراى بى چون جانشان             روحشان آسوده و ابدانشان‏
             فارغان از حرص و از آز و هوس             مرغ وار از دام جسته در قفس [1]
 إن المتعلّقات الجسمانيّة، و الكدورات الطبيعيّة، تمنع عروج السالك و وصوله. شعر:
          برون اي از سراى امّ هاني             بگو مطلق حديث مَنْ رَءَانِي [2]

امّ هانئ هي بنت أبي طالب، و ابنة عمّ الحبيب المصطفي عليه الصلاة و السلام، و اسمها فاختة و امّ هانئ كنيتها، و هانئ بالهمزة بعد النون، و قد عُرج به صلوات الله عليه و آله ليلة المعراج من بيتها الملاصق للمسجد الحرام، و المشهور أن المعراج كان من بيت عائشة، ولكن المفسّرين يروون معراجين لسيّد المرسلين عليه السلام، الأوّل جسمانيّ، و الآخر روحانيّ، فلعلّ المعراج الجسمانيّ كان من بيت عائشة، و الروحانيّ، من فِناء بيت امّ هانئ.
__________________________________________________
1- يقول: «تسرح الأرواح حُرّة كلّ ليلة و تنطلق من هذا القفص، فلا حاكِم فيها و لا محكوم.
تذهب الأنفس و تسيح في الصحراء دون اعتراض، فأرواحها هادئة و مرتاحة و كذا أبدانها.
فهى خالية من (غريزة) الجشع و الطمع و الأهواء، و مثلها في ذلك كمثل الطيور الهاربة من القفص و الشرَك».
2- يقول: «تعال اخرجْ من قصر امّ هانئ، و اسرد حديث منْ رآني».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 224
إن عروج أولياء الله، مرتبط بالروحانيّة و البدن المثاليّ، فهو متناسب مع المعراج الروحانيّ من فِناء بيت امّ هانئ، و هذا المسرى بالنسبة للسالكين و الأولياء هو بيت الطبيعة. فاخرجْ من مسرى الطبع و الهوى، و تحرّر من قيود الشهوة و الميول، و حلّق فوق المتعلّقات الجسمانيّة و الروحانيّة، و ذب في مشاهدة الجمال المطلق، و استورث الكمال المعنويّ للنبيّ و تحقّق ببقاء الحقّ المطلق، و أمّا قوله: مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ فمعناه أن من رآنا فقد رأى الله، و هذه إشارة إلى معنى «البقاء في الله» و التي كانت قد ذكرت في المقدّمة التي تمّ فيها بيان التجلّيات و السير و التحليق. شعر:
         آنان كه گوى عشق ز ميدان ربوده‏اند             بنگر كه وقت كار چه جولان نموده‏اند
             هر لحظه ديده‏اند عيان حسن روى دوست             آئينة دل از قِبَل آن زدوده‏اند
             آن دم كه گفته‏اند أنا الحقّ ز بيخودي             زيشان مدان كه آن نَفَس ايشان نبوده‏اند [1]
 و لأنّ السالك لطريق الحقّ، لا يمكنه الوصول و العبور إلى عالم الإطلاق، و لا يتيسّر له ذلك، مادام مقيّداً بالتعيّن الجسمانيّ و الروحانيّ،
__________________________________________________
1- يقول: «انظرْ إلى اولئك الذين حازوا على العشق و فازوا به، كيف كان فعلهم و عملهم ساعة الجدّ.
فهم في كلّ لحظة يرون جمال وجه الحبيب عياناً، و سلبوا مرآة القلب و الفؤاد منه من قَبْلُ.
إن قولهم حينها: أنا الحقّ، لم يكن عبثاً أو اعتباطاً، فهم في تلك الحالة لم يعوا ما يقولون».
                        معرفة الله، ج‏1، ص: 225
فهو يقول:
         گذارى كن ز كاف كُنج كونين             نشين بر قاف قرب قابَ قَوسَين [1]

أي اجتز عالم الصورة و المعنى، و الغيب و الشهادة، و المراد بهما الكونين، طبقاً ل- فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ، [2] و لا تتوقّف عند أيّة مرتبة من مراتب العالمين، و استقرّ في مقام قاب قوسين، و هو مقام الوحدانيّة و الالوهيّة، و محيط قاب قوسين، هو محيط الوجوب و الإمكان، و هو المقام المحمّديّ، و انظر إلى الموجودات في العالَمَينِ مظهرَي الذات و الصفات الإلهيّة، كأنّها محكومة بحكمك و تحت أمرك، و ارقب توجّه الجميع نحوك. شعر:
         آدمى چون نور گيرد از خدا             هست مسجود ملايك زاجتبا
             نيست مسجود كسى كو چون مَلَك             رسته باشد جانش از طغيان و شكّ [3]

                        شطحات العرفاء و طامّاتهم حال خروجهم عن طورهم‏

فإذا تحقّق للسالك الحصول على مقام الوحدانيّة، صارت ذاته و صفاته الجزئيّة ضمن الذات و الصفات الكلّيّة للحقّ، و أضحت إرادة
__________________________________________________
1- يقول: «فارق العالَمَينِ (عالمي الصورة و المعنى)، و استوِ فوق الافق أو قاب قوسينِ».
2- الآيتان 11 و 12، من السورة 20: طه: فَلَمَّآ أتَاهَا نُودِيَ يَا موسى، إنِّي أنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى.
3- يقول:
                                     «إن تكن تقتبس النور من ربّ العُلي‏
 فأنت مسجود الملائك و أنت المجتبي‏
 لا مَلِكَ و لا سلطانَ يُناظره أو يُدانيه‏
 تعالَتْ ذاته و تنزّهت عن الشكّ و ما طغى»


                        معرفة الله، ج‏1، ص: 226
السالك و علمه هي عينها علم الحقّ تعالى و إرادته، و لهذا، فقد قال:
         دهد حقّ مر ترا هر چه كه خواهي             نمايندت همه اشيا كَما هى [1]

أي أنّه إذا توصّل السالك إلى مقام التحقّق و الاتّصاف بالصفات الإلهيّة، فسيحصل على مطلوبه و مقصوده مهما كان، و سيشاهد آثار جميع الأسماء و الصفات الإلهيّة في نفسه، و سيكون بالإمكان و الوجوب تحقّق مجلى الكلّ، و مجمع البحرين، و سيطّلع عليه الجميع، و سيكون وارثاً للقائل اللهُمَّ أرِنَا الأشْيَاءَ كَمَا هي، [2] و سيراها على حقيقتها كما هي،
__________________________________________________
1- يقول: «سيُعطئك الحقّ سؤالك و مهما شئت، و ترى الأشياء في الدنيا كما هي».
2- من جملة الأدعية التي تذكر في القنوت في الصلوات الواجبة و النوافل، و أوّلها: اللهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَ حُبَّ مَا تُحِبُّهُ وَ حُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَ العَمَلَ الذي يُبَلِّغُنِي إلى حُبِّكَ وَ اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ الأشْيَاءِ إلى. جاء كامل هذا الدعاء في «بحر المعارف» ص 309، حيث نُسِبَ جزء منه إلى الرسول و نُسِبَ الجزء الآخر إلى أمير المؤمنين عليهما السلام. و ورد قسم من الدعاء كذلك في المجموعة المطبوعة الصغيرة للحاجّ ملّا محمّد جعفر كبودر آهنكى. و كان آية عظماء الحقّ المرحوم الحاجّ ميرزا السيّد على آقا القاضي تغمّده الله برضوانه يوصي تلاميذه بقراءة هذا الدعاء في قنوت صلواتهم.
وحكي الشيخ نجم الدين الرازيّ في «مرصاد العباد» عين هذه الفقرة عن رسول الله، في ص 309. و جاء في تعليقاته في ص 631 قوله: «إنّه حديث ورد ذكره في تعليقات «فيه ما فيه» ص 214».
واستند كذلك الرازيّ في رسالة «العشق و العقل» ص 74 على هذا الحديث، و قال المعلِّق على ذلك في ص 103 و 104: «مأخوذ عن حديث: اللهُمَّ أرِنَا الأشْيَاءَ كَمَا هي المنسوب إلى الرسول الكريم. لم نعثر عليه في كتب الحديث و «المعجم المُفَهْرَس». و قد نَظَمَ مولانا جلال الدين في «المثنوي» شعراً بهذا المعني.
                                    اى ميسّر كرده بر ما در جهان‏
 سخره و بيكار ما را وارهان‏
 طعمه بنموده به ما و آن بوده شست‏
 آن چنان بنما به ما آنرا كه هست‏


يقول: «يا مَن سَهّلَ لنا (كلّ شي‏ء) في هذا العالَم، شاغلنا و عاطلنا.
يا مَن وهبَ لنا الطعام و المأكل من باطن مواجدهما و مواطنهما، أظهِرْ لنا الأشياء كما هي».
         ،،،
          اى خداى راز دان خوش سخن‏
 عيب كار بد ز ما پنهان مكن‏


يقول: «يا عالِمَ الأسرار و يا جميل الحديث! لا تُخفِ عنّا عيوب الأعمال السيّئة أبداً».
         ،،،
          راست بينى گر بُدى آسان و زبّ‏
 مصطفى كى خواستى آنرا ز ربّ‏


يقول: «أن كنتَ مِطواعاً و سهل الانقياد فإنّك سترى (الأشياء) بصورة صحيحة (و على حقيقتها)، فقد كان هذا طلب المصطفى من ربّه».
         ،،،
          گفت بنما جزو جزو از فوق و پست‏
 آنچنانكه پيش تو آن چيز هست‏


يقول: «قال: أظهِر (لنا الأشياء) واحدة واحدة (و بالترتيب) من ما موجود فوق و تحت، أظهرها (لنا) كما تبدو لك أنت».
،،، وأشار الشيخ العطّار إلى هذا الحديث أيضاً.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar